السلطات السورية تعلن بدء الانسحاب من درعا.. وشهود ينفون ذلك

أهالي المنطقة يعيشون «حالة هلع» والمدينة يلفها الحزن.. وصلاة الجمعة قد لا تقام في ظل استمرار احتلال المساجد

سوريون يودعون قوات من الجيش بالأعلام أثناء خروجهم من مدينة درعا أمس (رويترز)
TT

رغم إعلان السلطات السورية أمس بدء انسحاب وحدات الجيش من درعا «بعد أن أنجزت مهمتها بالقبض على الإرهابيين»، أكد شهود عدة لـ«الشرق الأوسط» أن المدينة لا تزال محاصرة، وأن القوات الأمنية لا تزال منتشرة بكثافة. وقال شاهد من درعا تحدث لـ«الشرق الأوسط» في لندن عبر الهاتف، إن القوات السورية «لم تنسحب من المدينة، بل إن ما حصل هو مجرد إعادة تموضع وإعادة انتشار لبعض الدبابات».

وقالت مصادر محلية أخرى إنه «لا صحة للأنباء الرسمية عن بدء الانسحاب من درعا، وإن الدبابات ما تزال في مواقعها وما زالت درعا البلد تخضع لحصار خانق وانتشار لقوات الأمن والجيش في الشوارع». وأشارت إلى سحب بضع دبابات وإرسالها إلى مدينة أخرى في محيط مدينة درعا.

وتعيش درعا التي انطلقت منها الثورة السورية، منذ نحو أسبوعين تحت حصار مطبق، من دون تيار كهربائي، وتعاني نقصا في المواد الغذائية والأدوية وحليب الأطفال. وتحاول السلطات السورية قتل الثورة من المهد الذي انطلقت منه منتصف شهر مارس (آذار) الماضي، في أكبر تحد لعائلة الأسد المسيطرة على الحكم منذ نحو 40 عاما في سوريا.

ورغم اعتراف أكثر من مصدر تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بأن القوات الأمنية أوقفت إطلاق النار على الأهالي في درعا منذ يومين، وأنه يسمح منذ يومين بالتجول، خصوصا للنساء والأطفال والكبار في السن، فإنهم تحدثوا أيضا عن «شعور بالهلع» يعيشه الأهالي، ويقولون إن المدينة تلفها أجواء «الحزن والحداد» على مقتل أكثر من 100 من أهلها خلال أسبوع، واعتقال واختفاء الآلاف.

وفي حين تحول يوم الجمعة إلى يوم يهابه النظام السوري، قد يكون اليوم، يوم «جمعة الشهداء»، مختلفا في درعا. ويقول أحد الشهود: «القناصة لا يزالون منتشرين على أسطح الأبنية، رغم أنهم توفقوا عن استهداف السكان منذ يومين. ولكن الناس جالسة في بيوتها ولا أدري إن كانت هناك نية للخروج اليوم خصوصا أن الجوامع لا تزال تحتلها القوات الأمنية ولن تشهد صلوات الجمعة كما هي العادة في درعا منذ مئات السنين».

وكانت القوات الأمنية قد احتلت مساجد المدينة، خصوصا الجامع العمري الذي انطلقت منه المظاهرات، في الأيام الأولى من اجتياحها المدينة مطلع الأسبوع الماضي. واعتقلت المحتمين داخل الجامع، والذين كان في عدادهم جرحى منعوا من وصول المستشفيات. ولا يزال أمام جامع درعا، الشيخ أحمد الصياصنة مختفيا منذ دخول القوات الأمنية إلى درعا ولم يعرف عنه شيء. وكانت وردت تقارير قبل أيام أكدت مقتل ابنه على أيدي قوات الأمن بعد أن رفض الإفصاح عن مكان والده. وتتهم السلطات الشيخ الصياصنة بأنه يحرض على القلاقل ضد الدولة ويزعزع الأمن الأهلي.

وقال الشاهد في درعا، إن حملة المداهمات والاعتقالات لا تزال مستمرة رغم أنها خفت، مشيرا إلى أن نحو 3 آلاف إلى 4 آلاف شاب ورجل اعتقلوا على مدار الأسبوعين الماضيين، وأودعوا في الملعب البلدي في المدينة حيث يمكثون في العراء ليل نهار. وأضاف أنه يتم انتقاء بعض هؤلاء لإرسالهم إلى دمشق. وتحدث الشاهد الذي رفض الإفصاح عن اسمه خوفا من أن تتعقبه قوات الأمن، عن سلوك «فظ جدا» لبعض الجنود، وقال: «يمشطون المدينة منزلا منزلا، ويدخلون إلى البيوت، يجدون 4 شبان، يضربونهم ويأخذون اثنين أو ثلاثة منهم».

وأكد أن المدينة لا تزال محاصرة، وتعاني انقطاعا في التيار الكهربائي، وأنه لا مواد غذائية أو أدوية أو حتى حليب للأطفال، تدخل المدينة. وقال: «كانت هناك محاولات لتهريب بعض المواد الغذائية والأدوية من البلدات المجاورة، بعضها تم إحباطها، وآخرون تمكنوا من تهريب أدوية ضرورية لمرضى السكري والكلى».

ووصف شاهد آخر أجواء المدينة ومحيطها، وقال إن المنطقة تعيش في «الخوف والحزن العميق» على القتلى والمفقودين والمعتقلين. وأضاف أن القوات الأمنية عممت لوائح بأسماء مئات الأهالي في درعا والبلدات المجاورة، مطلوبين للتحقيق. وقال إن لائحة بأسماء 350 شخصا، من بينهم نساء، جرى تعليقها على باب الجامع في وسط بلدة المحجة، مشيرا إلى أن لوائح أخرى في البلدات المحيطة تحمل أسماء أكثر بكثير من تلك. وذكر أن التعميمات التي نشرت قبل 5 أيام، تعطي المذكورة أسماؤهم مهلة 15 يوما لتسليم أنفسهم، قبل جلبهم بالقوة. وأشار إلى أن أحدا لم يسلم نفسه بعد، إلا أنه عبر عن مخاوف كبيرة من ما قد يحصل في الأيام المقبلة.

وتحدث ناشطون عبر صفحات «فيس بوك» عن قيام السلطات السورية «بعمليات ترميم للشوارع في درعا وإزالة آثار العمليات العسكرية التي جرت فيها»، وحذروا من ذلك قائلين: «انتبهوا.. النظام سيسمح لمنظمة الهلال الأحمر بالدخول إلى درعا وهم الآن يقومون بتعبيد الشوارع وإزالة كل آثار الإجرام وكل ما يسبب فضيحة لهم».

وكانت وكالة الأنباء السورية (سانا) قد نقلت يوم أمس عن مصدر عسكري مسؤول، قوله إن «وحدات الجيش بدأت بالخروج التدريجي من مدينة درعا». وقال المصدر إن وحدات الجيش «كانت تلاحق عناصر المجموعات الإرهابية تنفيذا للمهمة التي كلفت بها استجابة لنداءات المواطنين ومناشداتهم الجيش للتدخل وإعادة الأمن والهدوء والاستقرار إلى ربوع المدينة».

وأضاف المصدر أن «إنجاز المهام المطلوبة وإلقاء القبض على تلك العناصر الإرهابية لتقديمها إلى العدالة» ترك «آثاره الإيجابية على نفوس الأهالي وساهم في إعادة الطمأنينة والشعور بالأمن والأمان وأخذت الحياة تعود تدريجيا إلى وضعها الطبيعي».