الجيش السوري يقتحم أحياء في حمص وطفس.. ويواصل حملته في بانياس

توجيه اتهامات للمعارض السوري رياض سيف.. ومعارض: سوريا تعلمت من إيران كيف تقمع حركة الاحتجاج

آثار الدمار في مركز البث الإذاعي والتلفزيوني في مدينة حماة السورية بعد تعرضه لهجوم من عناصر مسلحة أمس (إ .ب. أ)
TT

بدت السلطات السورية أمس أكثر تصميما على إسكات الاحتجاجات غير المسبوقة ضد نظام الرئيس بشار الأسد بالقوة، بأمرها الجيش بدخول حمص (وسط) وعدد من البلدات الأخرى، بينها بلدة طفس قرب درعا في منطقة سهول حوران بجنوب غربي البلاد، واستمرار حملتها العسكرية في بانياس (شمال غرب)، في حملة تهدف إلى القضاء على انتفاضة اندلعت في أنحاء البلاد ضد حكم حزب البعث. واعتقلت قوات الأمن أكثر من 200 في بانياس بينهم طفل في العاشرة من عمره، حسب ما قال نشطاء.

لكن تطورات الأحداث في حمص أخذت منحى خطيرا أمس، بسقوط نحو 29 قتيلا على الأقل. ودخل العسكريون الذين كانوا تمركزوا منذ الجمعة مع دباباتهم في وسط حمص، مساء السبت وفجر الأحد، إلى عدد من الأحياء التي تشهد احتجاجات مثل باب السباع وبابا عمرو بعد قطع الكهرباء والاتصالات الهاتفية بحسب ناشط. وأعلن الناشط أن نيران رشاشات ثقيلة سمعت في هذين الحيين. وبحسب شريط فيديو نشر على موقع «يوتيوب»، تظهر شاحنات مكتظة بعسكريين متوجهين إلى باب السباع ليلا.

وقالت مصادر محلية في حمص إنه تم قطع الاتصالات والكهرباء عن المدينة، وقد شهدت المدينة إطلاق نار كثيفا بدأ من الساعة الثانية عشرة ليلا وحتى السادسة صباحا، في عدة أحياء، منها البياضة، والخالدية، وباب عمر، وباب دريب، وباب السباع. وقالت المصادر إن الرصاص كان يطلقه رجال أمن والجيش ودون أهداف معينة، وإنما غلب عليه طابع «ترويع السكان».

وحسب مصادر شبه رسمية، فإن عددا كبيرا من العسكريين والضباط من الجيش والشرطة لقوا حتفهم إثر تعرض حافلة تقلهم لكمين «جماعة مسلحة» بعد ظهر أمس عند منطقة باب عمرو «أدى إلى مقتل 13 ضابطا على الأقل»، كما تعرضت حافلة أخرى قادمة من لبنان (حسب المصادر نفسها) تقل «عمالا سوريين لكمين مسلح أسفر عن مقتل 10 منهم على الأقل وإصابة 7 آخرين بجروح، وتم إسعافهم ونقلهم إلى المستشفى العسكري من قبل الجيش الذي تدخل واشتبك مع المسلحين». كما قتل فجر أمس ضابط في الجيش برتبة عقيد و4 عناصر من الشرطة أثناء اشتباك في حمص.

وفي بانياس، اعتقلت قوات الأمن أكثر من 200 بينهم صبي في الثانية عشرة من عمره، حسبما قال نشطاء. وقال رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان لوكالة «أسوشييتد برس»، إن أكثر من 200 شخص تم اعتقالهم بين مساء أول من أمس، وفجر أمس. وقال عبد الرحمن إن «قوات الأمن ربما تريد معاقبة والدي الصبي المعتقل، مشيرا إلى أن المياه والكهرباء قد تم قطعها وجميع أشكال الاتصالات في المدينة. شهدت بعض أحياء بانياس إطلاق نار كثيفا». وأضاف أن «المدينة معزولة عن العالم الخارجي وفي الأحياء الجنوبية من المدينة، مركز حركة الاحتجاج، هناك قناصة متمركزون على الأسطح». وحدثت عمليات تفتيش وتوقيف لجرحى كانوا في مستشفى الجمعية في الأحياء الجنوبية. وحذر عبد الرحمن من «كارثة إنسانية في الأحياء الجنوبية» حيث يقيم، كما قال، عشرون ألف شخص. وتعداد المدينة 50 ألف نسمة.

وكانت وحدات من الجيش بدأت عملية تمشيط ومداهمة وتعقب لمطلوبين للسلطة ومداهمات للبيوت بدءا من قرى المرقب والقلعة والبيضا وعلقين وصولا إلى مدخل المدينة من جهة رأس النبع، وقد تمكنت وحدات الجيش من اعتقال وإصابة العشرات.

وفي حماه، قالت وكالة الأنباء السورية (سانا) إن مبنى المحافظة تعرض «لاعتداء» نفذته «مجموعات إرهابية متطرفة» تستقل الدراجات النارية قامت بتحطيم نقاط الحراسة أمام المحافظة وإحراقها وتكسير الأبواب الرئيسية للمبنى، الأمر الذي استدعى تدخل قوات الشرطة واعتقال عدد من عناصر هذه المجموعات، فيما لاذ الباقون بالفرار. ونقلت «سانا» عن علي الأصفر أمين سر محافظة حماة قوله إن «ورش الإصلاح والصيانة أعادت تأهيل الأبواب الخارجية ونقطتي الحراسة»، موضحا أن «الأضرار اقتصرت على الأبواب الخارجية وغرفة صغيرة للحراسة دون المساس بمكاتب المحافظة أو دواوينها».

وفي درعا، تواردت أنباء عن قيام قوات الأمن مع 8 مدرعات للجيش باقتحام بلدة طفس القريبة من مدينة درعا صباح أمس وجرى إطلاق نار بالتزامن مع قيام الأمن والجيش بعمليات تمشيط واقتحام للمنازل بحثا عن مطلوبين للسلطة. وقال سكان إن القوات السورية دخلت البلدة التي يبلغ عدد سكانها نحو 30 ألف نسمة الساعة السادسة صباحا تقريبا بالتوقيت المحلي، الثالثة صباحا بتوقيت غرينتش، أمس. وقال سكان إنهم سمعوا أصوات أعيرة نارية وإن قوات تابعة للجيش وأجهزة أمنية تقتحم منازل لاعتقال شبان. وقال شهود إن دبابات تطوق أيضا بلدة داعل قرب الطريق السريع الرئيسي المؤدي إلى الأردن في الوقت الذي كثف فيه الجيش من وجوده في أنحاء منطقة حوران بعد انسحاب جزئي من درعا وإعادة فتح بلدات ريفية مجاورة.

من جهة أخرى، اتهم القضاء السوري أمس رياض سيف، أحد وجوه المعارضة السورية البارزين الذي يعاني من مرض السرطان، بأنه خالف قرار منع التظاهر، بحسب المحامي خليل معتوق. وقال معتوق رئيس المركز السوري للدفاع عن معتقلي الرأي إنه «تمت إحالة رياض سيف إلى القضاء بتهمة التظاهر». وأعلن المحامي أن سيف قال للقاضي إنه «تعرض للضرب على الرأس من قبل عناصر أمنية» قبل اعتقاله يوم الجمعة إثر الصلاة على مقربة من مسجد الحسن في حي الميدان وسط دمشق، و«أبرز للقاضي قميصيه الداخلي والخارجي مبللين بالدماء»، كما قال. وأضاف المحامي أنه «أحيل إلى الطبابة الشرعية للوقوف على حالته الصحية». ورياض سيف (65 عاما) ينتمي إلى مجموعة من 12 معارضا وقعوا على «إعلان دمشق» الذي يدعو إلى تغيير ديمقراطي في سوريا. وقد حكمت عليهم جميعا في أكتوبر (تشرين الأول) 2008 محكمة الجنايات الأولى في دمشق بالسجن سنتين ونصف السنة بتهمة «نقل أنباء كاذبة من شأنها أن توهن نفسية الأمة». وأفرجت عنه السلطات في يوليو (تموز) 2010 بعدما أنهى فترة عقوبته في السجن. والمعارضون الـ12 هم الكاتب علي العبد الله، والطبيب وليد البني، والنائب السابق رياض سيف، ورئيسة المجلس الوطني للتجمع فداء حوراني، وأحمد طعمة، وجبر الشوفي، وياسر العيتي، ومحمد حجي درويش، ومروان العش، وفايز سارة، وطلال أبو دان، وأمين عام المجلس الوطني للتجمع الكاتب أكرم البني. وفي 2005 وقعت أحزاب معارضة علمانية وجماعة الإخوان المسلمين في لندن وثيقة تأسيسية عرفت باسم «إعلان دمشق». وفي آخر 2007 أنشئ في سوريا «إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي». إلا أن السلطات السورية أوقفت معظم أعضائه بعد انعقاد مؤتمره الأول.

إلى ذلك، أكد معارض سوري في مقابلة مع وكالة الأنباء النمساوية نشرت أمس أن سوريا تعلمت من إيران كيف تقمع حركة احتجاج عبر اللجوء إلى التعذيب. وأوضح رامي نخلة: «أولا قتل أناس بصورة عشوائية لنشر الخوف. ثم أدركت (قوات الأمن السورية) أنها إذا قتلت شخصا، فإن عشرة على الأقل من أصدقائه أو أقربائه سينزلون إلى الشوارع وسيكونون على استعداد للموت من أجل هذا الشخص».

وأضاف الناشط البالغ من العمر 28 عاما في هذه المقابلة الهاتفية التي نشرت بالألمانية: «لكن إذا اعتقلتم وعذبتهم شخصا، فإن عشرة على الأقل من أصدقائه سيخافون. وهذا ما عمدت إليه (قوات الأمن) في الأسبوعين الأخيرين». وأضاف أن «هذه الوسيلة نقلت عن إيران.. فهكذا قمعت حركة الاحتجاج في إيران في 2009. هذا نتيجة التعاون بين سوريا وإيران». إلا أن رامي نخلة أعرب عن تفاؤله بالنسبة إلى مسار «الثورة السورية» التي اندلعت في 15 مارس (آذار) ضد نظام الرئيس بشار الأسد الذي وصل إلى السلطة في عام 2000. وقال أيضا إن «استخدام العنف، خصوصا قتل وتعذيب المحتجين.. لا يؤدي إلا إلى جعل الناس أكثر غضبا، ويعطيهم الرغبة في قلب النظام». وأضاف نخلة: «لا يمكن للمجتمع الدولي أن يبقى صامتا لفترة أطول. ينبغي أن يقوم بأمر ما».