لورانس رايت خبير «القاعدة» لـ«الشرق الأوسط»: الظواهري لا يتمتع بشخصية جذابة

مؤلف كتاب «البروج المشيدة»: أبو يحيى الليبي المنظر الشرعي فرس رهان كأحد أبرز أمراء «القاعدة»

لورانس رايت
TT

يعتقد لورانس رايت الصحافي الأميركي المتخصص في الكتابة عن «القاعدة»، ومؤلف كتاب «البروج المشيدة.. القاعدة والطريق إلى 11 سبتمبر» أن نائب أسامة بن لادن أيمن الظواهري هو الأكثر قربا بالقطع لأن يصبح الزعيم الجديد لـ«القاعدة»، لكنه شخصية انقسامية مثيرة للجدل، وربما يرتكن إلى تأييد جماعة «الجهاد» التي فشل في قيادتها عندما كان موجودا في مصر. وقال في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» على الهاتف: «لا أتوقع أن يفعل الكثير في المستقبل لعدد من الأسباب أهمها أن الظواهري لا يملك قدرات خاصة تمكنه من إحكام القبضة على التنظيم، ولا يتمتع بشخصية جذابة ولا يمتلك القدرة على التأثير في الشباب، وهو لا يملك (الكاريزما) الشخصية مثل بن لادن وبالتالي فهو غير قادر على جذب أنظار الجمهور مثل مؤسس التنظيم».

وقد أمضى رايت 35 عاما من حياته المهنية في البحث وراء شخصية أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة وأجرى مقابلات مع أكثر من 500 شخص من أصدقاء وأقارب بن لادن ومسؤولين في 20 دولة وخرج إلى العالم قبل خمس سنوات بكتابه الذي حصل على جائزة «بوليتزر» أرقى الجوائز الأميركية في الصحافة تحت عنوان «البروج المشيدة» Looming Tower، وروى خلاله قصة الأفكار المتشددة عبر العقود الأخيرة وصولا إلى «القاعدة» وهجمات سبتمبر في الولايات المتحدة فإلى نص الحوار:

* من في اعتقادك سيكون الزعيم القادم لتنظيم القاعدة خلفا لبن لادن؟

- أعتقد أن الظواهري سيتولى قيادة تنظيم القاعدة خلفا لبن لادن، لكنه أثبت أنه قائد ضعيف المستوى. فقد تسبب في سقوط تنظيمه الإرهابي «الجهاد». كما أنه مصدر قوي لإثارة الشقاق، ولا يتمتع بشخصية جذابة، ولا يمتلك القدرة على التأثير في الشباب وجذبهم لقضيته. ثمة أشخاص آخرون ربما يكونون أكثر مقدرة منه؛ قد يكون من بينهم أبو يحيى الليبي المنظر الشرعي لـ«القاعدة»، أبو يحيى الليبي الأربعيني المتزوج موريتانية، والأب لثلاثة أبناء، وهو محمد حسن قايد ظهر اسمه لأول مرة ضمن قيادات الجماعة الليبية المقاتلة وفي تنظيم القاعدة بعد العاشر من يوليو (تموز) عام 2005 عندما فر مع ثلاثة آخرين من أعضاء «القاعدة» من سجن باغرام الأميركي في أفغانستان وهو حامية جوية شديدة الحراسة وصارمة القوانين، والنجاح المدوي في خطة الهروب والتضحية من أجل الوصول إلى مخبأ ابن لادن، كانا من بين العوامل التي جعلت أسامه يثق به ويكل إليه مهام رئيسية. وصعد أبو يحيى بقوة الصاروخ في سلم التراتبية القيادية للتنظيم، واحتل مكانا فسيحا في قلب زعيم «القاعدة»، فكان ذراعا إعلامية وخطيبا شرعيا مفوها يحث على الجهاد ومتدربا على استخدام الأسلحة؛ رغم أنه لم تكن له خلفية عسكرية في السابق، إضافة إلى تضلعه في العلوم الشرعية من خلال الدروس التي تلقاها خمس سنوات في موريتانيا، وبحكم جذوره الليبية وعلاقة المصاهرة بموريتانيا يعتبر أبو يحيى الليبي فرس رهان بن لادن كأحد أبرز أمراء الدولة الإسلامية في منطقة المغرب ومرشحا مثاليا أيضا لخلافة بن لادن بعد موته. وهو يتمتع بسمعة حسنة، فضلا عن كونه متحدثا لبقا. وهو شخصية ملهمة، وقد تلقى تدريبا دينيا، لذلك فإن كثيرين من المحتمل أن يتبعوه. كما أنه ليس مصريا. فالمصريون يثيرون القلاقل والنزاعات داخل تنظيم القاعدة. أما البديل الآخر المتاح، فهو أنور العولقي، ولكنه ليس جزءا من الجماعة الرئيسية. وقد تلقى تدريبا دينيا يعطي ثقلا لكل البيانات التي يدلي بها، كما أثبت بالفعل قدرته على التأثير في الشباب ودفعهم لاتباع نهجه. والعولقي المولود في الولايات المتحدة لأبوين يمنيين والبالغ من العمر 40 عاما كان العقل المدبر وراء عدد من المؤامرات الإرهابية الضخمة في السنوات الأخيرة ،.كذلك فهو موجود في مكان في اليمن يحتمل أن يكون أكثر أمانا من باكستان في الوقت الراهن. وينحدر العولقي من قبيلة «العوالق»، كبرى قبائل محافظة شبوة في جنوب اليمن، وأشدها بأسا. وتعلم العولقي أصول الدين في عدن، ليصبح لاحقا إماما بارزا في العديد من المساجد الأميركية، ويرتبط بمساجد «سان دييغو» في ولاية كاليفورنيا، و«فولز تشوتش» في ولاية فرجينيا، ليعود فجأة إلى اليمن في 2002، بعدما صار محاضرا بارزا بفضل الكثير من الدروس والخطب التحريضية التي انتشرت قبل 11 سبتمبر، ليس باللغة العربية فقط، بل بالإنجليزية أيضا. وذاع صيته بعيدا حتى صارت بعض مواعظه ومشاركاته الفقهية منشورة ومتوافرة على «يوتيوب»، في غالبها تتحدث عن معاني القرآن ودروسه، حيث برع خصوصا في الجمع في رسائله، بين المعرفة بالتقاليد الدينية والإحاطة بمقتضيات الإعلام الجديد. ولهذا استحقّ لقب «بن لادن الإنترنت» هذا رأيي حول مستقبل تنظيم القاعدة؛ وتحديدا عن هؤلاء الرجال الثلاثة.

* لن يتمتع خليفة بن لادن بإمكاناته المالية. فكيف سيمكن سد هذه الفجوة؟

- هذه مشكلة نظرا لأن كثيرا من أموال التنظيم كان يأتي من الخليج، ولا تربط أي من هؤلاء الأشخاص الذين أتحدث عنهم تلك مثل تلك الصلات بدول الخليج. لذلك، فإن هناك أزمة خلافة، غير أنه ستكون هناك أيضا أزمة مالية. على الجانب الآخر، فإن تنظيم القاعدة لم يحتج من قبل مطلقا إلى مبالغ ضخمة. فدائما ما كانوا يقومون بعملياتهم بتمويل ضئيل جدا. الإرهاب عمل قليلة التكلفة.

* هل تعتقد أن الباكستانيين كانوا على علم بوجود بن لادن في باكستان منذ ست سنوات؟

- من الصعب جدا تصديق أنه كان يعيش في مدينة بها ثلاث كتائب عسكرية وأكاديمية كاكول وهي من أكبر المحطات العسكرية التي يتدرب فيها الضباط، وينتشر رجال وكالة الاستخبارات الباكستانية، ولم يعلم أحد بوجوده. أعتقد أنه كان هناك نظرا لأنه كان بمثابة كنز ثمين بالنسبة للاستخبارات الباكستانية والجيش الباكستاني. فمنذ أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، منحت الولايات المتحدة مبلغ 20 مليار دولار لباكستان، في صورة مساعدة عسكرية بالأساس، وبالتالي كان الجيش الباكستاني يتولى مهمة «البحث عن بن لادن». بيد أنه كان من المهم جدا ألا يتم العثور عليه؛ لذلك قاموا بإخفائه. هذا رأيي.

وإذا اتفقت معي في اعتقادي أن الأموال الممنوحة لدعم الجيش الباكستاني أتت في الأساس من الدعم الأميركي لعملية البحث عن بن لادن، لكان من الممكن أن تصبح كارثة إذا ما عثر الجيش الباكستاني بالفعل عليه.

* في نهاية المطاف، سقط بن لادن بشكل غير متوقع. هل تعتقد أن القائد المستقبلي سيكون أكثر حذرا؟

- في غضون الأسابيع القليلة المقبلة، لن يفاجئني أن أرى أعضاء آخرين في تنظيم القاعدة يسقطون. فمن ناحية، الباكستانيون في حالة من الارتباك الشديد. فإذا ما كانوا سيحاولون كسب تأييد الإدارة الأميركية، وإذا كان لديهم شيء آخر يمكنهم إخبارنا به، فسيكون هذا هو الوقت المناسب. على سبيل المثال، إذا كانوا يعرفون مكان أيمن الظواهري أو الملا عمر، أو أشخاص على هذه الشاكلة، سيكون من الأفضل لهم أن يحيطونا علما بذلك، لأن علاقتنا بباكستان هشة جدا في الوقت الحالي.

* هل تعتقد أن تنظيم القاعدة انتهى؟

- أعتقد أن تنظيم القاعدة لم يكن من الممكن أن ينتهي في حالة بقاء بن لادن على قيد الحياة، والآن، بعد موته، ما زال تنظيم القاعدة قائما، غير أنه من الممكن أن ينتهي. فليس من الواضح بعد من يمكن أن يخلف بن لادن. وبالطبع سيحاول تنظيم القاعدة إحياء ذكرى وفاة قائده. وسيحاولون أن يفعلوا شيئا ما. فإذا كانت هناك خطط قيد التنفيذ بالفعل، سيحاولون إتمامها بسرعة. بالطبع لن أندهش إذا ما شن التنظيم هجوما آخر. فإذا لم يتمكنوا من اتخاذ إجراء كرد فعل لمقتل بن لادن، حينها يمكن بصور عدة التأكيد على أن التنظيم قد انتهى.

* هل تعتقد أن «القاعدة» باتت تهديدا أم أنها أيديولوجيا؟

- أعتقد أن «القاعدة» تمثل تهديدا، ليس فقط للغرب، ولكن للمسلمين أيضا. لقد قضى الكثير من المسلمين على يد «القاعدة» أكثر من الأميركيين الذي لقوا حتفهم في أحداث 11 سبتمبر، كما أنها ما زالت تمثل تهديدا بالفعل. ولقد انخفض الجوهر المركزي لـ«القاعدة»، إذ أوضحت لي الاستخبارات المركزية الأميركية أنهم يعتقدون أنها تبلغ ما بين 300 و500 فرد، إلا أن هناك عددا أقل من الأفراد في قلب «القاعدة» مما كان عليه الحال قبل أحداث سبتمبر. ومع ذلك، فقد توسعت فكرة «القاعدة» وامتدت جذورها في أماكن لم يكن لها فيها وجود قبل أحداث سبتمبر.

* ما رأيك في كل المعلومات المتضاربة التي يعلنها الأميركيون؟

- ما يشجعني هو أن الروايات التي يقصونها الآن لا تؤثر بدرجة كبيرة على مصداقية العملية الأميركية. فهي تشير إلى أنها حدث حقيقي وليست أسطورة خيالية. أقدر الصراحة التي ظهرت عليها الإدارة في تعديل بياناتها الأولية. فإذا رغبت في تنقيحها، كان من الممكن أن تجعلها تبدو أفضل، ولكن ما يفعلونه يجعلها تبدو أكثر مصداقية. فالحقيقة هي أنهم أطلقوا النار على رجل أعزل، وهم يعترفون بهذا، ولم يتهمهم أحد بذلك.