الناتو: لا انسحاب مبكرا من أفغانستان بعد مقتل بن لادن

ارتياح حذر وخوف من الهجمات الانتقامية

إسلاميون يشاهدون صورا لأسامة بن لادن والرئيس الأميركي أوباما في تجمع أصولي بالعاصمة جاكرتا أمس (أ.ب)
TT

قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) أمس، إن مقتل أسامة بن لادن لا يعطي مبررا لانسحاب قوات الحلف مبكرا من أفغانستان. أطلقت مهمة الناتو في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001 التي استهدفت الولايات المتحدة والتي خطط لها تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن.

إلا أن الأمين العام لحلف الناتو آندريه فوغ راسموسن قال إن مقتل بن لادن على يد فريق من القوات الأميركية الخاصة خلال عملية في أفغانستان «لا ينبغي أن يؤثر على» عمليات الحلف.

وقال راسموسن خلال مؤتمر صحافي إن «الإرهاب الدولي لا يزال يشكل خطرا مباشرا على أمن بلادنا وعلى استقرار العالم، لذا فنحن بحاجة إلى أن نبقى في أفغانستان طالما كان ذلك ضروريا لتحقيق مهمتنا». واستبعد راسموسن المخاوف من أن يكون مقتل بن لادن، أول من أمس، تم بالمخالفة للقانون الدولي.

وقال راسموسن: «النتيجة هنا هي أن مؤسس تنظيم القاعدة مسؤول عن موت الآلاف من الأبرياء، وأعتقد أن القيام بهذه العملية ضده مبرر».

ومن المرجح أن يؤدي مقتل زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن لاحتدام الجدل بشأن الحرب التي تشنها الولايات المتحدة في أفغانستان، ويزيد من الضغط لخفض أسرع لأعداد القوات الأميركية هناك. وجعل الرئيس الأميركي باراك أوباما هزيمة «القاعدة» في مقدمة أهدافه حين طرح استراتيجية جديدة للحرب في أفغانستان عام 2009 وأمر بزيادة عدد القوات الأميركية بواقع 30 ألف جندي. واعترف مسؤولو الإدارة الأميركية بأن عدد نشطاء «القاعدة» في أفغانستان تضاءل، وربما لا يتجاوز بضع عشرات. ولكنهم حذروا من أن السماح بعودة حركة طالبان للسلطة قد يتيح استغلال البلاد كملاذ آمن للمتشددين من جديد، مما يعرض الولايات المتحدة لخطر هجوم آخر، على غرار ما حدث في 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001.

وربما يقوض مقتل بن لادن - أقوى رموز التشدد الإسلامي - دعم الشعب الأميركي وأعضاء الكونغرس للحرب في أفغانستان بصورة أكبر قبل الموعد المحدد لخفض القوات في يوليو (تموز). وقال دانييل سيروار الأستاذ بجامعة جونز هوبكنز: «السؤال الذي ينبغي أن يطرح الآن: هل يمكن حماية مصالحنا الحيوية وخفض القوات أسرع مما خططنا له». ويعتقد محللون أميركيون أن بن لادن لم يعد يلعب دورا رئيسيا في عمليات «القاعدة» منذ فترة طويلة. ونتيجة لذلك يعتقد كثيرون أن مقتله قد لا يساعد كثيرا في تقليص المخاطر الآتية من المنطقة، وبصفة خاصة المخاوف من انزلاق أفغانستان إلى حالة من الفوضى. وحرص البيت الأبيض أمس على عدم إثارة تكهنات بشأن انسحاب أسرع من أفغانستان، على الرغم من أن المسؤولين تحدثوا عن مقتل بن لادن بوصفه تطورا يبعث برسالة قوية لـ«القاعدة» وغيرها من الجماعات المتشددة. وقال جاي كارني، المتحدث باسم البيت الأبيض: إن الخطة التي وضعها أوباما للخروج من أفغانستان «باقية في مسارها»، وكرر موعد يوليو 2011، ليبدأ في ذلك الحين سحب محدود للقوات الأميركية. وقال كارني ستتحدد وتيرة خفض القوات حسب الظروف على أرض الواقع. وكرر السيناتور الديمقراطي جون كيري الحليف الوثيق لأوباما نفس الرأي. وقال كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي: بعد مقتل بن لادن سيتساءل البعض لماذا لا نحزم متاعنا ونرحل؟ لا يمكن أن نفعل ذلك. وعلى الرغم من ذلك ربما يجد الأميركيون الذين سئموا الحرب صعوبة أكبر في قبول استمرار التواجد الضخم في أفغانستان. وكان أوباما هو شخصيا الذي أصدر تعليمات خلال مناقشة استراتيجية البيت الأبيض عام 2009 بقصر المهمة الأميركية على محاربة «القاعدة» وإضعاف طالبان، وليس هزيمة التمرد كليا في أفغانستان. ومنذ عام 2009 كانت ثمة خلافات داخل الإدارة الأميركية بشأن أفغانستان، واعتقد خبراء أنها ستعود للظهور من جديد مع اقتراب موعد الانسحاب في يوليو 2011. ويصر مسؤولو البيت الأبيض على تحقيق وعد أوباما ببدء سحب القوات حتى ولو كان رمزيا. ويتوقع أن يوصي كثيرون في الجيش بتوجه حذر نحو خفض عدد القوات.

وتعرض أوباما لانتقادات لما اعتبره البعض تخبطا ومحاولة للتوصل إلى حل وسط بين وجهات النظر المتعارضة لأعضاء فريقه.

وانحاز أمس السيناتور ريتشارد لوجار العضو الجمهوري البارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ لجانب المشككين في الحرب، وقال إنه ينبغي على أوباما أن يطرح: «تحليلا رصينا لما يمكن إنجازه في أفغانستان».

وقال لوجار: «مع تفكك (القاعدة) إلى حد كبير في البلاد، على الرغم من أنها نشطة في بعض الأماكن، فإن أفغانستان لا تمثل قيمة استراتيجية تبرر وجود 100 ألف جندي أميركي بتكلفة سنوية مائة مليار دولار في العام بصفة خاصة في ظل القيود المالية الحالية». وقال بيتر فيفار المسؤول في الإدارة السابقة للرئيس جورج بوش إن مقتل بن لادن سيؤدي على ما يبدو لتمسك كل جانب برأيه، مما ينذر بجدل محموم هذا الصيف. وقال فيفار الأستاذ بجامعة ديوك حاليا: «من كانوا يقولون قبل أسبوعين إن الوقت قد حان لإعلان النصر في أفغانستان.. يقولون الآن لقد حان الوقت لإعلان النصر والرحيل من هناك. ويستغل بعض مؤيدي الحرب النبأ كذريعة لاستغلال الزخم والمضي قدما لتحقيق نصر في أفغانستان». وأضاف فيفار: «إذا كنت من مستشاري أوباما سأقول.. استمتع بهذا النصر المستحق، ولكن في الأسبوع المقبل ستظل جميع الخيارات الصعبة في أفغانستان صعبة».

وقوبل نبأ مقتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة بارتياح حذر وخوف من الانتقام في أفغانستان، التي عاش فيها زعيم تنظيم القاعدة لعدة سنوات، وأثيرت أسئلة بشأن ما إذا كانت الحرب المستمرة منذ عشر سنوات قد اقتربت من النهاية. وقال الرئيس الأفغاني حميد كرزاي إن وجود بن لادن في باكستان أثبت للعالم أن أفغانستان كانت على حق «عندما كنا نقول إن الحرب ضد الإرهاب ليس مكانها أفغانستان». وقال كرزاي، الذي كان يتحدث خلال اجتماع مع ممثلي الأقاليم في كابل: «أريد أن أبلغ حلف شمال الأطلسي (ناتو) أن الحرب ضد الإرهاب ليست في منازلنا أو قرانا، وليست في تفتيش منازلنا. عليهم التوقف عن ذلك».

وتابع: «لقد وجدوا أسامة في آبوت آباد (باكستان) ولم يجدوه في لوجار أو قندهار (وهما إقليمان في أفغانستان)». واعتبر كرزاي أن أسامة بن لادن، «عوقب على أفعاله»، داعيا طالبان إلى تعلم الدرس من مصيره الذي لاقاه والانضمام إلى عملية السلام في البلاد. وكانت قوات التحالف، بقيادة الولايات المتحدة، قد أطاحت بنظام طالبان في كابل في نوفمبر (تشرين الثاني) 2001 لإيوائها بن لادن. وفي التمرد الذي تلا ذلك والذي تم بقيادة مقاتلي طالبان وبدعم من فلول تنظيم القاعدة في المناطق القبلية الباكستانية، قتل قرابة 2500 جندي أجنبي، أكثر من ثلثيهم من الجنود الأميركيين، فضلا عن الآلاف من المدنيين الأفغان. فقد قال نور الحق علومي، وهو جنرال عسكري سابق وأحد زعماء المعارضة الآن: «باكستان داعم رئيسي للإرهاب». وقال إنه ليس في وسع المسؤولين الباكستانيين إنكار علمهم بوجود بن لادن عندما «قتل على مقربة من عاصمتهم». وقال المحلل السياسي هارون مير إن مقتل بن لادن سيكون له تأثير كبير على معنويات المسلحين المتمردين، لكنه حذر من الانسحاب المبكر للقوات الدولية من أفغانستان.

وقال عبد السلام ضعيف، سفير طالبان السابق لدى باكستان: إن مقتل بن لادن «لن يؤثر على الحرب في أفغانستان، هذه الحرب تتم بقيادة أفغانية». وقضى ضعيف عدة سنوات في السجن العسكري الأميركي في خليج غوانتانامو بكوبا قبل أن يطلق سراحه عام 2005. وقال ضعيف إنه يتعين على الولايات المتحدة أن تنهي الحرب في أفغانستان. وتحدث السفير الأميركي في كابل، كارل إيكنبري ليكرر التزام واشنطن طويل المدى بأفغانستان، قائلا إنه لن يكون هناك أي تغيير في سياسة الولايات المتحدة تجاه أفغانستان. وفي غضون ذلك، أعرب الأفغان عن مخاوفهم من زيادة هجمات المسلحين، انتقاما لمقتل بن لادن. وقال محمد حيدر إسكندر، وهو من سكان كابل: «ربما يكون هناك مزيد من الهجمات الانتحارية لأن زعيمهم قتل».

من جانبه، قال سيد جبار، وهو صاحب متجر في كابل «إنه خبر سار. ربما يتحقق السلام عندنا بعد مقتله وآمل أن تضع الحرب أوزارها». وتوقع مسؤولون أفغان تصاعدا في الهجمات الانتقامية في شرق أفغانستان، حيث تكبد الجيش الأميركي خسائر كبيرة في الأرواح خلال الأشهر الأخيرة. وقال المحلل مير «في شرق أفغانستان، في جبال كونار ونورستان، يشارك المقاتلون العرب بشكل مباشر.. إذا نجح زعيم آخر في ملء فراغ بن لادن مع عدم المساس بشبكتهم المالية ودعمهم اللوجيستي فسوف يواصلون القتال».