ليبيا: نظام القذافي يلوح بدستور جديد وإصلاحات جذرية

الثوار اعتبروا ذلك محاولة لإطالة عمر نظامه السياسي

TT

كشفت مصادر ليبية رفيعة المستوى عن اعتزام السلطات الليبية الموالية لنظام حكم العقيد معمر القذافي اعتماد دستور جديد للبلاد يقلص صلاحيات القذافي، في خطوة تأمل طرابلس أن تؤدى إلى إقناع الثوار المناوئين للقذافي بالتفاوض لحل الأزمة السياسية والعسكرية المحتدمة في ليبيا منذ السابع عشر من شهر فبراير (شباط) الماضي.

وقالت المصادر، التي طلبت عدم تعريفها في اتصال هاتفي من العاصمة الليبية، إن مؤتمر الشعب العام (البرلمان) سيجتمع في وقت رفض تحديده لإقرار هذا الدستور، مشيرة إلى أن الدستور يستجيب للمطالب الشعبية بإجراء إصلاحات جذرية وشاملة على النظام الجماهيري الذي يحكم به القذافي البلاد منذ عام 1977.

وأوضحت المصادر أن هذه الخطوة تستهدف إقناع المجتمع الدولي بأن القذافي على استعداد للتجاوب مع بعض المطالب الشعبية، لكنها اعتبرت في المقابل أن وضع القذافي لن يمس في أي تغييرات محتملة.

على النقيض، رأت مصادر في المجلس الانتقالي الوطني المناهض للقذافي في هذه الخطوة مجرد محاولة لإطالة عمر النظام الذي قالت إنه يتهاوى وفقد شرعيته الشعبية والدستورية.

واعتبرت المصادر التي تحدثت هاتفيا لـ«الشرق الأوسط» من معقل الثوار في مدينة بنغازي أن الحل الوحيد للأزمة الليبية هو رحيل القذافي وأسرته عن الحكم نهائيا، مشيرة إلى أن القذافي بات غير مرغوب فيه سواء من الشعب الليبي أو المجتمع الدولي.

لكن مسؤولا في الحكومة الليبية قال في المقابل لـ«الشرق الأوسط» من طرابلس: «نحن لا نسعى لإرضاء المعارضة عبر هذه الإصلاحات، نحن نستجيب لمطالب شعبنا، أو على الأقل جزء منها، القائد (القذافي) بات مقتنعا بضرورة إجراء هذه التغييرات».

بيد أن المسؤول نفسه قال إن «القذافي سيبقى زعيما للبلاد»، من دون أن يحدد وضعه في الدستور الجديد الذي سبق أن وضعته لجنة صياغة شارك فيها خبراء محليون ودوليون تحت إشراف المهندس سيف الإسلام، النجل الثاني للعقيد القذافي قبل نحو أربع سنوات.

وقال وزير في الحكومة الليبية لـ«الشرق الأوسط»: «نعتقد أن المبادرة التي طرحها الاتحاد الأفريقي جديرة بالتطبيق، إذا كان حلف الناتو ومن معه جاد في تحقيق السلام عليه أن يوقف فورا الغارات الجوية والصاروخية على ليبيا، وأن نجلس جميعا إلى طاولة المفاوضات». وأضاف الوزير، الذي طلب عدم تعريفه: «هذا هو الحل. ليس هناك شيئا آخر. عليهم أن يفكروا جيدا. هذا النظام لن يسقط بين ليلة وضحاها، صمدنا على مدى عدة أسابيع وسنصمد لسنوات إن لزم الأمر».

واعترف دبلوماسي أفريقي مقرب من نظام القذافي بأن مبادرة السلام الأفريقية التي تتضمن خارطة طريق ليست مقنعة للثوار أو للمجتمع الدولي الذي قال إنه يبدو أنه اتفق مؤخرا على ضرورة رحيل القذافي.

وأضاف الدبلوماسي الذي تحدث هاتفيا من مقر الاتحاد الأفريقي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا: «يجب تطوير هذه المبادرة لتستجيب لكل المطالب من طرفي الأزمة. هناك معارك عسكرية تفرض نتائجها على الواقع، هذا ما يجب النظر إليه باهتمام».

واستغل رئيس الحكومة الليبية، البغدادي المحمودي، مؤتمرا صحافيا عقده في طرابلس أول من أمس ليعدد ما وصفه بالإنجازات الحقيقية للقذافي، وقال: «أمام كل هذه المعطيات، علينا أن نترك الشعب الليبي يقرر مصيره وهو يعرف طريقه بنفسه ولا أحد وصى عليه».

وفي حين يقول نظام القذافي إن إطالة أمد الصراع تصب في صالحه، وستؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار التحالف الدولي المؤيد لمطالب الثوار بتنحيه عن السلطة، قال مسؤول بالمجلس الانتقالي الوطني لـ«الشرق الأوسط» إن مراهنة القذافي على عنصر الوقت ستبوء بالفشل.

وعبر اللواء عبد الفتاح يونس، رئيس الأركان العامة لجيش تحرير ليبيا، الممثل للثوار عن هذا الاتجاه، عندما قال مساء أول من أمس: «بالعكس نعتقد أن الوقت في صالحنا». وأضاف يونس في تصريحات تلفزيونية له من بنغازي: «في كل يوم تزداد قواتنا ويرتفع عدد المتخرجين من معسكرات التدريب، وبالتالي تزيد فرصنا في إنشاء جيش حقيقي». وكشف يونس النقاب عن ما وصفه بانهيار كامل في معنويات الجيش الموالي للقذافي، وقال: «المعنويات منهارة وتشتكي قوات القذافي من نقص الوقود والسلاح». واعتبر أن هذا كان واضحا في المحاولة الفاشلة لقوات القذافي لغزو بنغازي، وأضاف: «فور هزيمتهم خلعوا ملابسهم العسكرية لنكتشف أن تحتها ملابس مدنية». واعتبر أن ما تشهده الجبهة الشرقية في الوقت الحالي ليس جمودا عسكريا، موضحا أن النظام يكدس في مدينة البريقة قوات كبيرة جدا لاستغلال مصفاة النفط الموجودة هناك. وقال: «رغم قلة الوقود الذي تنتجه، نحو عشرة آلاف لتر من البنزين فقط يوميا، لكن القذافي بحاجة لهذه الكمية القليلة». وأضاف: «لهذه الأسباب القذافي يتمسك بمدينة البريقة بشدة، لكننا نمنعهم من التقدم باتجاه الشرق»، مؤكدا أن تخليص البريقة ورأس لانوف من قبضة قوات القذافي قادم في يوم ليس ببعيد.

وكشف يونس النقاب عن وجود مخطط مبرمج من العقيد القذافي لتوريط الجيش التونسي في الصراع الراهن في ليبيا. وقال يونس: «هناك لعبة تحاك. كتائب القذافي تقصف المعبر الحدودي مع تونس حتى ترد قواتها العسكرية».

وعندما سئل: هل هناك محاولة لتوريط الجيش التونسي في الأزمة الليبية؟ قال رئيس الأركان العامة لجيش الثوار: «بالتأكيد، وأرجو من الإخوة التوانسة أن يفطنوا لهذه المكيدة».

ورأى يونس أن قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) ارتكبت خطأ بترك نظام القذافي يقصف بطائرات مروحية مدينة مصراتة على مدى اليومين الماضيين. ونفى اللواء يونس ما تردد عن حصول الثوار على سلاح من إيطاليا، وقال: «نأسف على تعبير خان أحدهم»، في إشارة إلى تصريحات أدلى بها في وقت سابق الناطق الرسمي باسم المجلس الوطني الانتقالي حول أن الثوار حصلوا على أسلحة من إيطاليا، التي سارعت أيضا إلى نفي هذا الخبر.

وقال إن «الثوار طالبوا المجتمع الدولي بتسليحهم، لكنهم لم يحصلوا على أسلحة بعد، لأن مجلس الأمن فرض حظرا على توريد السلاح شمل طرفي النزاع في ليبيا».