هدوء داخل دمشق.. رغم انتشار الاحتجاجات في أنحاء البلاد

القلق يسيطر على سكان العاصمة وكثرة الشائعات تحير الأهالي

صورة مأخوذة عن طريق الهاتف الجوال لمئات السوريين لدى مشاركتهم في مظاهرة ضد النظام في بانياس أمس (أ.ف.ب)
TT

رغم الاحتجاجات المنتشرة بمختلف أرجاء سوريا، بقيت العاصمة دمشق هادئة في أغلب الأحيان. وشهدت الأسابيع الستة الماضية مظاهرات مناوئة للحكومة بمختلف أنحاء البلاد، وواجهتها الحكومة السورية بإجراءات صارمة. ورغم أن المواطنين في دمشق يراقبون هذه الأحداث بقلق، فإن الغالبية منهم يشكون في احتمالية تكرار المشاهد، التي تبث على شاشات التلفزيون من مختلف أنحاء سوريا، داخل العاصمة.

ونظم قرابة 500 شخص مسيرة في منطقة الميدان بالعاصمة السورية يوم الجمعة، ويقال إنهم رددوا شعارات تدعو لإطلاق الحريات. ولكن في معظم مناطق العاصمة دمشق، يقول مواطنون إنهم سيخسرون الكثير حال انضمامهم في حركة الاحتجاجات. وتعتبر دمشق أكثر ثراء من أجزاء أخرى داخل سوريا، وتنافس أسعار العقارات داخل مناطق كثيرة بها أسعار العقارات في مدن أوروبية وأميركية كبرى. وتقليديا تنظر العائلات الهامة داخل دمشق، التي تشكل جزءا كبيرا من اقتصاد المدينة، باحتقار للعامة السوريين، وهي مشاعر تسبق تشكيل الدولة عندما كانت تسود أعراف قبلية.

وقالت امرأة من ميدان العباسيين في شمال دمشق إنه قبل أسبوعين جاء محتجون من مدينة دوما «إلى أبوابنا وطلبوا منا النزول إلى الشوارع». وأضافت قائلة: «لم يقم أحد بذلك لأننا نخشى أن نفقد ما لدينا، فهذه حرب أهلية». وكما هو حال آخرين أجريت معهم مقابلات، تحدثت المرأة شريطة عدم ذكر اسمها خشية تعرضها للانتقام.

وسيطرت قوات أمنية على مدينة بانياس الساحلية يوم الثلاثاء، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء «رويترز». وقالت منظمة «إنسان»، التي تعمل في مجال حقوق الإنسان، إنها تأكدت من اعتقال 3000 شخص في مختلف أنحاء سوريا منذ بدء الانتفاضة، ويحتمل أن يتجاوز الرقم الفعلي 8000 شخص. وقالت فتاة مسيحية في العاصمة إن المظاهرات المناوئة للحكومة هي نتيجة لمؤامرة أجنبية، ويشيع هذا الرأي بين المسيحيين داخل سوريا، ولكنه يعكس مقدار التفاوت بين السوريين داخل الحضر والريف. وقالت: «عدت إلى المنزل في قريتي داخل بسير (جنوب دمشق) في عيد الفصح، ولكننا لم نر شيئا. الجيش هناك من أجل حماية المواطنين. كانوا يلوحون بأيديهم لنا عند نقاط التفتيش، ورحبوا بنا».

وقال غيث، الذي يحيك بدلا في منطقة التسوق «شعلان» داخل مركز المدينة: «يريد الجميع التغيير، ولكن يستغرق ذلك الأمر بعض الوقت. لو جاء أحد إلى محلي وطلب حياكة بدلة، عندما لا تكون جاهزة لدي فورا، يقوم باقتحام متجري! هل هذا أمر معقول؟ نحتاج إلى وقت من أجل إنجاز الأشياء داخل سوريا».

وتحول الشعور بالخوف الذي سيطر على المدينة قبل عدة أسابيع عندما انتشرت إشاعات في أجزاء البلاد عن أن سوريا في حالة ثورة، إلى حالة من القلق. ويعيش اليوم معظم المواطنين حياتهم اليومية كالمعتاد، وتمتلئ المقاهي، وتوجد المزيد من السيارات في الشوارع، ولكن تراجع النشاط التجاري، وأعلنت مدارس ابتدائية وثانوية أخيرا أنها ستغلق أبوابها في الظهيرة بسبب قلة عدد الطلبة.

وقال رجل يمتلك شركة تستورد سيارات وسلعا أخرى من الأردن ولبنان إن المال الذي يستخدمه لدفع رواتب موظفيه بدأ ينفد. وشعر الكثير من المواطنين بالقلق بسبب أخبار نشرت الأسبوع الماضي عن استقالة أكثر من 200 عضو بحزب البعث احتجاجا على إطلاق الرصاص ضد المتظاهرين.

وقد شهدت دمشق أكبر مظاهرات مؤيدة للنظام الحاكم في سوريا، ويبدو أن كثيرين هنا لديهم شعور بأن عددا كبيرا من المواطنين ما زالوا يدينون بالولاء للحكومة. ولكن يجد سكان المدينة أنفسهم بصورة متزايدة في وسط حرب إعلامية، ولا يعرفون من يصدقون. وتنشر صحف حكومية صورا لجنود وعناصر في الشرطة قتلوا على يد «عصابات مسلحة غير معروفة». وأوردت الوكالة العربية السورية للأنباء، التي تديرها الحكومة، أنها كشفت عن «حملات تشويه ضد سوريا» تتزعمها قنوات «الجزيرة» و«العربية» و«بي بي سي». وتقول المؤسسات الإخبارية الموالية للحكومة إنه «رغم ذلك لن تضعف مثل هذه الحملات السوريين ولن تهز معتقداتهم ولن تؤثر على روحهم المعنوية».

وفي ظهيرة يوم الجمعة، سيطر قراصنة على الموقع الإلكتروني لصحيفة «تشرين» المملوكة للدولة، وبثوا موسيقى ثورية على الموقع الإلكتروني للبرلمان السوري. وتقول امرأة إنه لا توجد مساحة مشتركة في هذا الموقف. وتضيف: «هناك مؤيدون ومعارضون للحكومة، وبالطبع، معظم المواطنين في دمشق مع الرئيس. ولا يوجد سوى القليل من النقاش المنطقي».

وبعد الاحتجاج يوم الجمعة داخل دمشق، تساءل كثيرون عن سبب عدم نزول أحد في دمشق إلى الشوارع. وتقول ربى، وهي صيدلانية: «لدي أصدقاء في دوما، ويقولون لي إنه ليس لديهم خبز ولا يوجد معهم شيء يأكلونه. لا نريد أن تصل الأوضاع هنا إلى هذا الحد».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»