وزير داخلية تونسي سابق يحذر من وقوع انقلاب عسكري

أربك حكومة قائد السبسي.. وقال إنه لم يستقل من مهامه

أحد المهاجرين غير الشرعيين يسير مع شرطي فرنسي اعتقله بعد تسلله من الحدود الايطالية أمس (أ.ب)
TT

قال فرحات الراجحي، وزير الداخلية التونسي السابق، إن الجيش التونسي سينفذ انقلابا عسكريا في حالة وصول إسلاميي حركة النهضة أو شخصيات من غير «السواحلية»، إلى سدة الحكم في البلاد.

ويقصد بعبارة «السواحلية» في تونس سكان محافظتي سوسة والمنستير الساحليتين اللتين انحدر منهما أول رئيسين لتونس المستقلة، وهو الحبيب بورقيبة (المنستير)، وخلفه المخلوع زين العابدين بن علي (سوسة). واعتبر الراجحي، في شريط فيديو يتناقله التونسيون منذ الليلة قبل الماضية على نطاق واسع، عبر موقع «فيسبوك» للتواصل الاجتماعي، أن ترقية الجنرال رشيد عمار، أصيل محافظة المنستير، إلى رتبة قائد أركان الجيوش الثلاثة (البر والبحر والجو) بعد أن كان (منذ سنة 2002) قائدا لأركان جيش البر فقط، دليل على صحة كلامه، حسب ما ذكرت وكالة الأنباء الألمانية.

وينحدر رشيد عمار، 63 عاما، من مدينة صيادة التابعة لمحافظة المنستير التي ولد فيها الرئيس التونسي الراحل، الحبيب بورقيبة (حكم تونس من 1956 إلى 1987).

وأعلنت وكالة الأنباء التونسية، في بيان نشرته يوم 18 أبريل (نيسان) الماضي، أن الرئيس التونسي المؤقت، فؤاد المبزع، رقى رشيد عمار إلى رتبة رئيس أركان الجيوش الثلاثة.

ولم يستبعد الراجحي، 59 عاما، أن يكون الجنرال عمار قد نسق خلال الزيارة التي قام بها في أبريل (نيسان) الماضي إلى قطر، مسائل حول مستقبل الحكم في تونس مع مسؤولين قطريين.

وكانت هذه الزيارة الأولى للجنرال عمار خارج تونس منذ تعيينه قائدا لأركان الجيوش الثلاثة.

وجاءت الزيارة بعد أربعة أيام من زيارة وصفتها تقارير صحافية بالـ«سرية» قام بها رئيس أركان القوات المسلحة القطرية إلى تونس.

وفي سياق آخر، قال الراجحي إن «الحكم» (رئاسة البلاد) كان عند «السواحلية منذ أن خلقت تونس»، وأنهم «ليسوا مستعدين إلى حد الساعة لتسليم الحكم» إلى غيرهم.

وأشار إلى أن الباجي قائد السبسي، الرئيس الحالي للحكومة المؤقتة اتفق خلال الزيارة التي قام بها إلى الجزائر يوم 15 مارس (آذار) الماضي مع الجزائريين على عدم السماح بوصول الإسلاميين إلى الحكم في تونس.

والتقى السبسي خلال الزيارة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، الذي أعلن منح تونس قروضا ميسرة وهبات مالية بقيمة مائة مليون دولار. وتابع الراجحي أن هناك «حكومة ظل» في تونس يرأسها رجل الأعمال كمال لطيف، أصيل مدينة سوسة وصديق الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، بمساعدة «جماعة من السواحلية».

وقال إن «حكومة الظل» تسير من خلف الستار حكومة الباجي قائد السبسي المؤقتة. وأضاف أن «السواحلية جهزوا 37 حافلة وكثيرا من المال»، وأنهم سيجوبون البلاد خلال الانتخابات المقبلة في تونس «لشراء» أصوات الناخبين، محذرا من أنهم إن نجحوا في ذلك فإنه من «الوارد» أن يعود «النظام القديم» (نظام بن علي) «بنسبة 90 في المائة».

وعين محمد الغنوشي، آخر وزير أول في عهد بن علي ورئيس أول حكومة انتقالية بعد الإطاحة بالرئيس المخلوع، الراجحي وزيرا للداخلية يوم 27 يناير (كانون الثاني) الماضي.

وعمل الراجحي قبل تعيينه في هذا المنصب قاضيا لمدة 36 عاما، ويقول زملاؤه إنه معروف بنزاهته وصدقه وعدم تورطه في الفساد.

ويسمي التونسيون الراجحي بـ«السيد نظيف»، لأنه أطلق عملية لتطهير وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية التابعة لها من الفساد والعناصر «الفاسدة» التي سيطرت عليها في عهد الرئيس المخلوع. وحل الراجحي حزب التجمع الدستوري الديمقراطي (الحاكم في عهد بن علي) وجمد أملاكه، واعتبر مراقبون أن هذا «الإنجاز التاريخي» كان وراء إقالة الراجحي من وزارة الداخلية يوم 28 مارس الماضي.

واستبدل رئيس تونس المؤقت بفرحات الراجحي الحبيب الصيد الذي ينحدر من محافظة سوسة (مسقط رأس الرئيس المخلوع بن علي). وأثارت الإقالة احتجاجات شعبية كبيرة وخاصة على شبكة «فيس بوك»، وندد المحتجون بعزل وزير «نظيف» واستبدال وزير به قالوا إن لديه ارتباطات «مشبوهة» مع عائلة ليلى الطرابلسي، الزوجة الثانية للرئيس المخلوع، التي باتت اليوم رمزا للفساد في تونس.

وأقر الراجحي بأن «السواحلية» هم من عينوه وزيرا للداخلية بعد سقوط نظام بن علي. وقال إنهم وضعوه في هذا المنصب «لتبييض صورة النظام الانتقالي» مستغلين السمعة الطيبة التي يحظى بها في سلك القضاء. وأضاف أنه لم يستقل من مهامه، وأن الوزير الأول الباجي قائد السبسي، الذي زعم أن الراجحي استقال «يكذب».

وأشار إلى أن إقالته جاءت بعد حله حزب «التجمع» وقبل أربعة أيام من قيامة بإقالة كل المعتمدين (نواب المحافظين) المنتمين إلى حزب الرئيس المخلوع.

يذكر أن الرئيس التونسي المؤقت عين يوم 31 مارس الماضي الراجحي رئيسا لـ«الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية» وهي هيئة حقوقية استشارية حكومية تأسست سنة 1991. وخرج أمس المئات من المتظاهرين أمام مقر وزارة الداخلية بالعاصمة تونس وفي مدن أخرى للمطالبة برحيل الحكومة، بعد تصريحات الراجحي، حسب وكالة «رويترز».

وأمام مقر وزارة الداخلية تدفق المئات، ورددوا شعارات «ارحلوا ارحلوا لا نريدكم يا حكومة السبسي»، و«انكشف المستور وظهرت كل الحقيقة»، و«سقطت كل الأقنعة».

وعززت قوات مكافحة الشغب وجودها بالمنطقة التي طوقتها بمئات من أفراد الشرطة، لكنها لم تشتبك مع المواطنين. وحاولت الشرطة إبعاد المتظاهرين الذين بلغ عددهم نحو 700 شخص.

وفي معرض رد فعلها إزاء تصريحات الراجحي، وزير الداخلية السابق، بـ«الخطيرة»، في وقت حساس تحتاج فيه البلاد إلى صوت الحكمة والعقل، مستغربة صدور تصريحات بمثل تلك الخطورة عن مسؤول سام ووزير سابق كان على رأس وزارة سيادية، وأوضحت أن خطورة هذه التصريحات تكمن بالخصوص في «الترويج لمعلومات غير صحيحة بما يثير الشك، إلى جانب مسها بالنظام العام وتلاعبها بمشاعر المواطنين التونسيين».

وشددت الحكومة المؤقتة على ضرورة أن يراجع الراجحي «واجب التحفظ» قبل أن يصرح بتلك المعلومات التي من شأنها حسب تعبيرها «إشعال النعرات الجهوية والمس من هيبة المؤسسة العسكرية التي تحظى بتوافق وطني شامل»، مبينا أن على المسؤول أن يقرأ عواقب تصريحاته وأقواله، خاصة في مثل هذا الظرف الدقيق الذي تمر به البلاد».

ومن جهته، رفض الراجحي الإدلاء بأي تصريح، معتبرا «أن الأجواء مشحونة بما فيه الكفاية». أما رجل الأعمال كمال لطيف فصرح لبعض القنوات الإذاعية التونسية بأن كلام الراجحي «يضعه تحت طائلة القانون»، متهما إياه بأنه يفتقد التكوين السياسي، ومشيرا إلى أنه لا يمكن أن تصدر مثل تلك التصريحات عن مسؤول سياسي اؤتمن على مصير التونسيين. وحول حكومة الظل التي يقودها، قال لطيف إنه في خدمة تونس، مشيرا إلى أنه عارض بن علي منذ سنة 1992 عندما كان الكثير من التونسيين صامتين، وأدى فاتورة غالية عن تلك المعارضة، ولا يمكنه أبدا أن يبخل بالاستشارة عمن يقصده من التونسيين.

على صعيد آخر، فر 58 سجينا من أحد السجون بمدينة صفاقس جنوب تونس، مساء أول من أمس، في أحدث حلقة من حلقات الفرار من السجون، حسبما ذكرت وكالة الأنباء التونسية، أمس. واتبع الهاربون نمطا أصبح مألوفا الآن للهروب، حيث تم إشعال النيران في زنزانتين قبل وقت قصير من منتصف الليل. وعلى الرغم من أن عمال الإنقاذ نجحوا سريعا في إخماد النيران، فإن السجناء كانوا قد لاذوا بالفرار بالفعل، ولم يصب أحد في الحريق إلا أنه تم استدعاء الجيش للمساعدة في استعادة النظام في السجن.