الرجل الثاني في الجماعة الإسلامية الباكستانية لـ «الشرق الأوسط»: نريد الحقيقة كاملة

عبد الغفار عزيز: مقتل زعيم «القاعدة» سيفرخ مزيدا من المتطرفين.. ولن نتوقف عن المطالبة باستقالة الرئيس ورئيس الوزراء

عبد الغفار عزيز («الشرق الأوسط»)
TT

قال الشيخ عبد الغفار عزيز، مسؤول العلاقات الخارجية والمتحدث الإعلامي باسم «الجماعة الإسلامية»، أكبر التيارات المعارضة في باكستان: إن قتل أسامة بن لادن، زعيم «القاعدة»، في مدينة أبوت آباد شمال غربي البلاد، الأسبوع الماضي، لن يقضي على الإرهاب، بل سيفرخ المزيد من الأصوليين، وسيؤجج مشاعر المتطرفين في كل مكان، ويدفع مزيدا من الشباب إلى الانخراط في المنظمات المسلحة، مشيرا إلى أن التبجح الأميركي سيدفع الشباب في نهاية الأمر إلى اللجوء إلى المتطرفين، وهو ما لا نريده، لأنه لا تحمد عقباه، ونشاهد آثاره اليوم في الشريط القبلي.

وأوضح عزيز، الذي يتحدث العربية بطلاقة، في اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط» في مدينة لاهور، حيث المقر الرئيسي للجماعة، أن قادة المعارضة السياسية الباكستانية، بمن فيهم الأحزاب الدينية وغير الدينية وحتى العلمانيون، يطالبون الرئيس ورئيس الوزراء بالاستقالة في أعقاب العملية الأميركية على المجمع السكني لبن لادن.

وقال: «إن عموم المواطنين الباكستانيين يشعرون بالغصة والغضب من انتهاك السيادة الوطنية لبلادنا». وأوضح عزيز: «إننا نشعر بقلق بالغ؛ لأننا لسنا آمنين داخل حدود بلادنا». وأكد أن جميع الناشطين والتيارات السياسية تطالب الرئيس آصف علي زرداري بتقبل مسؤولية الفشل في حماية السيادة الوطنية.

وقال عبد الغفار عزيز، الرجل الثاني في الجماعة الإسلامية لـ«الشرق الأوسط»: «نحن اليوم أسرى المعلومات المقبلة من الجانب الأميركي»، مشيرا إلى أنها متضاربة، تتغير كل يوم، فمرة يقولون لنا إن بن لادن كان مسلحا، ثم غير مسلح، وعندما وصلت ابنته وزوجاته الثلاث إلى الجانب الباكستاني، كانت هناك رواية أخرى مخالفة. وأضاف: «إننا في الواقع نطالب بتحقيق كامل في الحادث ومعاقبة كل هؤلاء الأشخاص بمن فيهم القيادة العسكرية العليا ووكالات الاستخبارات، التي لم تتمكن من كشف التدخل الأميركي على أراضينا لعدة ساعات».

وأوضح: «إننا اليوم رهينة للمعلومات التي تقدمها المخابرات الأميركية ثم الباكستانية ثم الأفغانية لما حدث في أبوت آباد». وقال مسؤول العلاقات الخارجية للجماعة الإسلامية التي يبلغ عدد أعضائها 4.8 مليون عضو: إن معظم السياسات الخارجية للحكومة الباكستانية هي رهن للإشارة الأميركية. وطالب المتظاهرون الحكومة بالرجوع عن مساندتها لما تسميه الولايات المتحدة «الحرب على الإرهاب». كان الرئيس الأميركي باراك أوباما قد أعلن مقتل بن لادن في عملية نفذت بمنطقة أبوت آباد قرب إسلام آباد يوم الأحد الماضي، وتضم المنطقة الأكاديمية العسكرية الباكستانية، ويقيم فيها الكثير من المتقاعدين من قوات الأمن. وتواجه الحكومة الباكستانية سؤالا يتمحور حول كيفية تمكن الولايات المتحدة من تخطيط وتنفيذ عملية عسكرية كهذه من دون التنسيق مع السلطات الباكستانية. وبالنسبة لأولاد بن لادن، قال عزيز: «يجب أن يقدَّموا إلى المحاكمة أو أجهزة الإعلام؛ لأننا نريد معرفة الحقيقة كاملة»، مشيرا إلى أن «التسريبات الصادرة عن جهات التحقيقات لا تشفي غليل أحد». وقال: «نريد الحقيقة كاملة عن مقتل بن لادن على أراضينا؛ لأن هناك الكثير من فصول الرواية ما زال مبهما ومتضاربا».

وأفاد بأن بلاده تعيش اليوم مأزقا حادا يشبه إلى حد كبير ما واجهته باكستان بعد هجمات سبتمبر (أيلول) 2001، وقال: الجميع يلقي اللوم على باكستان لوجود بن لادن على أراضيها، ليس من الجانب الأميركي، بل من الهند وأيضا الرئيس الأفغاني حميد كرزاي. وقال: «يجب أن نتساءل اليوم بصوت عالٍ: ماذا جنت باكستان من الحرب على الإرهاب؟ ويمكن القول: إن هناك 32 ألف مدني و3 آلاف عسكري باكستاني قتلوا في أتون تلك الحرب، سواء في هجمات طائرة من دون طيار أو مواجهة طالبان، لكن إذا كان الرئيس الأميركي يقول إن العدالة تحققت في خطابه عن مقتل بن لادن، فإننا نقول لهم ارحلوا عن أرضنا اليوم قبل غدٍ، ويكفي الاستهتار الأميركي بسيادتنا الوطنية».

وأضاف أن رئيس أركان الجيش الباكستاني أشفق كياني كان له تصريح مهم من قبل بأنه لا يقبل شخصيا هجمات الطائرات من دون طيار على أراضي بلاده، لكنهم هذه المرة جاءوا بطائرات لا تكشفها الرادارات في الهجوم على أبوت آباد، وانتهكوا سيادة ترابنا الوطني. وأشار إلى أن القصر الرئاسي الباكستاني كان في يوم مقتل بن لادن منشغلا باستقطاب قادة حزب برويز مشرف وحركة «قومي المهاجرة». ونظم حزب الجماعة الإسلامية عشرات المسيرات في أنحاء باكستان لإدانة الفعل العسكري الأميركي عقب صلاة الجمعة. ولم يظهر قادة الحزب التأييد لبن لادن، لكن بعض الأتباع حملوا صور زعيم «القاعدة» ورددوا شعارات تشيد به. وزادت المسيرات من تأجيج المشاعر المعادية لأميركا المتصاعدة بالفعل في البلاد. ويشعر الجيش القوي في باكستان أيضا بسخونة الوضع؛ حيث تتزايد ردود الفعل الشعبية. وأوضحت بعض التقارير أن رئيس جهاز المخابرات العسكرية الجنرال إشفاق برويز كياني قد يستقيل من منصبه، إلا أن إدارة العلاقات العامة بالجيش نفت التقارير. كان قياديون آخرون في «القاعدة» قد اختاروا الاختباء في مدن، ففي 2002 اعتقل أبو زبيدة، أحد مساعدي بن لادن في فيصل آباد (وسط). وفي السنة نفسها اعتقل رمزي بن الشيبة، أحد مدبري اعتداءات 11 سبتمبر، في كراتشي (جنوب)، بينما أوقف رفيقه خالد شيخ محمد في 2003 في راولبندي، التي تضم مقر القيادة العامة للجيش الباكستاني. وفي 2005 اعتقل الرجل الثالث في قيادة «القاعدة» أبو فرج الليبي في مردان (شمال غرب) وأوقف في كويتا (جنوب) مصطفى ست مريم نصر الذي يحمل الجنسيتين السورية والإسبانية، ويعتقد أنه مؤسس خلية «القاعدة» في إسبانيا.

وجرت هذه الاعتقالات من قبل أو بالتعاون مع الاستخبارات الباكستانية، بينما كان الهجوم على أسامة بن لادن عملية أميركية حصرا، لكن مسؤولين أميركيين يقولون إن العثور على بن لادن في أبوت آباد يثير تساؤلات جدية تتعلق باحتمال وجود تواطؤ من قبل الاستخبارات الباكستانية. وتنفي باكستان هذه الاتهامات وتقول إن الإقامة في وسط مدينة تشكل أفضل مخبأ. ويرى خبراء أن هجمات الجيش على المناطق القبلية وغارات الطائرات من دون طيار جعلت مدنا مثل لاهور وكراتشي أو فيصل آباد جذابة للاختباء.

وأضاف عزيز: «إن رئيس باكستان، الذي كان عليه أن يتحدث إلى الأمة عقب حادث أبوت آباد، توجه إلى رحلة خارجية الآن، ورئيس الوزراء الذي كان عليه أن يقف مع الأمة يعود من رحلة خارجية له».

ويغادر زرداري البلاد في زيارة رسمية إلى روسيا، بينما توجه جيلاني إلى فرنسا الأسبوع الماضي عندما تكشفت عملية قتل بن لادن.