الأسد يزيد اعتماده على أبناء طائفته.. ويسلح المدنيين العلويين

يسيطرون على القيادات العليا في الجيش السوري

TT

يتزايد اعتماد الرئيس بشار الأسد على قاعدة دعمه العلوية لسحق الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية، التي تمثل أجرأ تحد لحكم عائلة الأسد الممتد منذ 41 عاما، بحسب تقرير لوكالة «رويترز». وأرسل الأسد، الذي ينتمي للطائفة العلوية الشيعية، الجيش ووحدات من الشرطة السرية يهيمن عليها ضباط ينتمون لنفس طائفته، وهي أقلية في سوريا، إلى مراكز حضرية يغلب على سكانها السنة لإخماد المظاهرات التي دعت إلى إسقاطه على مدى الأسابيع الستة الماضية.

وزاد الخطر بعد أن استخدمت قواته الدبابات لقصف مدينة درعا، الأسبوع الماضي، واقتحام المساجد، ومهاجمة المدنيين العزل، كما أورد سكان ونشطاء. وتشير تقارير إلى أن مجندين من الطائفة السنية، التي تمثل أغلبية في سوريا، رفضوا إطلاق الرصاص على المحتجين. ولمح الرئيس مرارا إلى أن المحتجين يخدمون مؤامرة خارجية لنشر الفتنة الطائفية، وحافظ الأسد على النظام السياسي الذي ورثه من والده، وينتمي إلى الحقبة السوفياتية. وتعيد هذه الفكرة للأذهان اللغة التي استخدمها والده، الرئيس الراحل حافظ الأسد، حين أخمد حركة احتجاجية شارك فيها إسلاميون وعلمانيون ويساريون، مثلت تحديا لحكمه في الثمانينات، ولم تلق صدى واسع النطاق.

لكن الأسد ربما يكون لعب على وتر حساس بين أبناء طائفته العلوية، الذين برزوا في الجيش في ظل الحكم الفرنسي، حين استخدمت الإدارة الاستعمارية سياسة «فرق تسد» للسيطرة على سوريا. وزادت أعداد الضباط العلويين وأصبحوا مسيطرين على القوات المسلحة بعد بضع سنوات من تولي حزب البعث الحكم عام 1963، خاصة الأسراب المهمة في القوات الجوية وكتائب الصواريخ والمدرعات وأجهزة المخابرات.

وقال عضو سابق بإدارة شؤون الأفراد بالجيش: «من حيث الأعداد، معظم أفراد الجيش من السنة، لكن النقيب العلوي له سلطة أعلى من لواء سني».

ويعامل العلويون معاملة مميزة في الوظائف الحكومية والأمنية، غير أن الكثير من القرى العلوية ظلت فقيرة، كما قادت شخصيات بارزة من هذه الطائفة جزءا من المعارضة العلمانية لحكم عائلة الأسد. وندد إعلان، وقعه الاقتصادي العلوي الكبير، عارف دليلة، الذي قضى ثماني سنوات كسجين سياسي بعد انتقاده عمليات الاحتكار التي منحت لأحد أقارب الأسد، بما وصفها بتكتيكات نشر الفزع الطائفي التي تستخدمها السلطات. وخلال الاحتجاجات حاول الأسد، الذي سمح للإسلاميين بممارسة مزيد من السيطرة على المجتمع، ما داموا لا يتدخلون في السياسة، تهدئة المحافظين السنة من خلال الوعد بفتح جامعة إسلامية وتخفيف القيود على ارتداء النقاب. واستخدم والده مزيجا من القمع ومنح الامتيازات لضمان أن تدعم طبقة التجار السنة حكام سوريا الذين ينتمون لأقلية. وضعف نفوذ هذه الطبقة تدريجيا مع صعود جيل جديد من رجال الأعمال مرتبط بعائلة الأسد. لكن السيطرة على الجيش ظلت الأساس لاستمرار حكم عائلة الأسد العلوية الشيعية لشعب أغلبيته من السنة. وقصفت الفرقة الميكانيكية الرابعة، بقيادة ماهر شقيق الأسد، مدينة درعا، لتجبرها على الرضوخ الأسبوع الماضي. وانتشرت وحدات من الحرس الجمهوري حول دمشق.

وفي الرستن، شمال حمص، قال سكان إن ضباطا بالمخابرات العسكرية قتلوا 17 محتجا يوم الجمعة. وقال شهود لوكالة «رويترز» إن السلطات تسلح قرى في جبال العلويين المطلة على مدن اللاذقية وبانياس وطرطوس الساحلية، حيث عين العلويون الذين ينحدرون من هناك في الحكومة وأجهزة الأمن، مما أدى إلى تهميش المجتمعات السنية التقليدية. وقال سكان إن مسلحين موالين للأسد يعرفون باسم «الشبيحة» حاولوا نشر الرعب بين المتظاهرين، فقتلوا ستة مدنيين على الأقل في هجمات لها دوافع طائفية.

وقال مهندس سوري مسيحي، الذي ظلت طائفته على الهامش خلال الاضطرابات: «كنت أقود سيارتي ومعي زوجتي وأولادي في جبال العلويين فوق بانياس، وكانت حواجز الطرق تقريبا في كل قرية علوية. القرويون كانوا يحملون بنادق كلاشنيكوف جديدة». وقال أنس الشغري، وهو أحد قادة الاحتجاجات في بانياس، التي يغلب على سكانها السنة، إن القرويين العلويين المسلحين في التلال المطلة على المدينة قسموا إلى مجموعات لتشكيل ميليشيات موالية للحكم.

وأضاف الشغري أنه يؤسفه أن يقول إن الدعاية التي ينشرها الأسد بأن العلويين لن يستمروا إذا تمت الإطاحة به تلقى صدى بين المنتمين لهذه الطائفة، وقال تقرير للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومقره الدوحة: «التحريض الطائفي وصل إلى مرحلة متقدمة جدا في مناطق تقطنها شرائح متعددة، لكنه على الرغم من ذلك لم ينتج بوادر فتنة طائفية مصدرها الأهالي». وأضاف: «لا خلاف حول هوية ما يسمّى بـ(الشبيحة) باعتبارهم فرقا نصف جنائية من الزعران المقربين من رجالات النظام». وقال إن القيادة السورية تبحث «أهمية العامل الطائفي على ساحة الفعل السورية، وإمكانية استغلاله في مواجهة مضامين الاحتجاجات الشعبية من أجل الحرية والكرامة».