وزير داخلية فرنسا: الدولة حيادية تجاه جميع الأديان.. ونريد إسلاما منخرطا في المجتمع

كلود غيان: هجرة التونسيين من بلادهم ليست الحل.. وطبقنا تجاههم القوانين الفرنسية

TT

منذ 27 فبراير (شباط) الماضي، يحتل كلود غيان منصب وزير الداخلية وأقاليم ما وراء البحار وشؤون العبادة والهجرة. وقبل أن ينتقل إلى مبنى الوزارة الواقع على مرمى حجر من القصر الرئاسي، شغل طوال 3 سنوات ونصف السنة منصب أمين عام الرئاسة، وكان رجل المهمات الصعبة الذي كانت تمر من خلاله كل الملفات «الحساسة» من التعيينات الوزارية والمناصب الكبرى إلى خفايا السياسة الخارجية.

وبهذه الصفة، اعتبر المسؤولون العرب، من دمشق إلى أبوظبي والرياض والرباط، كلود غيان، رجل ثقة الرئيس نيكولا ساركوزي، إلى درجة وصفه بـ«الرئيس رقم اثنين». لكن منذ أن اجتاز غيان شارع فوبور سان هونوريه ليتسلم الداخلية من صديق الرئيس بريس هورتفو حتى تحول إلى شخص آخر. فقد كشف عن تشدد لم يكن معروفا عنه. وما كاد يمر أسبوع إلا ويدلي بتصريحات تثير جدلا واسعا حول شؤون الهجرة والمهاجرين والإسلام والمسلمين. يقول يوما إن الفرنسيين في بعض الأماكن «يشعرون أحيانا أنهم ليسوا في بلدهم»، ويوما آخر إن ازدياد أعداد المسلمين في فرنسا وبعض تصرفاتهم «يطرح مشكلة».

وفي أجواء مشحونة وتراكمات بسبب قانون منع النقاب وقبله الجدل حول الهوية الوطنية وأخيرا العلمنة والإسلام، تأتي تصريحات غيان لتصب الزيت على النار، وهو ما تستغله المعارضة اليسارية وجمعيات مناهضة العنصرية وحتى شخصيات مستقلة. وتكون النتيجة أن صورة غيان لدى الرأي العام في الداخل والخارج مشوشة، لا بل سيئة، إذ يرى بعضهم أنه يركض وراء اليمين المتطرف وينفذ مهمة «رئاسية» بسبب اقتراب الانتخابات الرئاسية ربيع العام المقبل قوامها سحب البساط من تحت أقدام الجبهة الوطنية ومرشحتها مارين لوبن واستعادة أصوات اليمين المتشدد التي ضمنت لساركوزي عام 2007 الفوز بالرئاسة. وما يزيد الوضع تأزما، أن استطلاعات الرأي تشير كلها إلى تراجع ساركوزي لا بل خروجه من المنافسة منذ الدورة الأولى وتقدم مارين لوبن عليه.

ولأن غيان ومستشاريه يعانون من تدهور صورته في العالم العربي ولدى المسلمين، فقد دعا الوزير عددا من الصحافيين العرب إلى لقائه في مقر الداخلية في جلسة حوارية دامت نحو الساعة ونصف الساعة.

اللافت في هذا الرجل هدوءه التام الذي لا يعكره سؤال «ملغوم» أو محرج. فلا صوته يرتفع ولا سمات وجهه تتبدل. ولم يخف أنه يريد، عبر الإعلام العربي، التوجه إلى «الرأي العام (العربي والمسلم) لشرح حقيقة مواقف الحكومة في موضوع العلمنة وتأكيد أننا لسنا ضد الديانة الإسلامية». ويضيف غيان: «أعتبر أن ذلك سيكون مفيدا، وأنا أقوم به من منطلق كوني وزيرا للداخلية، ولأنني أعلم أن النقاشات التي جرت هنا أحدثت إرباكا وأحيانا قلقا عندكم، وأن موضوع العلمنة غير مفهوم هناك».

انطلاقا من هذا المعطى، فإن غيان سعى إلى هدفين: الشرح والطمأنة. وفي السياق الأول، شدد على أن العلمنة «مبدأ مؤسس» للحياة العامة في فرنسا، وهي تضمن حرية الوجود والتعبير لكافة الأديان وتساويها وممارستها وحياد الدولة. وفي السياق الثاني، ركز الوزير على أن الدولة ليس لها موقف مختلف من الإسلام والمسلمين. وطرح بعض الأرقام المفيدة، منها أن في فرنسا ما بين 5 إلى 6 ملايين مسلم بينهم نحو المليون يمارسون ديانتهم. وبحسب الوزير يوجد في فرنسا ألفا مسجد وقاعة صلاة، بينها ألف تم بناؤها في السنوات العشر الأخيرة. لكن غيان يعترف أن هناك نقصا في أماكن الصلاة، وأن القانون الفرنسي يمنع الدولة من تمويلها بعكس ما تمتعت به الديانات الأخرى قبل عام 1905، تاريخ صدور قانون العلمنة. ويؤكد غيان أن الحكومة «واعية» للمشكلة، وهي تسعى إلى إيجاد حلول.

ويرى وزير الداخلية أن صلاة المسلمين في الشوارع (وهي ظاهرة لا تتجاوز الـ10 أماكن) «غير لائقة بالإسلام والمسلمين» من جهة وهي «تصدم» بعض المواطنين الفرنسيين من جهة أخرى. وكانت مارين لوبن، زعيمة اليمين المتطرف قد شبهت هذه الظاهرة بـ«الاحتلال النازي» لفرنسا إبان الحرب العالمية الثانية.

ولا تتوقف مشكلات وصعوبات المسلمين عند دور الصلاة وإشادتها وتمويلها، بل تمتد لتتناول توافر الأئمة وتأهيلهم وتعليمهم وإيجاد مساحات مخصصة للمسلمين في المدافن العامة، فضلا عن الممارسات التي تطرح إشكالية مثل النقاب الذي منع بقانون أو ارتداء الموظفات المسلمات الحجاب في الدوائر الحكومية وهو ما يشدد غيان على منعه انطلاقا من مبدأ عدم إبراز الانتماءات الدينية في الدوائر العامة أو عمل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الذي يعاني من صراعات أهمها بين جناح الجزائريين فيه وجناح المغربيين.

والى جانب الإسلام، احتل الموضوع الرديف (الهجرة) مساحة واسعة من النقاش بعد الأخذ والرد الذي رافق تدفق المهاجرين التونسيين غير الشرعيين على شواطئ إيطاليا والتشدد الفرنسي في انتقاد حكومة برلسكوني التي سمحت لهم بالتنقل ضمن اتفاقية شنغن، ورد الفعل الفرنسي العنيف والمطالب بتعديلها.

ودافع غيان عن سياسة حكومته (سياسته) وشدد على أن تعاطيها مع المهاجرين التونسيين غير الشرعيين جاء وفقا للقوانين الفرنسية. لكنه يرى أن الحل بالنسبة للتونسيين «ليس في الهجرة غير الشرعية»، بل في «تحقيق التنمية» في تونس نفسها، وهو ما ذهب من أجله الوزير جوبيه إلى العاصمة التونسية. وكشف غيان أن قمة الـ8 ستخصص جانبا من أعمالها لبلورة خطة دعم ومساندة لتونس (وأيضا لمصر) اللتين دعاهما ساركوزي إلى حضور القمة. ونبه وزير الداخلية من تنامي ظاهرة الهجرة غير المشروعة للسنوات المقبلة، خصوصا الآتية من أفريقيا التي سيبلغ عدد سكانها ملياري نسمة بعد 40 عاما. وخلاصة غيان أن باريس تريد إسلاما من دون مشكلات ومنخرطا في المجتمع الفرنسي ومتمتعا بكافة الحقوق والواجبات للديانات الأخرى وهو ما يضمنه التزام الدولة مبدأ العلمنة.