السلطات السورية تحارب مناهضي النظام.. حتى في الفضاء الإلكتروني

معارك افتراضية عبر الإنترنت وتسابق لنشر قوائم للعار وأخرى للشرف

TT

بالتوازي مع ما يجري على الأرض من محاولات حثيثة من النظام السوري لإخماد الاحتجاجات والمظاهرات في مختلف أنحاء البلاد، تدور رحى حرب افتراضية يخوضها الناشطون السوريون على صفحات شبكة الإنترنت لمواجهة الحملة الإعلامية الرسمية. وقد سجلت هذه المعركة خلال الأسبوع الماضي الذي سمي أسبوع (فك الحصار) تطورا جديدا لجهة إنشاء صفحات جديدة على شبكة التواصل الاجتماعي «فيس بوك» متخصصة بوضع قوائم بأسماء المخبرين لصالح النظام الذين تسميهم العامة (عواينية) المشتقة من كلمة «عين» أي عين النظام التي تتجسس على المتظاهرين والناشطين، وتتولى هذه الصفحات فضح كل شخص يتم التأكد من أنه يتعاون مع الجهات الأمنية ضد «الثورة والثوار».

ولوحظ أن هذه الصفحات ظهرت إبان حملة الاعتقالات الممنهجة التي تقوم بها السلطات الأمنية، حيث تقوم بمداهمات للبيوت فجرا قبل طلوع الشمس، في مناطق معينة وبعد قطع الكهرباء والاتصالات. يسحب الناشطون من الفراش، وفق قوائم بالأسماء تتضمن العشرات إن لم نقل المئات. وهذا حصل في ريف دمشق، دوما، المعضمية، حرستا، عربين، داريا، دير الزور.. ويقول الناشطون إن (العواينية) يقومون بتصوير المتظاهرين بالموبايل لصالح النظام ويقومون بالتبليغ عن كل من يشارك في المظاهرات.

ومن تلك الصفحات (قائمة العار - مدينة حرستا - ياحيف) ويقول مدير الصفحة: «صفحتنا لا تعني العداء لأحد هي صفحة شريفة تعبر عن ثورة شريفة لكن لكل ثورة أعداء ويجب فضحهم». ونشرت الصفحة قائمة بأسماء نحو عشرين شخصا معروفون محليا تراوحت أسباب إدراجها على القائمة بين علاقات مشبوهة مع رجال في النظام، وإبلاغ الأمن عن كل من أصيب خلال المظاهرات، وإيواء رجال الأمن في منازلهم. ويعلق واضع القائمة عليها بالقول: «ليس غريبا تكون أسماؤهم في أول القائمة لأن كل حرستا تعرفهم بتعرف كيف جمعوا ثرواتهم وبعضهم جمعها من دماء أهالي حرستا».

ومن المصطلحات الجديدة التي يستخدمها الناشطون في «صفحات العار»، تسمية السلطات الأمنية السورية بـ(كتائب الأسد الأمنية) على غرار تسمية كتائب القذافي. ويقول مدير الصفحة إن كتائب الأسد الأمنية قامت باعتقال أشخاص وردت أسماؤهم في «تبعا لنشاطهم وبمساعدة تقارير عيون كتائب الأسد الأمنية».

وهناك صفحة «قائمة بلطجية دير الزور» وتضمن قوائم عديدة بأسماء المخبرين من العاملين في الجهاز الحزبي في المحافظة ومن موظفي وأعوان السلطة، وحتى وفد زعماء العشائر الذي التقى الرئيس الأسد منذ أيام ونقل إليه مطالب أهالي المحافظة، وضع على هذه الصفحة ضمن قائمة بلطجية دير الزور، وهي القائمة التي لا تكتفي بأسماء من تعتبرهم أعينا للجهات الأمنية، وإنما تتسع لتشمل كل من تعتبرهم عارا على المحافظة من مسؤولين تبوأوا مناصب مهمة في الدولة واتهمتهم بالفساد؛ منهم السفير السوري في بغداد نواف الفارس، وهو ابن دير الزور.

وتأتي تلك الصفحات المحلية لتنضم إلى قوائم (عار) أخرى على غرار قائمة العار التي وضعتها الثورة المصرية، وهي كثيرة، منها (قائمة العار اللقلوق) وكلمة (لقلوق) تعني باللهجة الشامية المتملق عديم الكرامة.. إلا أن أشهر الصفحات السورية (قائمة العار السورية - سوريون ضد الثورة). ويقول مدير الصفحة: «إن قائمة العار المصرية التي أنشئت من شباب مصر الحر تضمنت أكثر من 800 شخصية فقط خلال 18 يوما، عدا عن الأشخاص التي تمت إضافتهم بعد انتصار الثورة المصرية، نحن في الثورة السورية أضفنا إلى الآن أقل من 300 شخصية خلال 50 يوما منذ بدء ثورة الحرية في سوريا، وهم لا يمثلون إلا أنفسهم».

وكان للفنانين السوريين ونجوم الدراما النصيب الأكبر في هذه القائمة، وذلك لظهورهم على التلفزيون السوري والقناة المحلية «الدنيا» والإدلاء بتصريحات تهاجم المتظاهرين في سوريا. وتؤكد الرواية الرسمية على اعتبارهم مندسين وخونة وعملاء أو دعاة تخريب، وتبرير قيام النظام بقمعهم، وتتم إضافة الأسماء بناء على اقتراحات من أعضاء الصفحة يجري مناقشتها قبل إضافتها للقائمة، وثمة أسماء وضعت ثم رفعت ثم عادت ووضعت مثل الفنانة النجمة الممثلة سلاف فواخرجي لقولها مؤخرا إنها «فخورة بوضعها على قائمة العار ضد الثورة ومن يطالب بإسقاط النظام هو عميل».

إلا أن أشهر المتربعين على قائمة العار الفنان دريد لحام المنخرط في الحملة الإعلامية للنظام ضد المحتجين، وآخر تصريحاته لقناة لبنانية قال فيها «الجيش السوري ليست مهمته محاربة إسرائيل وإنما الحفاظ على السلم الأهلي وهذا ما يفعله الجيش في الأحداث الجارية» تعليق أثار الكثير من الاستياء لدى المؤيدين للاحتجاجات. بالإضافة إلى أن صوره تتصدر لوحات الإعلان الطرقي في أنحاء عديدة من البلاد ضمن الحملة الإعلامية التي تقوم بها السلطات السورية لحض المواطنين على عدم الاستجابة لدعوات التظاهر والحفاظ على أمن واستقرار البلاد.

ولم تستثن صفحة العار شخصيات دينية مثل الشيخ الداعية والنائب في مجلس الشعب محمد حبش لموقفه المراوغ من (الثورة) وتأييد الإصلاحات التي يقوم بها النظام. حتى الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي الذي يحظى بمكانة مرموقة في الشارع السوري، نال نصيبا هاما في (قائمة العار السورية) لأنه أكد رواية النظام عن المتظاهرين بأنهم غرباء وليسوا ممن يؤمون الجامع؛ إذ إن جباههم لا تعرف الصلاة.

وفي المقابل فإن عشرات الصفحات لمؤيدي النظام أنشئت لمواجهة هذه الصفحات. ومن يضعه «الثوار» على قائمة العار يضعه الفريق المناوئ على قائمة الشرف للسورين ضد المتآمرين على الوطن والرئيس الأسد. لكن تلك الصفحات لم تصمد طويلا في حرب إلكترونية يشنها الجانبان على بعضهما البعض، حيث يتم الإبلاغ عن الصفحات، لإدارة «فيس بوك» لتقوم بحجبها.

ومع ذلك، وكما تتزايد صفحات الداعمين لـ(الثورة) تتزايد أيضا صفحات المؤيديين للرئيس بشار الأسد. كما تم إنشاء صفحة اسمها «الجيش السوري الإلكتروني» مهمتها الهجوم على صفحات الثورة وتدميرها. لكن يوم أمس كتب أحد الناشطين المؤيدين للنظام على صفحته «قامت إدارة (فيس بوك) وللمرة الثانية بإغلاق صفحة الجيش الإلكتروني السوري بعد ساعات من إنشائها ووصولها لأكثر من 17 ألف عضو وذلك بعد أن قامت في وقت متأخر من مساء الثلاثاء بإغلاق الصفحة التي كانت تضم أكثر من 60 ألفا بشكل مفاجئ».

والسمة العامة التي تشترك فيها الصفحات المؤيدة للنظام هي غلبة لغة الشتائم التي تصل حد استخدام الكلام البذيء والاستخفاف بالمحتجين والمتظاهرين واعتبارهم مجموعات من الخونة والعملاء، الأمر الذي اعتبره أحد الناشطين السوريين المناهضين للنظام دليلا على أن تلك الصفحات ينشئها ويديرها عناصر في أجهزة الأمن السورية، ويقول إنهم يلجأون إلى طرق خبيثة في حربهم الإلكترونية تحتاج إلى جهاز متخصص من الخبراء، إذ تتم سرقة أسماء المجموعات الإخبارية وإنشاء صفحات مزيفة تبث أخبارا كاذبة، يتم الإبلاغ عنها فور اكتشافها. إلا أن السلطات لا تتوانى عن حجب بعض الصفحات. وآخر الإجراءات توصل مؤسسة الاتصالات إلى طريقة تقنية لسرقة أسماء المستخدمين وكلمات السر لمراقبة نشاطهم على «فيس بوك»، وهو الأمر الذي أدى إلى تردي خدمة الإنترنت خلال اليومين الماضيين، وتعثر الدخول إلى موقع «فيس بوك».

وكانت عدة صفحات نشرت تحذيرات بهذا الخصوص مع نصائح للناشطين بكيفية التغلب على هذه المشكلة فيما لو كانت المعلومات صحيحة. المعركة الافتراضية التي يخوضها السوريون لا تقدم رصدا للحراك والمواقف والأحداث على الأرض وحسب، بل تكشف عن حيوية فائقة يتمتع بها جيل جديد من السوريين بعد عقود طويلة من التغييب عن الفعل العام.