مؤرخ يدافع عن الجذور المسيحية لأميركا يتودد إليه مرشحو اليمين للرئاسة

ديفيد بارتون يلقي مئات الخطب سنويا منتقدا الليبراليين.. وخصومه يحذرون من «تشويهه» للحقائق التاريخية

ديفيد بارتون
TT

في مبنى مكتبي غير مميز في هذه المدينة الضخمة، ومن بين آلاف الوثائق الخاصة بحقبة الثورة وبندقيتين لهما حربة، ربما يبدو ديفيد بارتون هاوي تاريخ غريب الأطوار. غير أن الطموح الحقيقي لهذا الرجل النحيل الذي يظهر مرتديا الحذاء ذا الرقبة الخاص برعاة البقر هو استغلال ماضي أميركا في صنع مستقبلها، وهو يلقى آذانا مصغية من كثيرين من الرؤساء المحتملين لأميركا.

بارتون هو مؤرخ علم نفسه بنفسه ويصفه العديد من الطامحين للرئاسة من المحافظين بأنه مستشار يحظى بالتقدير والاحترام ومصدر للتبرير التاريخي والديني لسياساتهم. وهو يحظى بشهرة كبيرة إلى حد أن القساوسة البروتستانتيين يجوبون الولايات لسماع أحاديثه المتكررة حول كيف تأسست الولايات المتحدة كدولة مسيحية وكيف أنها في طريقها للدمار، بسبب العلمانيين والمحكمة العليا، أو في طريقها لفقدان القوة السياسية لرجال الدين المسيحي فيها.

وعلى مدار عقدين من البحث المثمر، وعلى الرغم مما أثاره من جدل، و400 خطاب سنويا حول ما يطلق عليه الجذور المسيحية المنسية لأميركا، استطاع بارتون، 57 عاما، مدير مدرسة سابق وقس كهنوتي، أن يشكل سمعة ومكانة مرموقة لنفسه كروح موجهة لحزب اليمين المحافظ. ومع اتباعه جدول أعمال مرهقا، فهو أيضا منغمس في تفاصيل السياسات ويدعم شبكة تضم 700 من مشرعي الولايات المناهضين للإجهاض.

ويشير كثير من المؤرخين إلى أبحاثه بوصفها معيبة، لكن يبدو أن تأثير بارتون الآن أكبر مما كان عليه في أي وقت مضى. وتدق المنظمات الليبرالية أجراس الخطر حول ما تشير إليه بالتشويهات الخطيرة للحقائق من جانب بارتون، بما فيها ادعاؤه أن مؤسسي الدولة لم يريدوا مطلقا أن يكون هناك حاجز مرتفع بين الكنيسة والدولة.

وتحدث بارتون عن المرشحين للرئاسة المفعمين بالأمل من الجمهوريين قائلا: «التقيت بكثيرين من المرشحين المرتقبين في الوقت الحالي، ودائما ما كان ذلك بناء على طلبهم». وأشار إلى أنهم عادة ما يبحثون عن نصيحة محددة: من يمكنهم التعاقد معه أو من يمكنهم الاتصال به في حالة معينة أو كيف يمكن صياغة بيان حول موضوع حساس.

وهم يميلون إلى الحصول على توصيات سياسية من خلال أسلوبه الخاص في تحريف المعنى. تحدث بارتون من مكتبته مؤخرا في هذه المدينة الصغيرة في غرب فورت وورث قائلا: «دائما ما أبقى في حالة من الذهول والاندهاش حول الكم الذي كتبه مؤسسو أميركا عن القضايا التي نتعامل معها في يومنا هذا». وقال، متحدثا عن الجدل بين أعضاء الكونغرس حول الإعانات المالية المقدمة لصناعة سمك القد: «هل يمكنك أن تصدق هذا؟ لقد عارض جيمس ماديسون خطة إنقاذ وخطة تحفيز في عام 1792!».

ومن بين مرشحي الرئاسة الجمهوريين المحتملين الذين يطلبون نصيحته مايك هوكابي ونيوت غينغريتش وميشيل باكمان.

ويشير هوكابي، الذي عرف بارتون منذ الأيام التي عمل فيها حاكما لولاية أركنساس، إليه قائلا: «ربما يكون أعظم مؤرخ يدرك الطبيعة الروحانية لأميركا في بداية نشأتها».

وذكر الرئيس السابق لمجلس النواب الأميركي، نيوت غينغريتش، الذي يحاكي موضوعات بارتون من خلال تصريحاته الخاصة أن الحريات الأميركية منحة إلهية، وأنه يمكن أن يطلب النصيحة من بارتون إذا تولى الرئاسة. وصرحت باكمان، من مينيسوتا، زعيمة حركة حفلة الشاي في مجلس النواب، بأنها تخطط لدعوة بارتون لتوجيه محاضرة لصناع القانون حول التاريخ الدستوري.

غير أن الكثير من المؤرخين المحترفين يستبعدون بارتون، الذي حصل على درجته الأكاديمية في التعليم المسيحي من جامعة أورال روبرتس، بوصفه هاويا متحيزا ينتقي اقتباسات بعينها من التاريخ والإنجيل. وقال ديريك إتش ديفيز، مدير دراسات الكنيسة - الدولة في جامعة بايلور، وهي مؤسسة معمدانية في واكو في ولاية تكساس: «المشكلة مع ديفيد بارتون أن ثمة قدرا كبيرا من الحقيقة فيما يقوله، لكن المحصلة النهائية هي الكثير من التشويهات وأنصاف حقائق وتاريخ محرف».

ويقول بارتون إن منتقديه هم من ينتقون أجزاء تاريخية معينة بتقليل قيمة البعد الديني. وعلى مر السنين، تعمق فقط بدرجة أكبر في دراسة وثائقه، مؤلفا كتبا مثل «المقصد الأصلي» (الذي نشرته «وول بيلدرز»، مؤسسته هنا).

ويتمثل أحد أبرز ادعاءاته محل النزاع في أن المحكمة العليا قد أساءت فهم بيان توماس جيفرسون الذي أشار فيه إلى أن التعديل الأول في الدستور الأميركي أقام «جدارا فاصلا بين الكنيسة والدولة». ووفقا لبارتون، قصد جيفرسون أن الحكومة يجب ألا تدخل في صدام مع الممارسة العامة للشعائر الدينية - وليس أن المساحات العامة يجب ألا تمارس بها أي شعائر دينية. كما يورد فقرات من الإنجيل تشير إلى أنه، حسبما يقول، يقف ضد الإنفاق على المديونية وضرائب الدخول التصاعدية ووضع حد أدنى للأجور وسن الإجراءات المكلفة لمحاربة الاحتباس الحراري.

وتتدعم مؤسسة وول بيلدرز بالمتبرعين والمبيعات الكبيرة لكتبه وفيديوهاته. ورفض بارتون ذكر حجم العائد الذي تحققه هذه الكتب والفيديوهات، لكنه قال إن الإيرادات يعاد استثمارها من جديد في مشتريات وأبحاث المكتبة.

ويعد من الصعب تحديد متى يجد بارتون الوقت للتمعن فيما لديه من وثائق والكتابة، فما بالك بركوب الخيول التي يقوم بتربيتها في مزرعة صغيرة. وبعيدا عن مئات الخطب التي ألقاها، فإنه يقدم برنامجا إذاعيا يوميا ويدير فريق عمل مؤلفا من 25 شخصا، كما يتواصل مع شبكته المحلية. وتقول زوجته تشيريل، التي بقيت على مقربة منه خلال مقابلة معه وساعدته في استرجاع تواريخ مهمة في مسيرة حياته المهنية المميزة: «إنه لا ينام كثيرا».

ظهر بارتون على المشهد المحافظ عام 1988، حينما نشر دراسة ألقت المسؤولية عن الانخفاض في الدرجات في اختبارات الاستعداد المهني وغيرها من الآفات الاجتماعية، مثل الجرائم العنيفة والمواليد غير الشرعيين، على قرارات المحكمة العليا في عام 1962 و1963 التي منعت أداء الصلاة في المدارس.

وقام بارتون بجمع البيانات في الليل وفي العطلات الأسبوعية، بينما كان يقوم بتدريس الرياضيات والعلوم ويدير المدرسة المسيحية التي أنشأها هنا بالاشتراك مع الكنيسة البروتستانتية التي أنشأها والده. وقد انتقد الباحثون تقريره بوصفه نوعا من الخلط بين علاقات الربط والعلاقات السببية. غير أن بارتون ما زال يعتقد العكس، وقال: «لقد ابتعدت الأمة عن الرب»، وجاءت العواقب سريعة.

وفي 1988، وجدت رسالته آذانا مصغية. وانطلق بارتون في رحلة بسيارة فورد بصحبة تشيريل وأطفالهم الثلاثة، وألقى 72 خطابا في 52 يوما - وهي سرعة لم تفتر. وعلاوة على ذلك، تعمق أيضا في السياسات، من خلال عمله نائبا لرئيس الحزب الجمهوري في ولاية تكساس في الفترة من 1997 إلى 2006. وفي عام 2004، عينته اللجنة الوطنية الجمهورية لحشد المسيحيين لحملة جورج دبليو بوش الانتخابية. وقد دخلت مجموعات مثل «الأميركيين المتحدين للفصل بين الكنيسة والدولة» منذ وقت طويل في تحد مع آراء بارتون. والآن، يدق منتقدوه أجراس الخطر. وقد خصصت المجموعة الليبرالية «مع الطريقة الأميركية» مؤخرا تقريرا عن بارتون، تحذر فيه من «ظهوره المتزايد وتأثيره مع أعضاء من الكونغرس ومسؤولين آخرين بالحزب الجمهوري».

وبينما يقدم بفخر مكتبته لأحد الزائرين، والتي تحمل خبرا صادما عن شعر جورج واشنطن، بدا من الواضح أن بارتون شغوف ليس فقط بصفحات الأخبار المثيرة للجدل، وإنما أيضا بعملية البحث عن الأخبار في حد ذاتها. وهو ينظر للأمام، حتى وهو ينظر للوراء. قال بارتون، وهو يفتح مجموعة من الصحف الخاصة بالقرن الثامن عشر: «لم يكن لدينا وقت لمراجعة حتى 5% من هذا الأشياء. أنت لا تعرف مطلقا ما ستجده».

* خدمة «نيويورك تايمز»