شهادات حية لـ «الشرق الأوسط» من جيران بن لادن في أبوت آباد

مجتمع منغلق من السهل ملاحظة وجود غرباء فيه

مواطنان باكستانيان يمران على دراجة نارية قرب جدار في مدينة أبوت آباد كتب عليه «عاش بن لادن» (أ.ف.ب)
TT

كانت «عملية القضاء على أسامة بن لادن» بالنسبة لمن يعيشون في مدينة أبوت آباد في شمال غربي باكستان خدعة وقصة مزيفة ومؤامرة لتشويه سمعة أكثر المدن الباكستانية هدوءا وسكينة وما بها من مؤسسات تابعة للجيش. لا تعني حقيقة العثور على المسكن المتميز لأسرة أسامة بن لادن التي تتضمن فتياته وزوجاته وأطفاله أي شيء بالنسبة إلى سكان قرية غارغا التي قضى فيها أسامة بن لادن آخر خمس سنوات في حياته.لم يتعرف أي من سكان القرية على أسامة بن لادن رغم أنهم يعرفون ملامحه من خلال صوره المنشورة في الصحف وعلى شاشات القنوات الإخبارية التلفزيونية المحلية والعالمية. لم يتح لأي شخص فرصة اختلاس النظر إلى داخل المجمع السكني الذي يقع في قلب القرية. والسبب بسيط وهو أن الأسوار المحيطة بالمجمع كانت أكثر ارتفاعا من أسطح المنازل المجاورة. أسرة زاينا كاكا التي تقطن في الجانب المقابل من الشارع على بعد بضعة أقدام من البوابة الرئيسية من مسكن أسامة بن لادن هي أكثر الأسر تضررا من الموقف المأزوم الذي حدث في هذه القرية الصغيرة بعد قتل القوات الخاصة الأميركية أكثر الإرهابيين إثارة للفزع ليلة الأول من مايو (أيار) الحالي. وألقت أجهزة الاستخبارات الباكستانية القبض على ابن زاينا كاكا ويخضع حاليا للتحقيقات على خلفية اتصالاته مع المجمع السكني. وصرح أهل القرية لـ«الشرق الأوسط» بأن شامرايز هو الذي يعرف بوجود أسامة بن لادن وأسرته داخل المجمع السكني. ويقول عبد الرشيد، عامل في متجر في نهاية الشارع الذي يقع به مسكن أسامة بن لادن: «لا يزال شامرايز لدى أجهزة الاستخبارات ولا نعلم ما حدث له». يعمل زاينا كاكا بائع خضراوات في سوق القرية ويبلغ من العمر 65 عاما، وابنه شامرايز عاطل عن العمل وينفق والداه عليه. وصرح عبد الرشيد لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «لماذا لا تذهب وتسأل زاينا كاكا عن الذين يقطنون المجمع السكني فبالتأكيد سيعرف أكثر». عندما وصل كاتب هذه السطور إلى زاينا كاكا وطرق على باب منزله فتح له رجل في الأربعينات من عمره وقال إن زاينا كاكا يعاني من ارتفاع ضغط الدم ولا يستطيع أن يخرج من المنزل وقال: «أنا أخوه واسمي علي داد». سألته: «نظرا لأن منزلك لا يبعد كثيرا عن بوابة المجمع السكني الذي كان يقطن به أسامة بن لادن، أريد أن أسألك ما إذا كنت ترى أحدا يخرج من المجمع أو يدخل إليه». أجابني قائلا: «نعم كان الشقيقان طارق وأرشد خان (مراسلا ابن لادن) يقيمان هنا، إنهما من جارسده (وهي مدينة تقع على بعد 20 كم من بيشاور). كان أرشد كثيرا ما يقود سيارة بيضاء بينما يقود طارق سيارة حمراء. ليس لدي أدنى فكرة عن عمليهما لأنني لم أكن أجرؤ على سؤالهم مثل هذا السؤال بسبب ثرائهما وفقري».

تنتشر إشاعات في القرية عن تقديم الأخوان المساعدة لأهل القرية الفقراء حتى يتمكنوا من بناء منازل خراسانية بالقرب من المجمع السكني لأسامة بن لادن. لكن لم يكن أي من أهل القرية على استعداد للتصريح بذلك. وهرب أكثر جيران أسامة بن لادن من المنطقة وبالتالي لا يوجد أحد للتعليق على هذه الشائعة، بينما يقبع الآخرون في منازلهم ويرفضون الخروج عندما تطرق أبوابهم. وغارغا قرية صغيرة تقع عند سفح تلال تحيط بمدينة أبوت آباد من جميع الجهات. وعلى مسافة أقل من كيلومتر من أكاديمية كاكول العسكرية الباكستانية، تحاط قرية غارغا من الأربع جهات بمدينة أبوت آباد ذات الكثافة السكانية العالية. يطغى جو الانضباط عليك عندما تدخل أبوت آباد التي تمتد على طول جبال كاراكوروم بعد قطع 60 كم شمالا من العاصمة الباكستانية إسلام آباد.

ومع تمركز ثلاثة أفواج عسكرية تقدم أبوت آباد نموذجا رائعا لمدينة تضم ثكنة عسكرية في شمال غربي المدينة. إنها المدينة التي قد يختارها ضباط الجيش المتقاعدون الذين يريدون الاستمتاع بهدوء الطبيعة ويظلون قريبين من حياة المدينة في الوقت ذاته. يمر طريق كاراكوروم السريع الشهير الذي يربط بين شمال غربي باكستان بمقاطعة زينغ يانغ الصينية بمدينة أبوت آباد. ويعني هذا أن أسامة بن لادن أمضى السنوات الخمس الأخيرة من حياته في مدينة باكستانية تمتاز بموقع استراتيجي. وعندما سيطرت حركة طالبان باكستان على وادي سوات القريب من أبوت آباد وبدأ العالم يصيح بأن حركة طالبان أصبحت على مشارف إسلام آباد، اعتاد الخبراء العسكريون الباكستانيون الإشارة إلى حقيقة بسيطة وهي أن مدينة أبوت آباد العسكرية تقع بين وادي سوات وإسلام آباد وموقعها الاستراتيجي يجعل من المستحيل على أي جماعة مسلحة الاقتراب من العاصمة الباكستانية.

ويعد المجمع السكني الذي كان يقطن به أسامة بن لادن بناء مميزا في القرية، حيث يبلغ ارتفاع الأسوار المحيطة به 14 قدما وعليها أسلاك شائكة والمبنى المكون من ثلاثة طوابق قريب من البوابة مما يجعله متفردا عن المباني ذات الطابق الواحد في المنطقة والتي لا يحيط ببعضها أي أسوار. لكن لا يبدو المنزل ذو الثلاثة طوابق والقريب من البوابة الرئيسية مشيدا بحيث يحمي هدفا بمثل قيمة أسامة بن لادن. وتوجد ثلاث نوافذ على الواجهة الأمامية من المبنى. وتتجه مواسير مياه نحو الأعلى مقابل أسوار المبنى، بينما يتخذ السور الخارجي المحيط بالمجمع السكني من الجهة الأمامية خطا مستقيما، بينما يتخذ السور الخلفي شكلا شبه دائري وتحيط به أراض زراعية تزرع بها خضراوات من ثلاث جهات. ويحيط جدول صغير بالسور الخلفي من المجمع. وخلف الشارع المواجه للبوابة الرئيسية هناك مساحة خالية. هبطت المروحيات التابعة للقوات الخاصة الأميركية إلى داخل المجمع، لكن لم تكن هناك أي مؤشرات تدل على حدوث أضرار بالسور، فقط تم قطع جزء صغير من الأسلاك الشائكة. قال محمد وحيد خان مزارع يزرع كرنبا وتقع مزرعته بالقرب من السور الخلفي لمجمع أسامة بن لادن السكني ويسكن على بعد بضع ياردات من المزرعة: «سمعت هدير المروحيات وعندما خرجت من منزلي رأيت النار مشتعلة في السور الخلفي. لم يكن المشهد واضحا». وأضاف: «لم يكن هناك أي قتال أو صرخات، فقط أصوات انفجار وإطلاق نيران». رأى وحيد أن العملية كانت مسرحية قام الأميركيون بتمثيلها لتشويه سمعة الجيش الباكستاني وأجهزة الاستخبارات الباكستانية. وأوضح وحيد قائلا: «هناك مكاتب للجيش والاستخبارات الباكستانية في هذه المنطقة ويريد الأميركيون أن يشوهوا صورة جيشنا. لا يوجد أي احتمال لمجيء أي شخص مشتبه به هنا، فبالتأكيد كان سيتم ملاحظته على الفور». ويعرف وحيد الأخوين ويعرف أهل القرية أنهما يملكان هذا المجمع. وأضاف: «لقد كنا نرى أرشد خان، صاحب المجمع السكني، كثيرا وهو يتمشى مع أبنائه. لقد سألته ذات مرة عن سبب بناء هذا السور العالي المحيط بمنزله، فقال لي إن لديه أعداء في مسقط رأسه وأراد أن يحمي أسرته منهم».

يعمل أكثر أهل القرية أعمالا حرة كمزارعين وهناك عدد كبير منهم ما زال يعمل في وظائف حكومية أيضا. وصرح وحيد خان لـ«الشرق الأوسط» بأن أهل القرية لم يلاحظوا وجود أي غريب عن هذه المنطقة، لكن بعد زلزال عام 2005 نزح آلاف من الغرباء إلى هنا، وأضاف: «ويمكن تمييزهم حتى هذه اللحظة». وصرح أحد الصحافيين الباكستانيين لـ«الشرق الأوسط» بأن قرية غارغا والمناطق المحيطة بها مجتمع منغلق. وقال: «إذا توفي أحدهم في طرف الوادي، يذهب من يسكن في الطرف الآخر من الوادي لحضور الجنازة. كيف لا يلاحظون وجود شخص مثل أسامة بن لادن». عندما أخبر كاتب هذه السطور وحيد خان بأن الاستخبارات الباكستانية ألقت القبض على زوجات أسامة بن لادن وبناته فضلا عن سبعة من أبنائه بعد قتله على أيدي القوات الخاصة، لم يصدق وحيد. وتساءل: «كيف يحدث ذلك؟ نحن لم نسمع صرخة أو بكاء طفل يأتي من المجمع السكني». وأشار إلى خزان مياه أعلى المجمع السكني وقال: «هذا لا يكفي هذه العائلة الكبيرة. هذا مستحيل». وصرح إقبال خان، أحد سكان القرية، لـ«الشرق الأوسط» بأن أجهزة الاستخبارات الأميركية ألقت القبض على الذين كانوا يعيشون بجوار بن لادن. وقال: «سمعنا أصوات قاذفات صواريخ تطلق من داخل المجمع على المروحيات الأميركية». لكن بدا أن أهل القرية في حالة إنكار، حيث لا يصدقون مشاركة مروحيات في العملية.