ليبيا: الثوار يوافقون مبدئيا على هدنة مشروطة لوقف إطلاق النار

مصادر لـ «الشرق الأوسط»: استخدام القذافي للمدنيين دروعا بشرية يحد من قدرات «الناتو» في تدمير قواته

ليبيان من الثوار ينظران الى مستودع الوقود الرئيسي وألسنة اللهب تتصاعد منه بعد قصفه من قبل قوات العقيد القذافي أمس (أ.ب)
TT

بينما يستمر حلف شمال الأطلسي (الناتو) ودول التحالف الغربي المناهض لنظام حكم العقيد معمر القذافي في الضغط على الثوار المناوئين له للقبول بحل سياسي، في ظل تراجع الأداء العسكري لـ«الناتو» وهبوط معدلات قصفه الجوي والصاروخي لمواقع القذافي العسكرية، كشفت مصادر مسؤولة في المجلس الانتقالي الليبي الممثل للثوار عن أن المجلس مستعد للقبول بعرض القذافي بوقف إطلاق النار.

لكن نفس المصادر التي تحدثت من معقل الثوار ومقر المجلس الانتقالي في مدينة بنغازي عبر الهاتف لـ«الشرق الأوسط» قالت، في المقابل إن المجلس يريد الحصول على ضمانات بأن لا يستغل القذافي أي هدنة لتعزيز قدراته العسكرية مجددا.

وقالت المصادر: «بالطبع يرحب الثوار والمجلس بوقف إطلاق النار لحقن دماء الليبيين، الخيار العسكري لم يكن بإرادتنا، القذافي فرض علينا القتال المسلح فرضا، لكن يتعين أن نتأكد من أنه لن يسمح للقذافي باستعادة قدراته العسكرية مجددا خلال أي هدنة».

ورأت المصادر أن بإمكان حلف الناتو تشديد مراقبته لنظام القذافي لمنعه من شراء المزيد من الأسلحة أو جلب المزيد من المرتزقة الأجانب للقتال إلى جانب قواته العسكرية وكتائبه الأمنية.

واعتبرت المصادر أن الجزء الأهم في هذا الإطار بالنسبة للثوار هو ضمان أن لا تبقى قوات القذافي في حدود مواقعها الحالية، وأن تنسحب من كافة المدن الليبية إلى خارجها، مع توفير ضمانات بأن لا تعود مجددا لاستخدام السكان المحليين والمدنيين كرهائن أو دروع بشرية.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن الاجتماع الأخير لمجموعة الاتصال الدولية الخاص بليبيا، الذي استضافته العاصمة الإيطالية، روما، قد منح الثوار مهلة لمدة أسبوعين لتقرير أي الخيارات أنجع للتعامل مع نظام القذافي.

وقالت مصادر المجلس الوطني لـ«الشرق الأوسط» إن «الناتو» يرغب في أن يوافق الثوار على هدنة مشروطة، لكن لا شيء واضحا حتى الآن، مشيرة إلى أن الحكومة التركية تسعى إلى إقناع دول التحالف الغربي بخطة مبدئية في هذا الإطار.

وقال مسؤول عسكري في المجلس الانتقالي لـ«الشرق الأوسط»: «إذا بقيت قوات القذافي في مواقعها المعروفة، وإذا وفرنا لها مساحة زمنية لالتقاط أنفاسها، فإنها ستتحول إلى وحش كاسر يدمر الأخضر واليابس».

وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم تعريفه: «يهمنا وقف إطلاق النار. لسنا نقف حجر عثرة أمام أن يكون واقعا على الأرض، لكن هل نسمح للقذافي بأن يعيد تسليح نفسه مجددا، وهل من ضمانات بأن لا يسمح له المجتمع الدولي بذلك».

واعتبر أن هذه الأسئلة وغيرها مشروعة، ومطلوب من الجهات التي تتحدث عن توقيع هدنة أن تجيب عنها قبل أن تدعو إلى الجلوس إلى أي طاولة مفاوضات مع القذافي، الذي شدد على أنه ليس جديرا بالثقة، وأنه فقط يقدم التنازلات للبقاء في السلطة، وأنه لا يعتزم بأي حال من الأحوال التخلي عنها.

وأضاف بقوله: «الله غالب.. (الناتو) حقق إنجازات طيبة في إطار حماية المدنيين ومنع قوات القذافي من استغلال التفوق الجوي لصالحها، لكن في المقابل ما زال القذافي على رأس السلطة وما دام هو في مكانه فلا أمل في أي حل سياسي مقبول».

وبينما تراجعت إلى حد كبير هجمات «الناتو» التي يقول نظام القذافي إنها لا تفرق بين الأهداف المدنية والعسكرية، ويستغلها في إطار حملة دعائية واسعة النطاق للتدليل على أن طائرات لم تأت لحماية المدنيين بل لقتلهم، يستمر نظام القذافي في حشد سكان المدن التي ما زالت تحت سيطرته، خصوصا في المنطقة الغربية، حيث تتمركز معظم قواته العسكرية وكتائبه الأمنية.

ونجح القذافي، إلى حد كبير أيضا، في إرباك «الناتو» عن طريق نشر قواته على مسافات متباعدة داخل الأراضي الليبية المترامية الأطراف بحيث يصعب اكتشافها أو قصفها، مستغلا العامل الجغرافي لصالحه.

واعترف مسؤول في المجلس الانتقالي ببنغازي بأن استراتيجية القذافي قد نجحت تماما في دفع «الناتو» إلى إظهار نغمة يأس من أن تؤدي عملياته الجوية ضد قوات القذافي في كسر شوكة نظامه الحاكم.

وأضاف هو (القذافي) يستخدم المدنيين كدروع بشرية، ليس فقط حول مقره الحصين في ثكنة باب العزيزية بالعاصمة الليبية، طرابلس، ولكن أيضا حول مختلف المواقع العسكرية، التي ربما تكون أهدافا مشروعة لـ«الناتو».

واعتبر أن ما يحدث هو مباراة بين آلة القذافي الدعائية وطائرات «الناتو» التي لاحظ أنها بدأت مؤخرا في تجنب قصف مواقع عسكرية مباشرة في طرابلس وسرت بسبب وجود المئات من أنصار القذافي حولها.

ولفت إلى أن «الناتو» ليس بمقدوره تحمل أن تؤدي ضرباته الجوية إلى مقتل المئات من المدنيين الذين يستغلهم القذافي لمنع «الناتو» من الاستمرار في العمل العسكري ضده، مشيرا إلى أن الثوار يعانوا أيضا في نقل رسائل إلى سكان العاصمة، طرابلس، في ضرورة الابتعاد عن الأهداف العسكرية للقذافي لتمكين «الناتو» من أداء عمله بكفاءة أعلى.

وقال: «هذه مسألة أخلاقية، إذا ضربت مواقع القذافي العسكرية بصورة مكثفة فسيسقط مدنيون، ليس لأن الطائرات تستهدفهم، ولكن لأن النظام الليبي يستخدمهم كدروع بشرية، هذه حقيقة على الأرض مع السف».

ويحرص «الناتو» على أن تبقى أهدافه العسكرية واضحة، لكن نصائحه للسكان المدنيين بالابتعاد عن تلك الأهداف العسكرية لم تلق آذانا مصغية حتى الآن.

وأدى قصف خاطئ من طائرات «الناتو» لمواقع عسكرية تابعة للثوار إلى مصرع وجرح العشرات منهم، بينما تقول قيادة التحالف الغربي إن هذه الخسائر واردة في ظل اتساع رقعة العمليات العسكرية ضد القذافي في مختلف أنحاء ليبيا.

وتحرص وسائل الإعلام الليبية الرسمية الداعمة للقذافي يوميا على بث أخبار ومعلومات تؤكد استمرار تدفق الحشود الجماهيرية على مقر إقامة القذافي، ويفرون من الأهداف المدينة والعسكرية التي يحتمل أن طائرات «الناتو» قد وضعتها على لائحة القصف الجوي والصاروخي.

ومع ذلك تقول مصادر ليبية رسمية في طرابلس لـ«الشرق الأوسط» إن هذا التوافد الشعبي إنما هو تعبير عن تأييد وتعاطف سكان العاصمة مع نظام القذافي الذي لم يعرفوا غيره مطلقا كحاكم مطلق الصلاحيات للبلاد على مدى السنوات الـ42 الماضية.