واشنطن تطلب من باكستان أسماء مسؤولي استخبارات كانوا على علاقة بابن لادن

«سي آي إيه»: في أحسن الظروف.. لقد غض جهاز الاستخبارات الباكستانية الطرف عنه

باكستانيتان عاشتا بالقرب من المجمع السكني لزعيم «القاعدة» في أبوت آباد (أ.ب)
TT

يقول مسؤولون باكستانيون إن إدارة أوباما طلبت تحديد هوية بعض كبار العاملين في الاستخبارات، حيث تحاول الولايات المتحدة معرفة ما إذا كان أحدهم على اتصال ببن لادن أو معاونيه خلال السنوات التي سبقت العملية التي أدت إلى مقتله صباح يوم الاثنين في باكستان. كشف المسؤولون عن تفاصيل جديدة بشأن المناقشة المحتدمة بين المسؤولين الباكستانيين ومندوب أميركي سافر إلى باكستان يوم الاثنين والشك المتزايد لدى الاستخبارات الأميركية والمسؤولين الدبلوماسيين بأن أحدا ما في وكالة الاستخبارات المركزية السرية كان يعرف بمكان بن لادن، وساعد في حمايته. وكان مسؤولو إدارة أوباما قد توقفوا عن اتهام الحكومة الباكستانية، سواء علنا أو سرا، بالضلوع في التستر على بن لادن خلال السنوات التي أعقبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) على مركز التجارة العالمي ومبنى وزارة الدفاع. وأقرّ أحد المسؤولين رفيعي المستوى في الإدارة الأميركية سرا بأن الإدارة تدرك مدى حساسية العلاقات الأميركية - الباكستانية مما لا يسمح بالمخاطرة بها حتى لو تبين أن مسؤولي الاستخبارات الباكستانية (الحاليين أو السابقين) يعرفون بمكان بن لادن.

لكن عبّر هذا المسؤول وآخرون عن إحباط شديد من مسؤولي الجيش الباكستاني والاستخبارات الباكستانية لرفضهم تزويدهم بأسماء العاملين لدى جهاز الاستخبارات الباكستاني، الذي يُعتقد وجود صلة بينهم وبين أسامة بن لادن. ولتحري الدقة طلب المسؤولون الأميركيون الحصول على معلومات عن العاملين لدى جهاز الاستخبارات الباكستانية الذين كانوا يعملون عن كثب مع المسلحين منذ أيام الحرب ضد الجيش السوفياتي في أفغانستان.

يقول مسؤول رفيع المستوى في جهاز الاستخبارات، في إشارة إلى رئيس أركان الجيش الباكستاني، الجنرال أشفق برويز كياني، ورئيس جهاز الاستخبارات، الجنرال أحمد شجاع باشا: «من الصعب تصديق أن كياني وباشا كانا يعرفان مكان بن لادن».

لكن المسؤول الذي رفض الكشف عن هويته بسبب الحساسية الدبلوماسية التي يتسم بها الموضوع أضاف: «هناك مستويات من المعرفة. لن يدهشني أن أكتشف أن أحد المقربين من شجاع باشا كان يعرف بمكانه».

وبدأت وسائل الإعلام بالفعل في التكهن باحتمال تنحي الجنرال باشا، الذي يعد من الشخصيات النافذة في باكستان، نتيجة عملية بن لادن. ويأتي تزايد توتر العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان، التي جعل قربها من أفغانستان منها حليفا مهما في الحرب، في ظل اعتراف تنظيم القاعدة ذاته بمقتل بن لادن يوم الجمعة الماضي. وصرح التنظيم بذلك في معرض تعهدها بالانتقام لمقتله من الولايات المتحدة وحلفائها.

وقال محققون باكستانيون انخرطوا في تجميع أجزاء حياة بن لادن خلال السنوات التسع الماضي الأسبوع الحالي إنه كان يعيش في مناطق حضرية من باكستان لفترة أطول مما تخيلوا. وقال مسؤولان باكستانيان مطلّعان على التحقيقات الباكستانية إن أرملة بن لادن اليمنية، وهي واحدة من ثلاث زوجات رهن الاعتقال حاليا في باكستان، أخبرت المحققين أنها قبل الانتقال عام 2005 إلى منزل أبوت آباد الذي شهد مقتل بن لادن، كان يعيش مع أسرته لعامين ونصف العام تقريبا في قرية صغيرة اسمها «تشاك شاه محمد» التي تقع على بعد أكثر من ميل جنوب شرقي مدينة هاريبور على طريق أبوت آباد السريع الرئيسي.

وقال أحد المسؤولين إن هذا يعني أن بن لادن غادر منطقة القبائل عام 2003 وانتقل للعيش في المناطق الحضرية الشمالية. وظل المسؤولون الأميركيون والباكستانيون يعتقدون لسنوات أن بن لادن يختبأ في منطقة القبائل على الحدود الأفغانية - الباكستانية بعد اختفائه من تورا بورا في أفغانستان.

وأشار أحد المسؤولين الباكستانيين السابقين إلى أن أبوت آباد، التي بها الأكاديمية العسكرية التي تعادل أكاديمية «وست بوينت» العسكرية، تعج بقوات أمن ومسؤولين عسكريين يحيطون المدينة بطوق أمني مما يثير تساؤلات بشأن عدم معرفة المسؤولين بوجود مجمع سكني مثير للشكوك في الجوار.

يقول حسن عباس، مسؤول عسكري باكستاني سابق يدرس حاليا في جامعة كولومبيا: «إذا كان هناك منذ عام 2005، فكيف لم تعرف الشرطة والاستخبارات الباكستانية بمكانه».

وأشار عباس إلى وجود شبكة أمنية ضيقة تحيط بأبوت آباد لقلق المسؤولين الباكستانيين من وقوع هجمات إرهابية على أماكن عسكرية حساسة في المنطقة.

وقال آرت كيلر، مسؤول سابق في وكالة الاستخبارات المركزية، الذي شارك في عملية لملاحقة بن لادن من منطقة وزيرستان في باكستان عام 2006، إن لجوء زعيم تنظيم القاعدة لمدينة أبوت آباد شديدة التحصين عام 2005 يطرح الكثير من الأسئلة المهمة. ويرى كيلر أنه من المؤكد أن بن لادن كان يعرف بالتواجد العسكري الكثيف وضباط الجيش الحاليين والمتقاعدين في تلك المدينة، ومنهم ضباط في جهاز الاستخبارات الباكستانية. وتتسم المدينة بمستوى مرتفع من الوعي الأمني وتنتشر نقاط التفتيش ودوريات المراقبة نظرا لأن الجيش كان هدفا للهجمات الإرهابية في السنوات الأخيرة. ويقول كيلر إنه إذا أراد بن لادن الانتقال إلى منطقة كثيفة السكان في باكستان لتجنب الصواريخ التي كانت تطلقها الطائرات الأميركية، فقد كان أمامه الكثير من الخيارات. وتساءل كيلر عن سبب إقامة بن لادن في أبوت آباد، مشيرا إلى أنه لم يكن ليفعل ذلك إلا إذا كان لديه ضمانات بالحصول على حماية أو رعاية أفراد الجيش الباكستاني أو ضباط الاستخبارات الباكستانية. وأضاف كيلر: «في أحسن الظروف، لقد غضّ جهاز الاستخبارات الباكستانية الطرف عنه. فهذا يعد آلية من آليات البقاء في باكستان». قد تجيب المعلومات التي اكتشفتها القوات الخاصة في المجمع السكني الذي كان يقيم به بن لادن عن بعض هذه الأسئلة، وربما تقدم حلا للغز مكان اختبائه خلال السنوات الأخيرة.

وقال مسؤول رفيع المستوى في قوات فرض القانون يوم الجمعة الماضي إن مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية حشدا مجموعات صغيرة من المحللين والخبراء الفنيين والمترجمين، لفحص ودراسة نحو مائة محرك أقراص محمول وأسطوانة «دي في دي» وأقراص صلبة وعشرة محركات أقراص صلبة وخمسة أجهزة كومبيوتر وهواتف جوالة متنوعة. ويطّلع المحللون على أكوام من الوثائق في المنزل، أكثرها باللغة العربية ولغات أخرى بحاجة إلى ترجمة.

ويعمل مئات من المحللين والخبراء الفنيين والمتخصصين في واشنطن ونيويورك وحدها ليلا ونهارا على مراجعة المعلومات التي تم العثور عليها. وقال المسؤول الذي رفض ذكر اسمه بسبب عدم انتهاء التحقيق: «هناك حاجة إلى جهود الجميع». ويستعيد الاختصاصيون الفنيون أرقام الهواتف من الهواتف الجوالة التي عُثر عليها في المجمع السكني.

*شارك في إعداد التقرير كل من هيلين كوبر من واشنطن وإسماعيل خان من بيشاور وإريك شميت ومارك ماتسيتي من واشنطن

* خدمة «نيويورك تايمز»