ترميم معلم تاريخي يداوي جراح مكلومي زلزال وسط إيطاليا

كنيسة من القرن التاسع أدرجها برلسكوني ضمن 45 معلما تستدعي التجديد بعد كارثة 2009

كنيسة سان كلينتونت هي الوحيدة التي تم ترميمها من بين 45 معلما تاريخيا تعهدت السلطات بإعادة بنائها بعد زلزال 2009 («نيويورك تايمز»)
TT

بعد نحو عامين على الزلزال الذي ضرب أبروزو وألحق الدمار به، تحول هذا الإقليم المترامي الأطراف في وسط إيطاليا، والذي لا يحظى باهتمام كبير ويقطنه نحو 900 شخص إلى شعلة نشاط. فتحت شمس أبريل (نيسان) المشرقة، احتشد السكان من الشيوخ والشبان لمشاهدة إعادة الافتتاح المرتقبة لكنيسة سان كليمونت التي ترجع إلى القرون الوسطى. وكان هذا المعلم قد تحطم في 6 أبريل (نيسان) 2009، جراء الزلزال الذي خلف أكثر من 300 قتيل وعشرات آلاف المشردين.

وقد اهتز كثيرون طربا لفكرة أنه بعد عامين على الكارثة وهم مقيمون في خيام، أصبح بالإمكان مشاهدة أماكن أكثر تناغما مع الطابع التاريخي المميز للإقليم. وكانت ثمة أسباب أخرى شخصية. وتحدث دومينيكو كانتاماغليا، 19 عاما، وهو طالب في السنة الأخيرة من الثانوية، عن المنطقة الخضراء المحيطة بالكنيسة قائلا: «كان هذا المكان المفضل لنا للدراسة. وفي الصيف، كان أحد أفضل الأماكن الخلوية للنزهة».

وقالت فينسينزا دي بينيديتو، وهي امرأة من سكان المدينة استغرقت تفكر في أن هذا المكان الذي كان في السابق يعج بالوافدين لإتمام مراسم زفافهم يمكن أن يستعيد مكانته سريعا: «دعونا نواجه الأمر، فمن دون هذه الكنيسة، سيكون من الصعب أن تستعيد كاستيغليون موقعها على الخريطة؛ فكنيسة سان كليمونت هي أبرز معالم المدينة. ومن المنتظر أن يأتي الأزواج من مختلف الأنحاء للاحتفال بزفافهم هنا، على الأقل اعتادوا هذا».

إن استعادة بهاء ورونق الكنيسة، الأمر الذي تسنى من خلال الحصول على تبرعات من صندوق الآثار العالمي ومؤسسة خيرية محلية، «يساعد في محو صور الأحجار المنهارة المبعثرة على الأرض ومشهد الجرحى والمصابين الذي اعتقدنا أنه سيكون من الصعب القضاء عليها»، هذا ما ذكره جياني ليتا، المولود في أبروزو والذي يشغل منصب سكرتير عام مجلس الوزراء ونائب رئيس الوزراء الإيطالي، والذي كان مشاركا بدور كبير في الإشراف على إعادة الإعمار في فترة ما بعد الزلزال. والآن، بعد مرور عامين، قال في افتتاح الكنيسة بعد ترميمها: «أصبحت الكنيسة أكثر جمالا مما كانت عليه حين كنت فتى».

إلا أن الحالة الاحتفالية لم تقلل من حدة الجدل حول إعادة بناء المباني والآثار والقصور التاريخية في أبروزو. فمنطقة وسط عاصمة الإقليم التاريخية، لاكويلا، أكبر مدينة لحق بها الدمار جراء الزلزال وأحد أكثر مدن إيطاليا المشهورة في التاريخ بكنائسها وقصورها ذات الزخارف التي تعود إلى عصر النهضة وعصر الباروك، تبقى شبحا يذكرها بماضيها.

ومن الخمسة والأربعين مبنى التي كان قد قدمها رئيس الوزراء سلفيو برلسكوني بعد فترة قصيرة من الزلزال على أنها أماكن من بين المعالم الأثرية التي لحق بها الضرر والتي أمل أن تتبنى حكومات الدول الأجنبية مهمة تجديدها وإحيائها من جديد، يظل معظمها من دون أي متبرعين.

فقط تم تبني عملية إصلاح وتجديد 13 مبنى منها، وذلك في الأغلب من قبل مصارف إيطالية ومؤسسات تابعة لها. وأسهمت مجموعة محدودة من الحكومات الأجنبية - أبرزها حكومة فرنسا وألمانيا وروسيا وكازاخستان - بتبرعات للمساعدة في إحياء الآثار التي لحق بها الدمار.

وتعد كنيسة سان كليمونت أول هذه الآثار - بل هي الأثر الوحيد حتى الآن - من بين قائمة الـ45 أثرا التي اختيرت لتجديدها، الأمر الذي دفع ببعض وسائل الإعلام الإيطالية إلى اعتبار الطلب من دول أجنبية تقديم تبرعات للمساهمة في إعادة بناء الآثار فشلا ذريعا.

ولم تستجب حكومة الولايات المتحدة للنداء، على الرغم من انعقاد آمال كبيرة بعد زيارة الرئيس أوباما لمدينة لاكويلا، قلب الدمار والخراب، أثناء اجتماع قمة الثماني في يوليو (تموز) 2009، الذي تم نقله في عجالة إلى هذا الموقع بدلا من عقده بجزيرة مطلة على سردينيا تضامنا مع السكان المكلومين.

وقال نائب وزير الثقافة، فرانسيسكو ماريا جيرو، بينما كان يسترجع تفقد الرئيس الأميركي للأماكن التي حل بها الدمار جراء الزلزال: «نحن جميعا محبطون لأننا لم نتلق دعما من أوباما، الذي أغدق علينا بوعوده، حينما ظهر مرتديا ملابس غير رسمية». وقال جيرو: «على الرغم من أن حكومة الولايات المتحدة لم تقدم أي وعود محددة فيما يتعلق بتبني عملية تجديد آي آثار، علي أن أعترف أننا نشعر بقدر من المرارة».

وأشار جياني تشيودو، رئيس الحي والمفوض بالإشراف على عملية إعادة الإعمار، إلى أن مؤسسات أميركية عدة سبق وأن «ساهمت بأعمال أخرى» في أبروزو، بينها تقديم الدعم للطلاب. كما أن مدينة نيويورك تستضيف حاليا ما يعرف باسم مادونا بيترانيكو، التمثال الذي يعود إلى القرن السادس عشر والذي لحق به دمار شديد إثر الزلزال. وسيظل هذا التمثال معروضا حتى يونيو (حزيران) في المتحف الأميركي الإيطالي الذي جمع مبلغ 110 آلاف دولار من أجل ترميم التمثال.

لقد كان الجدل المحلي المثار فيما يتعلق بإعادة الإعمار ما بعد الزلزال عنيفا، وبلغ أعنف صوره بين الإدارات المحلية والحكومة الفيدرالية، وهما الطرفان اللذان يتهم كل منهما الآخر بعدم النهوض بمسؤولياته وواجباته. وقد أبطأت الاشتباكات والفضائح البيروقراطية بشأن بعض العقود تنفيذ عمليات الترميم وإعادة البناء، كما أشعلت حدة الجدل العام. وبالمقارنة، كانت عملية إعادة بناء الكنيسة - التي تأسست في القرن التاسع وأعيد بناؤها في القرن الثاني عشر بطراز رومانسكي - بسيطة وسلسة نسبيا.

وقد تألفت عملية الترميم في الأساس من تدعيم الهيكل، ثم ترميم جزء محطم من السقف، الطبلة، والتي تركت فجوة كبيرة في صحن الكنيسة الرئيسي وأدت إلى تحطيم منبر منحوت وشمعدان حجري ضخم يستخدم في إشعال الشموع في عيد الفصح. كما تمت تقوية البناء بأكمله بحيث يصمد في مواجهة أي زلزال في المستقبل.

وبعد أقل من ثلاثة شهور على الزلزال، كان صندوق الآثار العالمي قد جمع بالفعل أموالا لترميم الكنيسة، التي وقع عليها الاختيار من بين 45 مبنى تاريخيا آخر بعد زيارة رئيس فرع الصندوق في أوروبا، برتراند دو فيغنود، الموقع، و«افتتانه بسحر المكان» على حد تعبيره. وقد كافأ تمويل الصندوق لترميم الكنيسة بمبلغ مليون دولار تمويل مماثل من جانب مؤسسة «فوندازيوني بيسكارابروزو»، منظمة معونات محلية اكتشفها دو فيغنود من خلال موقع «غوغل».

إلا أن دو فيغنود ظل عاجزا عن فهم الأعباء البيروقراطية الملقاة على عاتق الدولة. وقال: «قد أمضي حياتي بأكملها في محاولة فهم كيف تسير الأمور في إيطاليا». وقد يعزى إلى التعقيدات التي تكتنف الصورة التي تسير بها الأمور، جزئيا، التأخيرات في أعمال إعادة الأعمار، خاصة في مدينة لاكويلا التاريخية، التي نعتها ماريسا دالاي إيميلياني، رئيس المعهد البحثي الثقافي «رانوتشيو بيانكي باندينيلي أسوسيشن»، بمسمى «المدينة الميتة».

وتطلب الأمر عدة أشهر لتبدأ عملية إزالة الأنقاض من لاكويلا، التي تظل أجزاء كثيرة منها غير متاحة للعامة، وما زالت معظم المباني محاطة بسقالات.

وترى الحكومة الفيدرالية أن معظم الجهد المبذول حتى الآن كانت طبيعته تحضيرية. وفضلا عن ذلك، تفتخر الحكومة بأنها تمكنت بشكل سريع من توفير مساكن مؤقتة بمختلف أنحاء الإقليم عقب الزلزال، بحيث يستطيع المشردون العيش في مكان مريح نسبيا خلال عملية يعتقد الجميع أنها ستكون عملية إعادة إعمار ممتدة. ومن إجمالي مبلغ قيمته 4,6 مليار دولار خصصته الحكومة للمعونات وعمليات إعادة الإعمار، تم بالفعل إنفاق نحو ملياري دولار، كما أن هناك مبلغ 2,5 مليون دولار متاحا لتلك الحكومات المحلية التي أتمت خططها الأساسية.

وقال ليتا في افتتاح الكنيسة: «ليس صحيحا أننا لم نفعل أي شيء، وليس صحيحا أننا متأخرون في جدول العمل الخاص بالترميم». وأضاف: «لا توجد عصا سحرية يمكن أن تجعل الأشياء تتم بشكل أسرع، لكن عندما ننتهي من العمل، ستصبح منطقة وسط لاكويلا، وأبرزها الكنيسة، أجمل وأقوى بكثير من ذي قبل».

* خدمة «نيويورك تايمز»