رئيس المجلس الأعلى لآل البيت بمصر: إيران ليست زعيمة الشيعة في العالم.. ونرفض التبشير

محمد الدريني لـ «الشرق الأوسط»: ساندنا «الإخوان المسلمين» باعتبارهم «أحسن الوحشين»

محمد الدريني
TT

احتفظ الشعب المصري بالكثير من الطقوس الاجتماعية والموسمية المرتبطة بآل البيت والشيعة منذ أيام الدولة الفاطمية (909 - 1171)، لكن من الصعب جدا، في الزمن الحديث، أن تلتقي بشيعي مصري. وتمتلئ كتب المؤرخين بالصبغة التي ميزت المصريين منذ عهد الفراعنة حتى خروج الاحتلال الإنجليزي في النصف الثاني من القرن الماضي، ألا وهي القدرة العجيبة لهؤلاء المصريين على هضم ما يمر عليهم من ثقافات مع الاحتفاظ دائما بثقافتهم الخاصة.

وفي مقابلة مع محمد الدريني، رئيس المجلس الأعلى لآل البيت، الذي يوصف بأنه المجلس الأكثر تعبيرا عن شيعة مصر، قال إن الشيعة المصريين يختلفون عن أي شيعة آخرين في العالم، ولهم خصوصية حتى في فكرهم، قائلا إن الأنظمة العربية المستبدة دفعت ببعض الشيعة العرب «للارتماء في أحضان إيران».

وعلى الرغم من أن الغالبية العظمى من الشعب المصري هم مسلمون سنة، فإن دولة يبلغ عدد سكانها أكثر من ثمانين مليون نسمة، تضم على جانبي شريان النيل الممتد من الجنوب إلى الشمال، ديانات سماوية وأفكارا ومذاهب شتى. ووفقا للدراسات المحلية والأجنبية فشلت كل المحاولات لفرض ثقافة معينة على المصريين تختلف عن مزاجهم المستمد من حضارتهم العتيدة الموغلة في القدم، وما تحصلوا عليه مما يناسبهم من الحضارات الأخرى التي مرت على دولتهم عبر التاريخ.

وعما إذا كان الشيعة حاولوا القيام بعمليات تبشير لنشر مذهبهم بين المصريين، أوضح الدريني في الحوار الذي أجرته معه «الشرق الأوسط» في القاهرة أنه لا يقر التبشير المذهبي في المجتمعات السنية والشيعية، لكنه قال أيضا إنه كان على الشيعة العرب الحفاظ على قوميتهم العربية وأن يعملوا في إطارها، مشيرا إلى أن إيران (التي تزعم أنها قائدة المذهب الشيعي) ليست الزعيم لشيعة العالم.

وتحدث الدريني عن علاقة شيعة مصر بجماعة الإخوان المسلمين، وكشف عن أن شيعة مصر ساندوا «الإخوان المسلمين» سياسيا باعتبارهم «أحسن الوحشين». وعن عدد الشيعة بمصر الذين قالت بعض التقارير إنه لا يزيد على واحد في المائة، قال الدريني إنه لا يعرف عددهم على وجه الدقة، إلا أنه أوضح أن مجلس رعاية آل البيت يضم في عضويته سنة وشيعة ومسيحيين، مطالبا في الوقت نفسه بتخصيص صناديق نذور لصالح حركة التصوف في البلاد. وهذا أهم ما جاء في الحوار..

* ما طبيعة العلاقات بين شيعة مصر وإيران؟

- للأسف الشديد.. الأنظمة العربية المستبدة دفعت الشيعة العرب للارتماء في أحضان إيران لاتهامها المستمر لهم بأنهم عملاء لإيران. أرى أنه كان على الشيعة العرب الحفاظ على قوميتهم العربية وأن يعملوا في إطارها. إيران ليست الزعيم لشيعة العالم لكنها نجحت بفعل الأنظمة المستبدة في أن تكسب جميع أوراق الشيعة العرب.

* هل تعتقد أن العراق مرشح لتولي زعامة الشيعة العرب؟

- ربما بعد 20 عاما من الآن، بعدما ينجحون في تسوية مشكلاتهم الداخلية وبين بعضهم البعض. حينئذ أعتقد أن حوزة النجف بإمكانها أن تلعب دورا كبيرا.

* هل شيعة مصر توارثوا المذهب أم اعتنقوه؟

- قلة فقط هم من توارثوه. ومع الثورة المعلوماتية المتمثلة في شبكة الإنترنت وانتشار الفضائيات بما جعل العالم كله قرية صغيرة، علاوة على الأحداث السياسية والعسكرية التي شهدتها المنطقة خلال السنوات العشر الماضية دفعت الكثيرين للبحث عمن هم الشيعة وقناعاتهم، وهو دافع تجلى بصورة خاصة بين الشباب، مما يفسر اتهام سلفيين لشباب ثورة 25 يناير (كانون الثاني) بأنهم محرضون من قبل الشيعة.

* مع الأخذ في الاعتبار اتساع الهوة بين الفريقين، كيف يتعامل التيار الشيعي في مصر في رأيك مع الحركة السلفية المصرية التي ظهرت بقوة بعد ثورة 25 يناير؟

- نتعامل مع السلفيين باعتبارهم أناسا يحملون أفكارا دينية أعتبرها مناقضة للإسلام. لا أستطيع إغفال نشاطاتهم المناوئة للثورة وقياداتها وتوعدهم للثوار بالجحيم والنار لخروجهم على الحاكم والتهديد بالتفريق بين المتظاهرين وزوجاتهم، وما إلى غير ذلك من عناصر الحرب النفسية التي شنوها ضد المتظاهرين التي يجب أن يعاقبوا عليها. إنهم لم يكونوا سوى بوق للنظام السابق طيلة ثلاثين عاما. الجماعة السلفية ألد أعداء الإنسانية.

* ما تقديرك لعلاقة الشيعة المصريين بالمجتمع المصري ككل؟ هل يضطرون لإخفاء حقيقة انتمائهم المذهبي؟

- لا مجال لهذا الحديث الآن. لقد كان مناسبا قبل 25 يناير أثناء حقبة التفزيع من الشيعة. مبارك حاول أن يزرع الخوف والفتن ويؤجج الناس بعضهم على بعض من مسلمين ومسيحيين وسنة وشيعة. لكن ما قبل 25 يناير انتهى بما في ذلك محاولات استبدال الصراع العربي - الإسرائيلي بآخر سني - شيعي.

* في البداية أعلن أن هدف مجلس رعاية آل البيت توفير تمثيل حقيقي للأشراف بمصر بعيدا عن نقابة الأشراف المتهمة بالتقصير في ذلك، ثم فجأة تحول المجلس لممثل للشيعة المصريين، فمن هي الفئة التي يمثلها المجلس وما أهدافه وعدد أعضائه؟

- أعلن عن المجلس في مؤتمر في الصعيد الأعلى نهاية التسعينات من القرن الماضي كإطار للسادة الأشراف، لكن مع دفاعه عن أتباع نهج آل البيت عموما وصف هذا المجلس بأنه الكيان الجاذب للشيعة.

* وُصف أم أنه فعليا كذلك؟

- وُصف. وربما يكون هذا حقيقيا لأنه من الناحية العملية كان يتصدى لكل ما يتعرض له الشيعة. أما عضويته فتضم سنة وشيعة، بل ويضم مسيحيين ولدينا لجنة باسم لجنة أحباء المسيح تنطلق من قواسم مشتركة تربط المسلمين والمسيحيين. الأهداف فيما يخص السادة الأشراف تدور حول استعادة أوقاف السادة الأشراف أسوة بالأقباط، كما نطالب بتخصيص صناديق نذور لصالح حركة التصوف والارتقاء بأعضائها البالغ عددهم 20 مليونا.

* ما هي الجهة الشرعية الممثلة للشيعة في مصر؟

- لا توجد هناك جهة شرعية تمثل شيعة مصر، فقد اعتادت الجهات المسؤولة داخل مصر على أن تتلقى من مجلس آل البيت ما يخص الشيعة وقضاياهم. وتعاملت معنا الدولة، مما اعتبره البعض اعترافا من الدولة بنا، خاصة وزير السياحة السابق الذي تعاون معنا بخصوص مشروع العتبات المقدسة. لكن هذا لا يعني أن النظام السابق أحسن التعامل معنا، فمبارك عمد إلى استغلال ذلك لمصلحته والترويج لنفسه في الشارع المصري.

* ما أهم شكاوى شيعة مصر؟ وهل حاولتم فتح حوار مع حكومة عصام شرف أو المجلس العسكري بخصوصها؟

- شكاوى الشيعة تدور حول عدة نقاط؛ أولا: حق الشيعة المصريين في شن حملة إعلامية تسقط كل الأكاذيب والافتراءات التي ألصقها بهم النظام السابق. ثانيا: السماح للشيعة المصريين بافتتاح مكتبات خاصة بهم تضم كتبا لمؤلفين ومفكرين مصريين وعالميين بمجال درء الشبهات وليس الدعوة للمذهب الشيعي. ثالثا: السماح للشيعة بكيان معترف به يكون قناة للتعامل بين الشيعة والدولة وطرح كافة مطالبهم. بالنسبة للمجلس العسكري فإنه ملم بجميع القضايا وبينها ملف الشيعة.. أتصور أنه في الفترة المقبلة ستكون هناك توجهات تستوعب هذه الأمور، وتصوري هذا من واقع مؤشرات ظهرت مؤخرا.

* ما موقف شيعة مصر بوجه عام من الثورة؟

- الشيعة كانوا دوما في قلب الثورة، ولم يغيبوا عنها يوما. وأنا شخصيا كنت في ميدان التحرير نهارا وبالليل في نقاط التفتيش حول الميدان. وقد قمنا بثورة يناير قبلها بخمس سنوات حينما أصدرنا كتاب «عاصمة جهنم» ذكرت فيه جرائم مبارك واتهمته في بلاغ رسمي بمسؤوليته عن جرائم قتل وتعذيب واعتقال.

- هل تنوي اقتحام الحياة السياسية أو التحالف مع قوة معينة في الحقبة الجديدة؟ وهل تفكر في إشهار حزب، خاصة أنه سبق لك التقدم عام 2005 بطلب لإشهار حزب شيعة مصر، أو المشاركة سياسيا عبر حزب سياسي آخر؟ وماذا ستكون أهداف الحزب؟

- بالنسبة لاقتحام الحياة السياسية، فإن الشيعة كانوا بالفعل في قلبها لو دققت النظر ستجدين لهم أفكارا بناءة على امتداد السنوات العشر الماضية. إلا أنه لم يسبق لي التقدم بطلب إشهار حزب وإنما كانت محاولة في إطار سياسة مبارك استغلال الشيعة كفزاعة. أنا أرفض فكرة إنشاء حزب شيعي، لكن لو ظهرت جهود في هذا الاتجاه سندعمها كمجلس آل البيت.

* تتهمك بعض الأصوات الشيعية البارزة بأنك دخيل على شيعة مصر وأنك لم تكن يوما منهم، فما ردك؟

- من يتهمني بأنني دخيل على شيعة مصر قادم من جماعة الإخوان المسلمين وهو تنظيم ترجع روافده الفكرية إلى الأوفياء لقتلة آل البيت. أنا لست دخيلا لأنني لم آت من مثل هذه التنظيمات. لقد كان هو مِن قبل معاديا لأمثالي من الشيعة. أنا لم أكن مثله يوم ما، إذن من الدخيل؟ إن أمثال هذا الشخص للأسف لا يعملون ويسيئهم أن يعمل غيرهم ويبحثون عن زعامة لا يستحقونها.

* ما طبيعة العلاقة بين الشيعة وجماعة الإخوان المسلمين؟ لأنها تارة توصف بأنها ألد أعداء الشيعة وتارة تتهم بالتعاون معكم؟

- ما لا يعرفه الكثيرون أننا كنا نساند «الإخوان المسلمين» في الانتخابات البرلمانية وكان لنا ضحايا اعتقلوا بتهمة مساندة هذه الجماعة. ومع ذلك، ليس بيننا وبينهم تنسيق مباشر، وإنما فقط نساندهم باعتبارهم «أحسن الوحشين». وأعتقد أن «الإخوان المسلمين» ستكون مشاركتهم إيجابية في الفترة المقبلة.

* هل تؤيد وصول «الإخوان المسلمين» للحكم؟ وما طبيعة العلاقات بينكم الآن؟

- نعم، لكن أطالبهم بالتخلي عن النظرة الاستعلائية وتحقيق صور جيدة للمواطنة. ولا توجد بيننا وبينهم أي اتصالات.

* ما هي الحقبة المصرية التي ترى أنها كانت الأفضل لشيعة مصر؟

- أعتقد أنها كانت في عصر جمال عبد الناصر. هناك مفكرون ينتمون للمدرسة الناصرية كتبوا في مظلومية آل البيت ما لم يكتبه الشيعة. وعبد الناصر ساهم في إنشاء حسينية في أميركا. وليس من قبيل المصادفة أن يسعى الصوفية لاختطاف نعش عبد الناصر لإدراكهم ما قدمه لآل البيت. كما أن مصر اتخذت حينها موقفا مساندا للثورة الإسلامية في إيران.

* لكن الثورة اندلعت في إيران عام 1979، بعد وفاة عبد الناصر بقرابة تسع سنوات؟

- الثورة لم تشتعل بين عشية وضحاها.

* كيف ترى تاريخ المذهب الشيعي في مصر؟

- مصر عظيمة عبر العصور. وما زالت مصر حاضنة أمينة لهم حتى إن تعداد السادة الأشراف أحفاد الإمامين الحسن والحسين يزيد على 10 ملايين شريف. أما عن المذهب الشيعي في مصر، فإنه في كتابه «السيد البدوي بين الحقيقة والخيال»، ذكر الكاتب والباحث أحمد صبحي منصور رواية تشير إلى أنه في عهد الدولة الفاطمية في مصر عمل عمداء التصوف وقادته وهم عبد العزيز الدريني وإبراهيم الدسوقي على تأمين التشيع من خلال اتخاذ التصوف ستارا له. منذ اللحظة التاريخية الأولى، كانت مصر منحازة لمظلومية آل البيت حتى قبل تبلور فكر آل البيت. وخرج من المصريين من يدافع عن هذا الفكر حتى أقر الأزهر بجوازه. وانخرطت في صفوف هذا الفكر نخب من المجتمع المصري. الحقيقة القضية ليست قضية سنة وشيعة في تقديري ومتى دخل ومتى خرج مذهب ما، وإنما هي مواقف منحازة للمظلومين عبر التاريخ.

* في الوقت الحالي.. كم يبلغ عدد الشيعة في مصر؟

- وزارة الخارجية الأميركية في تقرير لها قدرت العدد بـ1 في المائة من سكان مصر، ولا أدري من أين جاءت بهذا التقدير. وأثناء التحقيقات معي من قبل جهاز أمن الدولة المصري (المنحل) عرفت أن الجهاز يرى أن أعداد الشيعة تقدر بالملايين وأنهم يندسون داخل الطرق الصوفية. وأنا اختلف مع التقديرين. وأتصور أن أعداد الشيعة بمصر مليونان، وهم متمركزون في الصعيد حاليا. أؤكد أن شيعة مصر يختلفون عن أي شيعة آخرين في العالم ولهم خصوصية حتى في فكرهم.

* تقولها بنبرة تطمينية؟ هل تشير بذلك ضمنا للاتهامات الموجهة للشيعة بأن ولاءهم الأول لإيران؟

- من وجه إلينا هذا الاتهام هو الرئيس المخلوع حسني مبارك المحتجز حاليا على ذمة قضايا كثيرة، بينما من تحدثينه الآن هو من بين المتهمين وهو محمد الدريني مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير أم الرشراش المصرية المحتلة المعروفة بإيلات. فمن الذي خان؟ نحن ولاؤنا لله ولنبينا ولآله والمؤمنين وشعبنا ووطننا.