ناشط سوري في لبنان.. يتنقل بهوية وهمية ويوثق «ربيع دمشق» عبر «فيس بوك»

انتقل إلى بيروت قبل 10 سنوات وقال إنه لم يشعر من قبل بالانتماء إلى بلده مثل الآن

TT

في الخامس من فبراير (شباط) 2011، لم يكن منير أكثر من مواطن سوري يتابع بشكل فردي تغيّرا ما تشهده سوريا. من بيروت حيث يقيم منذ قرابة عشرة أعوام، بدأ نشاطه عبر «فيس بوك» محاولا الحصول على معلومات من الأقارب والأصدقاء عن حالة جديدة في الشارع السوري لم يجد لها تفسيرا.

ومع بدء الحراك الشعبي في 15 مارس (آذار) الذي يصرّ على تسميته بالحراك لأن «الثورة الحقيقية لم تبدأ بعد» على حد تعبيره، بات منير، الكاتب والشاعر الذي قصد بيروت باحثا عن حرية لم يذق طعمها وهو على مقاعد الدراسة في دمشق، ناشطا مع مجموعة من الشباب السوريين على «فيس بوك»، ينشرون الأخبار على صفحة خاصة باسم حركة «17 نيسان»، يوثقون الأحداث بالصوت والصورة على قدر الإمكان، ينشرون أسماء الشهداء والمعتقلين والمفقودين، وهم بالآلاف على حد قوله.في المنزل الذي يقطن فيه منير في إحدى ضواحي بيروت، لا أحد يعرف اسمه الحقيقي أو جنسيته (ومنير ليس اسمه الحقيقي)، حتى الذين يقيمون معه تحت سقف واحد. يستيقظ عند التاسعة صباحا ويبدأ عمله على «فيس بوك». يطمئن على أصدقائه في سوريا. ينسّق مع زملائه من مؤيدي التحركات الشعبية في بيروت وسواها من عواصم العالم، ويحاول قدر الإمكان نقل الصورة الحقيقية لما يجري في أحياء درعا وحمص ودوما وتل كلخ وبانياس وسواها من المدن السورية التي تضجّ بصرخات أبنائها على هدير الرصاص. يتواصل منير مع أهله يوميا ويعتصر قلبه لدى سماعه عبر الهاتف أصداء التحركات الشعبية. «من الحي الذي يوجد فيه منزل العائلة انطلقت التحركات الشعبية، أسمع أصواتهم المطالبة بالحرية يوميا وأتحسر لوجودي هنا»، يقول منير الذي بات يشعر للمرة الأولى بالغربة في بيروت التي عشقها. ويضيف: «للمرة الأولى أشعر أنني أعيش غربة وأنا في بيروت، وللمرة الأولى أشعر بعمق انتمائي إلى سوريا وبرغبتي في أن أكون موجودا فيها مع أهلي وزملائي». لا يقلّل منير الذي بات شديد الحذر في بيروت ويختار بعناية الأماكن التي يوجد فيها متحاشيا قدر الإمكان التوجه إلى الحمرا التي اعتاد على ارتياد مقاهيها بشكل يومي، من أهمية الحراك الذي تشهده المدن السورية اليوم. يتحدث بمرارة عما يتعرض له مؤيدو التحركات الشعبية السورية في بيروت عند المجاهرة برأيهم. ويشير إلى أنه «إذا كان اللبنانيون يهددون بعضهم فكيف الحال بالنسبة لسوريين يعيشون في بيروت».

لا ينكر «أننا نحن الموجودين في الخارج خائفون على ربيع دمشق، لكن من هم في الداخل تفوقوا علينا وتحرروا من خوفهم». ويؤكد من خلال تواصله مع أصدقائه عبر الإنترنت أو الهواتف الخلوية العاملة عبر الأقمار الصناعية (الثريّا) أن «الحماس يقود السوريين وهم بعد أن تذوقوا طعم الحرية لن يتخلوا بسهوله عنها، مهما اشتد الحصار عليهم»، مشددا على أن «الحصار الذي يفرضه النظام هو حصار حقيقي بكل ما للكلمة من معنى، كما لو أنه حصار دولة لدولة عدوة».

انحناء منير أمام شجاعة الثائرين على القمع والاضطهاد لا يعني ازدراءه لمن يؤيد النظام، لأنهم وفق تصنيفه ثلاث فئات: «فئة خائفة، وفئة مستفيدة وفئة تريد إعطاء فرصة للإصلاحات». لكن تأييد هذه الفئات للنظام لا يحول دون تفاؤله إلى «أقصى الحدود» بأن شيئا ما تغير وشيئا ما سيتغير في الأيام المقبلة. «الشعب السوري على اختلاف شرائحه لم يعتد إلا على القول: (نريد أن نعيش)، لكن اليوم الناس تواجه الرصاص والظلم باللحم الحي، فأيام المجازر في حماة انتهت»، يقول منير المؤمن بتداعيات «التواصل» القائم اليوم، «فلا المجازر يمكن لملمة آثارها ولا الظلم سيسكت عنه بعد اليوم».