مصر تفرض التأشيرة على الليبيين.. وتعيد المئات إلى وطنهم

المجلس الانتقالي الليبي يبدأ اتصالات لحث القاهرة على التراجع عن قرارها المفاجئ

شرطي ليبي يجادل مواطنين تجمعوا أمام إحدى محطات الوقود في طرابلس أمس (أ.ب)
TT

بدأت سلطات جوازات مطار القاهرة الدولي في تطبيق قرار منع دخول الليبيين إلى مصر دون تأشيرة مسبقة، وذلك بعد أن لجأ إلى مصر أكثر من 100 ألف ليبي منذ تفجر أحداث ثورة 17 فبراير (شباط) الماضي.

وقال مصدر أمنى بمطار القاهرة إن هذا القرار بدأ تنفيذه الليلة قبل الماضية على طائرة تونسية كانت تقل نحو سبعين ليبيا وتم فحص كل حالة على حدة وطلب من عدد محدود الحصول على تأشيرة مسبقة.

وأوضح المصدر أن أي مواطن ليبي يريد دخول مصر لا بد وأن يحصل على تأشيرة مسبقة من السفارة المصرية بطرابلس.

وفي أول تطبيق للقرار، قالت جوازات مطار القاهرة أمس، إنها ضبطت راكبا ليبيا حاول دخول البلاد بوثيقة سفر مصرية وسط المصريين العائدين من ليبيا، مدعيا أنه مصري، بعد وصوله مع مصريين قدموا على متن طائرة من مطار جربة بتونس هربا من الحرب الدائرة في ليبيا.

وفي السلوم، صرح مصدر أمني بأن الأجهزة الأمنية بميناء السلوم البري (على الحدود مع المنطقة الشرقية لليبيا) بدأت في منع الليبيين الذين يريدون الدخول لمصر عبر اجتياز المنفذ دون الحصول على تأشيرة من سفارة مصر في طرابلس، التي يسيطر عليها القذافي أو من القنصلية المصرية في بنغازي التي يسيطر عليها الثوار المناوئون له. وأضاف المصدر أن أكثر من ثلاثة آلاف ليبي لم يتمكنوا من عبور منفذ السلوم، وعادوا أدراجهم إلى ليبيا، قائلا إن القرار المصري يهدف إلى ضبط حركة السفر بين البلدين.

ووفقا للمصدر نفسه، لجأت السلطات المصرية لهذا القرار بعد وقوع حوادث في المدن التي يتركز فيها وجود الليبيين النازحين من بلادهم، في القاهرة والإسكندرية ومرسى مطروح التي شكا فيها المواطنون المصريون من المشكلات التي أصبح يتسبب فيها الوجود غير المقنن لليبيين، مما دفع السلطات هناك إلى التدخل عدة مرات لفض اشتباكات بين مصريين وليبيين. وأشار المصدر إلى أن المشكلة تكمن في عدم وجود مناطق مخصصة للنازحين الليبيين، الذين تتشكل غالبيتهم من صبية من فئة عمرية تتراوح بين 15 و18 سنة.

وقال المصدر ذاته إن سلطات منفذ السلوم تمكنت من إحباط محاولة تهريب 245 ألف دينار ليبي بحوزة أحد الليبيين النازحين من ليبيا إلى مصر عبر المنفذ، قائلة إن مدير مصلحة أمن الموانئ اللواء عاطف أبو شادي، كان قد تلقى بلاغا من شرطة ميناء منفذ السلوم البري بضبط رجل ليبي الجنسية من أبناء مدينة البيضا، أثناء نزوحه من ليبيا وبحوزته 245 ألفا و480 دينارا ليبيا (نحو 150 ألف دولار)»، كان يخفيها بمخازن سرية داخل أبواب السيارة الخاصة به.

وقال إن العميد طارق منتصر والمقدم أيمن بكري تمكنا من ضبط المتهم وبحوزته الأموال المهربة وتم التحفظ عليها، وإحالته إلى نيابة مطروح العسكرية لمباشرة التحقيق في الواقعة.

إلى ذلك، علمت «الشرق الأوسط» أن مسؤولين في المجلس الانتقالي الليبي المناهض للعقيد القذافي بدأوا سلسلة اتصالات غير معلنة مع السلطات المصرية لحثها على التراجع عن قرارها المفاجئ بشأن منع دخول الليبيين إلى الأراضي المصرية دون تأشيرة مسبقة.

وقال مسؤول مصري على صلة بالمجلس العسكري الذي يتولى تسيير الشؤون اليومية للدولة المصرية منذ خلع الرئيس السابق حسني مبارك، إن هذا القرار يأتي على خلفية أمنية لكنه رفض الإفصاح عن المزيد من التفاصيل. وكشف النقاب عن أن الخارجية المصرية ستصدر خلال الساعات القليلة المقبلة توضيحا لهذا القرار الذي قال إنه لم يصدر مطلقا من وزارة الخارجية المصرية التي فوجئت به تماما.

وعبَّر عبد المنعم الهوني ممثل المجلس لدى السلطات المصرية والجامعة العربية عن أسفه لهذا القرار المفاجئ الذي اتخذته السلطات المصرية دون التشاور المسبق مع المجلس الانتقالي.

وقال الهوني لـ«الشرق الأوسط»: «بكل أسف تلقينا هذا القرار الصادم لكل الليبيين، هذا سيؤثر سلبا على آلاف الليبيين الذين يلجأون لمصر هربا من جحيم القذافي كما يمنع وصول الجرحى والمصابين في العمليات العسكرية بين الثوار وقوات القذافي من الدخول إلى مصر».

وأضاف: «هذه مأساة إنسانية جديدة. لم نكن في حاجة إليها. لذا نناشد الإخوة المصريين أن يعيدوا النظر في هذا القرار في أسرع وقت ممكن»، مشيرا إلى أن الثوار ينظرون إلى مصر باعتبارها الشقيقة الكبرى التي تتفهم الظروف الأليمة والعصيبة التي تمر بها ليبيا حاليا، مشيرا إلى أن الاتصالات التي أجراها أمس مع مسؤولين في الحكومة ووزارة الخارجية المصرية للاستفسار عن مغزى توقيت هذا القرار كانت تشدد على ضرورة الإبقاء على علاقات حسن الجوار بين البلدين الشقيقين.

وتابع: «لمصر شعبا وحكومة أيادي بيضاء على الثورة ضد القذافي لكن هذا القرار سيصعب الأمور على آلاف الليبيين، لذا نناشدهم أن يعيدوا النظر فيه، وأن يتخذوا من الإجراءات ما يسهل تدفق الليبيين على بلدهم الثاني مصر».

وقال: «نؤمن بحق السلطات المصرية في اتخاذ ما تراه في إطار ممارستها لسيادتها على أراضيها»، مشيرا إلى أن القرار قد تكون له دوافع أمنية غير مرئية.

وأوضح الهوني أن نظام القذافي ما زال يسعى لمطاردة المعارضة الليبية المقيمة في مصر، وأنه بين الحين والآخر يقوم بإرسال عناصر من حركة اللجان الثورية والمخابرات الليبية لاغتيال هؤلاء المعارضين.

وتابع: «نتخوف طبعا من إمكانية إقدام القذافي على استغلال الظروف التي تمر بها الدولة المصرية لارتكاب أعمال أولا ضد الأمن القومي المصري، وثانيا ضد المعارضين المناوئين له».

ولفت الهوني إلى أن المجلس الوطني الانتقالي رصد توافد عناصر وصفها بـ«المشبوهة وتابعة لنظام القذافي» في الآونة الأخيرة على مصر تمهيدا على ما يبدو لتنفيذ عمليات اغتيال وتصفية جسدية ضد المعارضين الذين اتخذوا مصر ملاذا آمنا لهم هربا من جحيم القذافي، على حد تعبيره.

ومن جانبه، صرح السفير محمد عبد الحكم، مساعد وزير الخارجية للشؤون القنصلية والمصريين بالخارج والهجرة واللاجئين، بأن الجهود المصرية الخاصة بإعادة ونقل المواطنين المصريين الموجودين في ليبيا والراغبين في العودة إلى أرض الوطن تتواصل؛ حيث وصل أمس 318 مواطنا مصريا بالطريق البري إلى مصر من خلال منفذ السلوم.

وقال السفير عبد الحكم في تصريح له أمس إن توافد المواطنين المصريين القادمين من ليبيا تواصل عبر الطريق البري إلى منطقة الحدود الليبية - التونسية، وأن 90 منهم وصلوا إلى منطقة رأس جدير التونسية، تمهيدا لتسفيرهم ونقلهم إلى مصر بواسطة إحدى رحلات الطيران، مضيفا أيضا أن توافد الليبيين إلى مصر استمر عبر الطريق البري من خلال منفذ السلوم، حيث وصل أمس نحو 1622 ليبيا، ليرتفع بذلك عدد الليبيين الذين وصلوا إلى مصر منذ بداية الأحداث الأخيرة في ليبيا وحتى أمس إلى 102828 ليبيا.

وعلى صعيد متصل، دعا المشاركون في الاجتماع الثاني للمؤسسات المعنية بالمساعدات الإنسانية إلى ليبيا، الذي ينظمه المنتدى الإنساني الدولي بالتعاون مع الجامعة العربية، إلى إنشاء صندوق للتضامن مع الشعب الليبي في مواجهة أزمته الحالية، والعمل على تنسيق إرسال المساعدات من قبل المنظمات المعنية، مؤكدين على ضرورة أن تتوجه القافلة التي ستتمخض عن الاجتماع من جهة تونس لتصل إلى المنكوبين في المناطق الغربية لليبيا لأنها الأكثر معاناة.

وطالب الدكتور عبد العزيز حجازي، رئيس الاتحاد العام لمؤسسات المجتمع المدني في مصر، خلال افتتاح الاجتماع بمقر الجامعة العربية أمس، بإنشاء صندوق لمواجهة متطلبات الشعب الليبي جراء الأزمة الحالية في البلاد، فيما طالبت كافة منظمات المجتمع المدني المحلي والإقليمي والدولي بتنسيق جهودها في هذا الشأن.

وقال حجازي: «لقد سبق أن طالبت بإنشاء صندوق وطني لمواجهة متطلبات الذين تأثروا بالثورة في مصر، والآن أطالب بإنشاء صندوق لمواجهة متطلبات الشعب الليبي حاليا، وتأجيل باقي متطلبات باقي الشعوب العربية التي أثق أنها سوف تأتي لاحقا».

ومن جانبها، اقترحت السفيرة سيما بحوث، الأمين العام المساعد للشؤون الاجتماعية في جامعة الدول العربية، أن تدخل القافلة التي ستتمخض عن الاجتماع الثاني للمؤسسات المعنية بالمساعدات الإنسانية إلى ليبيا من الناحية التونسية لمواجهة الأزمات في مصراتة والمناطق الغربية التي يوجد فيها معارك، قائلة: «لا توجد معلومات دقيقة حول وضع الشعب الليبي في المنطقة الغربية».