حملة اعتقالات ومداهمات للمنازل في سقبا عشية «جمعة التحدي»

مسؤول أميركي: الحكومة تثير غضب الجميع وتدفع الشعب إلى الانقلاب عليها

TT

شنت قوات الأمن السورية هجوما على ضاحية تحفل بالاضطرابات في دمشق يوم أول من أمس، بمداهمة المنازل واحدا تلو الآخر وإلقاء القبض على عدد لا حصر له من الرجال في حملة واسعة يرى نشطاء ومسؤولون أميركيون أنها تمثل فصلا جديدا من إجراءات القمع التي تهدف إلى القضاء على الانتفاضة الشعبية في الدولة ضد 4 عقود من الحكم الاستبدادي. داهمت قوات الأمن، مدعومة بالدبابات، مئات المنازل في ضاحية سقبا، وهي مدينة فقيرة من ضواحي العاصمة دمشق شهدت مظاهرات حاشدة الأسبوع الماضي ضد حكومة الرئيس بشار الأسد، الذي تولى السلطة بعد والده، حافظ الأسد، في عام 2000. وقدرت جماعات حقوق الإنسان عدد من تم إلقاء القبض عليهم هناك بنحو 286 شخصا وذكرت أن قوات الأمن كانت تركز بشكل واسع على الرجال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و50 عاما.

ووصف النشطاء الاعتقالات بأنها جزء من حملة ترويع تمثل آخر محاولة من جانب الحكومة لإنهاء 7 أسابيع من الاضطرابات. وفي الأيام الأولى من المظاهرات الشعبية السورية، قدم الرئيس الأسد بعض التنازلات، من بينها رفع قانون الطوارئ الوحشي، رغم أن خطوة إلغاء هذا القانون لم يكن لها تأثير يذكر على أرض الواقع. ومع استمرار الاحتجاجات، تبعها بشن هجمة عسكرية أودت بحياة المئات. ويبدو أن حملة الاعتقالات قد تصاعدت في الأسبوعين الماضيين، وأشار مسؤولون أميركيون إلى أنها ربما تأتي بعكس النتائج التي ترجوها الحكومة السورية؛ مع اكتساب المتظاهرين قوة دافعة هائلة تجلت في احتشادهم بأعداد ضخمة أيام الجمعة على مدار أسابيع متتالية.

وقال مسؤول بإدارة أوباما: «في ظل سياسة الاعتقالات واسعة النطاق التي تنتهجها الحكومة السورية، فإنها تدفع الأفراد الذين ليسوا مناوئين للحكومة بطبيعتهم إلى معاداتها، ويزداد احتمال مشاركتهم في الاحتجاجات حتى إن لم يكونوا قد تظاهروا من قبل». وأضاف: «الحكومة تثير غضب الجميع، والأمر يزداد سوءا. فهم يدفعون الشعب إلى الانقلاب عليها».

ورغم أنه لا يمكن تحديد أعداد المعتقلين بدقة، فإن وسام طريف، المدير التنفيذي لمنظمة «إنسان»، إحدى مجموعات حقوق الإنسان السورية، ذكر أنه قد تم الإعلان عن أن عددا يقدر بنحو 8 آلاف شخص محتجزون على ذمة تحقيقات أو مفقودون منذ اندلاع الاحتجاجات المؤيدة لإرساء الديمقراطية في مختلف أنحاء الدولة. وأشار طريف إلى أنه في معظم الأماكن يبدو أن الهجمات موجهة من نخبة من قوات الأمن بدعم من قوات الجيش. وحدد مسؤول الإدارة عدد المحتجزين منذ 22 أبريل (نيسان)، اليوم الذي شهد وحده أكبر عدد من الوفيات إبان الانتفاضة، ما بين 2000 و4000، رغم أن طريف رأى أن العدد الأكبر كان هو الأكثر دقة.

وصرحت منظمة «العفو الدولية» هذا الأسبوع بأنه تم ضرب المحتجزين بالعصي والأسلاك، وأحيانا ما كان يتم حرمانهم من الطعام. وأشار طريف إلى أن كثيرا من المحتجزين تم إطلاق سراحهم بعد بضعة أيام من احتجازهم من أجل أن يخبروا غيرهم بسوء المعاملة التي تعرضوا لها كوسيلة لتثبيط عزائم المتظاهرين.

وقال خليل معتوق، محام سوري: «إنه موقف مذر. وأنا أحاول فقط مد يد العون لهؤلاء الأفراد».

وقد أتت سلسلة الاعتقالات في سقبا وغيرها من ضواحي دمشق – التي شكلت أهدافا لحكومة سعت لمنع المتظاهرين من التوجه إلى العاصمة – قبل يوم يتوقع كثيرون في سوريا أن يكون مشحونا بالاضطرابات.

ومثلما حدث في الأسابيع الماضية، خرج المحتجون في مظاهرات بعد صلاة الجمعة. وعلى صفحة على الـ«فيس بوك» كانت بمثابة منبر للانتفاضة السورية، أطلق النشطاء على هذا اليوم اسم «جمعة التحدي». وأعلن شعار على الموقع نصه: «سوف نتحدى الظلم، سوف نتحدى القهر، سوف نتحدى الخوف، وسوف نتحرر».

في الوقت نفسه، سعت الحكومة السورية إلى تنظيم حشود من أنصارها في دمشق وحلب – أكبر مدينتين سوريتين. ورغم أنه قد تم الإعلان عن حالات معارضة في كلتا المدينتين، فإنهما ظلتا هادئتين إلى حد كبير، وحتى بعض النشطاء يقرون بأن عدم خروج مظاهرات معبرة عن حالة الغضب هناك قد عرقل تقدم القضية. وذكر بعض النشطاء أن الحكومة كانت تسعى لإبعاد المتظاهرين عن المناطق الخاضعة لسيطرة الطائفة العلوية، إحدى دعائم سلطة الحكومة. وقد كانت هناك أنباء عن تحركات عسكرية بمختلف أنحاء سوريا يوم أول من أمس الخميس. وقد أعلنت وسائل الإعلام الحكومية السورية أن الجيش كان ينسحب من درعا، المدينة الفقيرة الواقعة جنوب سوريا والتي ظهرت كرمز للانتفاضة الشعبية. وبالاستعانة بدبابات ومئات من القوات، دخل الجيش المدينة في 25 أبريل وقام بقطع الكهرباء والمياه وخطوط التليفونات في حصار دفع إلى تنظيم مظاهرات تضامنية في سوريا، بل وحتى في الأردن المجاورة لها. وقد أشارت الحكومة إلى حالة الاضطراب التي تجتاح البلاد بأنها من عمل الإسلاميين المسلحين وذكرت أن الجيش قد هاجم خلاياهم وجردهم مما يملكونه من أسلحة ومعدات.

وأذاعت قناة «الدنيا»، قناة فضائية خاصة مؤيدة للحكومة، البيان التالي: «بدأ الجيش ينسحب من درعا هذا الصباح (أمس) بعد أن أنهى مهمته هناك»، وهي القناة نفسها التي بثت صورا لخروج كتيبة مدرعة، بينما يلقي عليها النساء والأطفال المصطفون على الطريق حبات الأرز. ورغم ذلك، فقد أنكر السكان أنه كان هناك انسحاب منظم للجيش، مشيرين إلى أن الدبابات والناقلات المصفحة ما زالت موجودة في المدينة. ورغم أن بعض السكان في ضواحي المدينة تركوا منازلهم يوم أول من أمس الخميس، فإن سكانا وسط درعا ظلوا في منازلهم في حالة خوف من القناصة. وعلى مدار أيام، شكا السكان من نقص الغذاء والدواء، رغم المحاولات المبذولة من جانب سكان المدن المجاورة لتهريب الأغذية إلى درعا عبر الطرق الزراعية التي قلما يتم استخدامها. ومن المتوقع أن يصل فريق مساعدات إنسانية تابع للأمم المتحدة إلى درعا في الأيام المقبلة.

وقال محمد حوراني، الذي تم الاتصال به بواسطة هاتف يعمل عبر الأقمار الصناعية: «لم ينسحب الجيش، بل تمت إعادة نشر قواته من جديد. ما زال هناك قناصة على أسطح المنازل. لقد بات الحصار أقوى من ذي قبل». كان حوراني يتحدث من قرية عتمان، وهي قرية تبعد بنحو 10 أميال عن درعا. وهو واحد من شهود العيان القلائل الذين يمتلكون هواتف تعمل عبر الأقمار الصناعية الذين لا يزال من الممكن الوصول إليهم.

وحتى خلال الأسبوع، استمرت المظاهرات المتفرقة في المدن التي تم نشر قوات الأمن داخلها. وقد ظهرت حمص، ثالث أكبر المدن السورية، ومناطقها النائية في حالة اضطراب غير معتادة، وقال أحد سكانها، ويدعى أبو حيدر، إن المتظاهرين لعبوا لعبة القط والفأر مع قوات الأمن، محاولين تجنبهم حيث احتشدوا في بعض المناطق المجاورة.

وقد تعالت صيحات الحشود في حمص يوم الأربعاء الماضي مرددين: «أيها القناصة، اسمعوا، اسمعوا. ها هي رقابنا وها هي رؤوسنا»، ساخرين من رجال الشرطة. وذكر نشطاء في بانياس، مدينة على ساحل البحر المتوسط والتي تشهد مظاهرات متكررة، أنه قد تم نشر 100 دبابة في ضواحيها الجنوبية. وقد أعلن أيضا عن اتجاه الدبابات والجنود إلى الرستن، مدينة قريبة من حمص، حيث سقط 18 قتيلا خلال المظاهرات المناهضة للحكومة السورية الجمعة الماضي.

* خدمة «نيويورك تايمز»