لم يخطُ خارج ذلك المجمع السكني طوال 5 سنوات الحياة السرية لابن لادن في عالم مظلم صغير

كان يشاهد نفسه مثل ممثل عجوز يحلم بالعودة إلى الأضواء

TT

عاش الإرهابي الذي تصدر قائمة المطلوبين خمس سنوات حبيسا خلف أسلاك شائكة وأسوار عالية في منزله بمدينة أبوت آباد بباكستان. ويعتقد مسؤولون أميركيون أن أسامة بن لادن كان يقضي ساعات طويلة أمام الكومبيوتر معتمدا على الرسل الذين يأتون له بمحركات الأقراص المحمولة المحملة بالمعلومات من العالم الخارجي. ويظهر بن لادن في المقاطع المصورة التي عثر عليها في المجمع السكني الذي كان يقطن به ونشرتها إدارة أوباما وهو يغطي نفسه ببطانية ويشاهد نفسه على شاشة التلفزيون مثل ممثل عجوز يحلم بالعودة. وقال مسؤول رفيع المستوى في الاستخبارات إن بن لادن يظهر في بعض المقاطع المصورة الأخرى وهو يتدرب على إلقاء كلماته أمام الكاميرا. لقد كان مهتما بهيئته حتى إنه صبغ لحيته البيضاء باللون الأسود من أجل تسجيل الشريط المصور.

وتقلصت حاشيته التي كانت يوما تضم عددا كبيرا من الحراس الشخصيين فلم يبق سوى مرسال باكستاني واحد موثوق به وشقيقه الذي كان يتولى مهمة شراء الماعز والأغنام والكوكاكولا في المنزل. وفي الوقت الذي تقلص فيه عالمه ليصبح غرفتين وفناء يتجول فيه، كان يحظى بن لادن بالتبجيل والاحترام من قبل زوجاته الثلاث وأطفاله ومجموعة من الأشخاص المحيطين به، الذين يدينون له بالولاء داخل المجمع السكني. لم يكن يرعى الأبقار أو الجواميس في الجهة الجنوبية من المجمع السكني مثل الآخرين، فقد كان من في المنزل يدركون جيدا كم هو مهم بالنسبة إليه تخصيص وقته لتنظيم القاعدة، الذي أسسه والذي كان نشاطه مستمرا حتى وقت موته، على حد قول مسؤولين أميركيين.

ويقول مسؤولون أميركيون إن الكثيرين لا يعرفون شيئا عن السنوات الأخيرة من حياة بن لادن الذي سقط قتيلا على أيدي القوات الخاصة الأميركية يوم الاثنين الماضي في غرفة نومه بالطابق الثالث والحياة الفريدة التي كان يعيشها في المجمع السكني. لكن ما اتضح حتى هذه اللحظة من خلال مقابلات مع مسؤولين في الاستخبارات الأميركية والباكستانية والجيش الباكستاني والأميركي وجيرانه في المدينة التي تتضمن سكانا من الطبقة المتوسطة والتي كان يختبئ بها هو صورة لرجل منعزل ربما يشعر بالسأم ويسيطر على حياة أسرته بينما يحاول التخطيط لفوضى محاولا أن يجذب الأسماع ويدون في دفاتره بخط يده كيف يقتل المزيد من الأميركيين.

وكتب عمر بن أسامة بن لادن في رسالة بالبريد الإلكتروني عام 2009: «لن يتطلع أبي إلى البقاء داخل المنزل شهرا تلو الآخر لأنه يحب الطبيعة. لكن إذا كنت في معرض الحديث عما يحتاجه للبقاء على قيد الحياة، سأقول الطعام والماء. سوف يبقى في الداخل ويشغل نفسه بأفكاره وتأملاته».

أصبحت مدينة أبوت آباد التي كانت معسكرا للبريطانيين مطلة على التلال أثناء الاحتلال ثم باتت موقع الأكاديمية العسكرية التي يلتحق بها النخبة والتي تعادل «وست بوينت»، مركز أسرة بن لادن منذ أواخر عام 2005. ويجذب المجمع السكني الذي يقع في حي جديد على أطراف المدينة عدسات الكاميرات في البلاد وتحظى روايات الجيران المذهولين بانتشار واسع. بن لادن، الرجل الطويل الذي كان يراقبه رجال وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وهو يتجول في فناء المنزل من موقع قريب، لم يخطُ خارج ذلك المجمع السكني أبدا. وكان الجيران يعلمون أن الأسرة التي تقطن المجمع هي أسرة أرشد وطارق خان وهما رسول بن لادن وشقيقه، وكان يشتهر الرسول باسم أحمد الكويتي.

بدا الأخوان خان بشوشين، لكنهما كانا منغلقين على أنفسهما خلف الأسوار الخراسانية التي يبلغ ارتفاعها 12 قدما والأسلاك الشائكة، على حد قول الجيران. فهما لم يدعوا أي شخص لزيارتهما أو يزورا أي جار لهما رغم قيامهما بالصلاة في المسجد وحضورهما الجنازات التي تقام في الحي. كانت زوجتاهما تغادران المجمع السكني مع زوجيهما فقط في سيارة متشحتين بنقاب أسود يخفي هيئتيهن. ونادرا ما كان الأطفال يلعبون خارج المنزل. وعندما كان أولاد الحي يلعبون بالكرة وتطير إلى داخل المجمع السكني، كان الأخوان خان يعطيانهم 50 روبية، أي أقل من دولار، لشراء واحدة جديدة بدلا من السماح لهم بالدخول لإحضارها.

قال أحد الجيران، وهو مهندس اسمه المستعار ظهير: «لقد كنا نعتقد أنهم قتلوا شخصا في قريتهم، أو فعلوا شيئا من هذا القبيل، وهذا هو سبب حرصهم الشديد».

* خدمة «نيويورك تايمز»