ليبيا: اتجاه لبدء حوار سياسي لحل الأزمة بعيدا عن الخيار العسكري

مسؤول ليبي لـ «الشرق الأوسط»: كل شيء قابل للتفاوض بما في ذلك وضع القذافي نفسه

ليبي حاملا سلاحه يعود بصحبة ابنه إلى بيته في أجدابيا بعد صلاة الجمعة أمس (أ.ب)
TT

فيما لا تلوح في الأفق أي بادرة أمل تتعلق بتخلي العقيد الليبي معمر القذافي عن السلطة بعد أكثر من 5 أسابيع على القصف الجوي الذي تشنه قوات التحالف الدولي، كشفت مصادر في الحكومة الليبية وأخرى في المجلس الانتقالي المناهض للقذافي لـ«الشرق الأوسط» النقاب عن أن هناك اتجاها لبدء حوار سياسي لحل الأزمة بعيدا عن الخيار العسكري.

وقال مسؤول حكومي ليبي، إن حديث حلف الناتو عن تدمير 40% من القدرات العسكرية لنظام القذافي بعيد تماما عن الصحة، مؤكدا أن الجيش الرسمي الموالي للقذافي لا يزال يتمتع بقدرات هجومية ودفاعية تمكنه من الصمود لبضعة أشهر إضافية. وأوضح المسؤول الذي طلب عدم تعريفه في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» من العاصمة الليبية طرابلس «بالتأكيد سنصمد، على الناتو أن يراجع حساباته، قلنا منذ البداية وما زلنا أن الحل يمكن في طاولة المفاوضات وليس في القصف الجوي والصاروخي».

وأقر مسؤول في المجلس الانتقالي الليبي الذي يقود الثوار بأن نظام القذافي نجح إلى حد ما في تغيير لهجة دول التحالف الدولي وحلف الناتو ضد نظامه الحاكم، مشيرا إلى أن القذافي أرسل مؤخرا بإشارات قوية إلى حكومات غربية مفادها أنه مستعد للدخول في مفاوضات تؤدي في نهاية المطاف إلى تسليم السلطة وتخليه عنها بشرط الحصول على ضمانات تتعلق بعدم ملاحقته قضائيا أو دوليا هو وأفراد أسرته.

وأضاف المسؤول الذي تحدث من بنغازي مشترطا عدم تعريفه لـ«الشرق الأوسط»، نلمس محاولات قوية داخل حلف الناتو ودول التحالف الغربي لإيقاف العمليات العسكرية ضد نظام القذافي، مشيرا إلى أنه فيما تقول تركيا إنه ينبغي وقف القصف الجوي خلال أسبوع من الآن تعتقد إيطاليا أنه بالإمكان تحقيق ذلك خلال فترة تتراوح ما بين أسبوعين إلى 3 أسابيع.

وتابع: «وقف القصف الجوي يعني أن التحالف والناتو قررا أنه لم يعد بالإمكان المضي قدما في العمل العسكري لإزاحة القذافي عن السلطة، في المقابل هم يتجهون لاعتماد الحل السياسي».

وقال «إذا كان الناتو يقول بعد كل هذه الفترة إنه دمر فقط 40% من قدرات القذافي العسكرية، فهذا معناه أننا نحتاج إلى فترة أطول للقضاء التام على هذه القدرات، ويبدو أن الناتو يسعى للخروج من الأزمة قبل أن تطول عسكريا».

ورأى نفس المسؤول أنا المجلس الانتقالي ليس لديه مانع من الدخول في مفاوضات تؤدي إلى إزاحة القذافي سلميا عن السلطة، لكنه اعتبر في المقابل أنه ليس هناك ضمانات حقيقية بأن القذافي جاد فعلا في الدخول في حورا يؤدي في النهاية إلى خروجه وأسرته من السلطة. وكشف النقاب عن تعرض المجلس الانتقالي الممثل للثوار لضغوط غربية ودولية في هذا الاتجاه، موضحا أن المجلس لم يحسم أمره في هذا الشأن بعد.

وأضاف قائلا: «نريده (القذافي) أن يتنحى عن السلطة أولا قبل الدخول في أي مفاوضات، هو ليس مفاوضا شرعيا، لكن التحالف الغربي والناتو يقولان في المقابل إنه ليس بالإمكان الاستمرار إلى ما لا نهاية في حرب مفتوحة وطويلة الأمد ضد القذافي».

واعتبر أنه في حال تقديم القذافي ضمانات رسمية بأنه جاد في الرحيل عن السلطة فإن المجلس الانتقالي سيكون حاضرا في أي مفاوضات ترعاها الأمم المتحدة أو دول التحالف الغربي، مشيرا إلى أن أحد الأسباب التي دفعت الناتو والتحالف إلى التلكؤ في تسليح الثوار والقضاء العسكري على نظام القذافي وجود مخاوف غربية من إمكانية سيطرة الإسلاميين المتطرفين على السلطة بعد رحيل القذافي.

وقال: «الغرب لا يريد السماح للمتطرفين بالقفز على مقاعد الحكم بعد القذافي، والتلكؤ في تسليح الثوار جزء منه تعبير عن الخوف من تسلل السلاح للمتشددين وبالتالي فإن الغرب يقول إنه لا يريد أن يدخل في مغامرة سياسية غير مأمونة العواقب تؤدي إلى وجود نظام متطرف في ليبيا».

ورغم أن المجلس الانتقالي أكد مرارا عدم وجود حقيقي لتنظيم القاعدة داخل الأراضي المحررة من قبضة القذافي خاصة في المنطقة الشرقية، فإن مصادر مسؤولة بالمجلس تحدثت لـ«الشرق الأوسط» عما وصفته بعلامات استفهام كبيرة وضعها الغرب حول مشاركة عناصر من الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة وبعض الليبيين العائدين من الجهاد في العراق ضمن صفوف الثوار.

ولفتت إلى أن المجلس الانتقالي أكد أنه لن يسمح للمتطرفين بأن يمثلوا خطرا على ليبيا ما بعد القذافي، لكن هذه التطمينات لم تكن كافية أو مرضية للحكومات الغربية، على حد قولها.

وبدا أمس أن نظام القذافي الذي طالما راهن على أن عامل الزمن سيصب في صالحه، قد نجح في تحقيق اختراق نسبي داخل الائتلاف الدولي المناهض له، في وقت يلوح القذافي مجددا بإمكانية إدخال تعديلات دستورية وإصلاحات جذرية على النظام الجماهيري الذي دشنه في ليبيا اعتبارا من عام 1977. وبدا واضحا من خلال المناقشات التي عقدها ممثلو ورؤساء القبائل الليبية في العاصمة الليبية طرابلس أن القذافي بصدد تمرير الدستور الذي كان نجله الثاني سيف الإسلام قد طرحه للنقاش وصاغه رسميا قبل نحو 4 سنوات.

وقال الدكتور إبراهيم أبو خزام عضو اللجنة التي شاركت في صياغة هذا الدستور خلال الجلسة التي عقدها المؤتمر الوطني للقبائل الليبية أمس في طرابلس، إن الجهات التنفيذية داخل النظام السياسي الليبي تحولت إلى ما وصفه بمراكز قوة ونفوذ وهمشت دور المؤتمرات الشعبية. وأضاف: «إننا في حاجة إلى هذا الدستور لضبط الحريات والسلطات والدولة ولاطمئنان الناس، وربما ما حدث (الثورة الشعبية ضد القذافي) كانت لقطع الطريق على هذا الإصلاح الكبير».

وقال مسؤول ليبي رفيع المستوى لـ«الشرق الأوسط» نعتقد أن كل شيء قابل للتفاوض بما في ذلك وضع القذافي نفسه، لكنه عاد ليقول: مصيره (القذافي) مرهون بالإرادة الجماعية للشعب الليبي فقط.