مع حلول المساء.. حوادث الاغتيالات بكاتم الصوت تجد طريقها إلى شوارع بغداد

لا تستثني أحدا.. وتنفذها الميليشيات الشيعية والسنية في استعراض قوة قبل انسحاب الأميركيين

TT

يهاجم القتلة بهدوء، وغالبا بعد حلول الظلام فقط، مع عودة القادة السياسيين والعسكريين في العراق بسرعة إلى منازلهم محاطين بحراس مسلحين.

واشتملت حصيلة القتلى في شهر أبريل (نيسان) الماضي وحده على قادة في الجيش وقوات الشرطة العراقية ونائب وزير ورئيس هيئة الضرائب العراقية. وضمت قائمة الجرحى عضوا من أعضاء البرلمان وقاضيا ورئيس المسرح الوطني وناجين من الهجمات في مواكبهم.

ومن بين 50 عملية قتل مستهدفة خلال الشهر الماضي، تم تنفيذ معظم هذه العمليات بواسطة مسلحين يستخدمون أسلحة عازلة للصوت، بحسب بيانات صادرة عن وزارة الداخلية العراقية، التي تشرف على قوات الشرطة في العراق.

ولا تعتبر حوادث الاغتيال سمة جديدة تماما على المشهد السياسي العراقي، ولكن السلسلة الخفية من حوادث القتل التي بدأت خلال الشهر الماضي منحتها ظهورا جديدا، وهزت ثقة العراقيين في قدرة حكومتهم على حمايتهم وأثارت أسئلة بشأن أمن البلاد قبل شهور فقط من الموعد المقرر لانسحاب آخر دفعة من القوات الأميركية من العراق.

وفي الأيام الأخيرة، شعر رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، وأعضاء من البرلمان العراقي، بضرورة تناول حوادث القتل المتكررة علانية، وتعهدوا ببذل قصارى جهدهم من أجل وقف هذه الأحداث.

ولكن حوادث القتل استمرت مع وقوع 14 قتيلا إضافيا على الأقل كضحايا لهجمات بالبنادق الآلية والتفجيرات المستهدفة، ومعظمها ضد مسؤولي الشرطة، خلال الأيام الـ3 الأولى من شهر مايو (أيار) الحالي. وفي وقت متأخر من أول من أمس، الثلاثاء، تسبب هجوم بسيارة مفخخة في مقتل 15 شخصا على الأقل وجرح أكثر من 30 شخصا آخر في أحد الأحياء الشيعية بمدينة بغداد.

ويقول مسؤولون استخباراتيون عراقيون وضباط عسكريون أميركيون إن حوادث القتل تشن من قبل كل من طرفي الطيف الديني والسياسي العراقي، في إطار الاستعراض المتجدد للقوة قبل الانسحاب الأميركي من العراق.

ووفقا لمسؤولين عراقيين، يقف متشددون سنيون، من بينهم أعضاء تنظيم القاعدة في العراق وأعضاء سابقون من حزب البعث الذي كان يترأسه الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، الذين لا يزالون ينظرون إلى الحكومة العراقية المنتخبة على أنها غير شرعية، وراء معظم حوادث القتل الأخيرة. ولكنهم يقولون إن الميليشيات الشيعية، التي تمتلك بعضها علاقات وثيقة مع إيران، تبدو أيضا وكأنها تنفذ بعض حوادث القتل تأكيدا لنفوذها ومن أجل تصفية بعض الحسابات.

وذكر علي الدباغ، الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية أنه لم يكن هناك أي دليل يشير إلى تورط الميليشيات الشيعية في عمليات الاغتيال. ولكنه اعترف بأن العدد الإجمالي لحوادث القتل لمسؤولين بارزين في الحكومة بات يمثل مشكلة خطيرة. وقال الدباغ: «هذه طريقة جديدة للإرهاب هنا في العراق. وهذا تهديد كبير للعملية والحكومة بأكملها».

وتمثل حوادث الاغتيال نسبة 20 في المائة تقريبا من إجمالي نحو 251 حالة وفاة عنيفة في العراق خلال الشهر الماضي. وحصيلة الوفيات تمثل ترتيبات للقوة أصغر مما كان العراق قد تحمله خلال ذروة أحداث سفك الدماء الطائفية في البلاد خلال عامي 2006 و2007، عندما كان أكثر من 2000 عراقي يقتلون في هجمات عنيفة تنفذ شهريا. ويعتبر المعدل الإجمالي لجرائم القتل حاليا في العراق أقل من المعدل السائد في معظم المدن الأميركية.

وذكر إد ملكيرت، الممثل الخاص لمنظمة الأمم المتحدة لدى العراق، الذي وصف هذا التكتيك بالمريض، أنه كان قد حذر مجلس الأمن خلال العام الماضي من زيادة وتيرة الاغتيالات في العراق. وقال الميجور جنرال جيفري إس بوكانان، المتحدث الرسمي البارز باسم الجيش الأميركي في العراق، إن قوات الأمن العراقية سجلت 20 حادث اغتيال في المتوسط خلال الشهور الأخيرة، كما سجلت أكثر من 30 حادث اغتيال خلال شهر مارس (آذار) الماضي وحده. وصرح بوكانان بأن هذه الحوادث كانت أكثر مما تصنفه الولايات المتحدة بشكل صارم على أنها حوادث اغتيال، ولكنه وصف هذا التوجه بأنه «يستدعي القلق» حتى قبل الزيادة المفاجئة التي حدثت خلال شهر أبريل الماضي بأكثر من ضعف المتوسط الحالي.

وقد استحوذت حوادث الاغتيال الحادة الأخيرة على تغطية كبيرة في وسائل الإعلام الناطقة باللغة العربية، التي تكرر تفاصيل الهجمات التي وقعت خلال الليلة السابقة على كل صباح في تقارير تلفزيونية وصحافية تنتشر في شتى أنحاء البلاد.

ويقول مسؤولو أجهزة الاستخبارات العراقية إن القتلة يضمون مسلحين دأبوا على مطاردة كبار المسؤولين العراقيين بأسلحة شبه آلية مزودة بتقنية كتم الصوت. وكان الآخرون رجالا مقنعين يركبون دراجات نارية ويلقون «قنابل لاصقة» مغناطيسية على المواكب التي تحمل نخبة من القيادات السياسية والعسكرية.

وفي رد فعل على هذه الهجمات، قال بعض ضباط الشرطة إنهم رفضوا قيادة سياراتهم الحكومية، وتجنبوا أي مركبات تحمل علامات الحكومة العراقية واصفين إياها بـ«التوابيت». وقد حصلت أجهزة الاستخبارات العراقية على العشرات من سيارات الأجرة المتهالكة ووضعوها تحت تصرف الوكلاء والمسؤولين رفيعي المستوى؛ لكي يتمكنوا من إخفاء أنفسهم في طريقهم للذهاب والعودة من العمل.

ومن أجل قطع طرق الهروب المحتملة، فقد أنشأت قوات الأمن حواجز طرق ونقاط تفتيش جديدة في الأيام الأخيرة، وهو ما أسهم في الاختناق المروري. وقال أحمد رياض، وهو ضابط شرطة عمره 25 عاما كان ينظم المرور خلال الأسبوع الحالي في تقاطع مزين بنصب تذكارية مؤقتة لثلاثة ضباط شرطة تعرضوا للاغتيال، من بينهم ضابطا شرطة قتلا مؤخرا على يد مسلحين يستخدمون أسلحة كاتمة للصوت: «إنه نوع جديد وأعمى من الهجمات المسلحة».

وفي شهادة نيابية أخيرة، وصف مسؤولون في وزارة الخارجية الأميركية الوضع في العراق بأنه «مستقر نسبيا» مع بدء القوات الأميركية التي يصل تعداد أفرادها إلى 50.000 جندي تقريبا، حيث لا يزالون موجودين داخل العراق، في الاستعداد للرحيل عن العراق.

وقد أكدت الجبهة الأمامية لتنظيم القاعدة في العراق مؤخرا مسؤوليتها عن معظم حوادث القتل التي وقعت خلال الشهور الأخيرة. وفي مقطع نشر على موقع إلكتروني متطرف، أدرجت «دولة العراق الإسلامية» أسماء 62 موظفا حكوميا ومسؤولين أمنيين قالت إنها كانت قد قتلتهم، من بينهم 22 شخصا تعرضوا للاغتيال باستخدام أسلحة كاتمة للصوت.

وفي مقابلة داخل أحد مجمعات الشرطة العراقية، قال اللواء حسين كمال، رئيس جهاز الاستخبارات الداخلي إن الحكومة لديها معلومات تشير إلى أن بقايا نظام البعث في البلاد ربما يكونون قد عادوا إلى العراق خلال الشهور الأخيرة من سوريا.

ولكنه ذكر أن المسلحين السنة ليسوا القوة الوحيدة التي تقف وراء حوادث القتل الأخيرة. وقال كمال إن الجماعات الشيعية المتشددة، وأبرزها جماعة «عصائب أهل الحق»، التي تمتلك علاقات مع إيران، تبدو وكأنها تقف وراء بعض حوادث القتل، التي تستهدف أي فرد يتصورون أنه يخالفهم.

وذكرت ماريسا كوتشرين سوليفان، وهي خبيرة في الجماعات الشيعية المتشددة في العراق ونائب مدير معهد دراسات الحرب في واشنطن، أنها تعتقد بأن الزيادة في أعداد حوادث الاغتيال ترتبط بشكل محدود بجيران العراق حيث يحاولون مضاعفة الفوضى الواقعة في منطقة الشرق الأوسط أكثر من استعراض تفوقهم عند رحيل القوات الأميركية. وقالت: «إنه توقيت غامض جدا، وتحاول الجماعات العمل الآن من أجل التأثير على التطورات الأخيرة لصالحهم».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»