اليمن: المعارضة تتمسك بالمبادرة الخليجية غير المعدلة.. و«شباب الثورة»: لا زحف الآن

مجور يبدأ جولة تشمل دول مجلس التعاون الخليجي ما عدا قطر

طفلة يمنية حملها أحد المتظاهرين في مظاهرة مناهضة للرئيس اليمني، علي عبد الله صالح، في صنعاء، أمس (أ.ب)
TT

اتخذت الأوضاع في اليمن منحى جديدا أمس، بعد أن دخلت في ضبابية بسبب مراوحة المبادرة الخليجية لمكانها وإعلان أحزاب المعارضة اليمنية تمسكها بالمبادرة السابقة قبل الإعلان عن تعديل في المبادرة الجديدة، إثر رفض الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بصفته الرئاسية مباشرة مقابلة ممثل عن المعارضة، هذا في وقت تتواصل المظاهرات والاعتصامات المطالبة صالح بالتنحي عن الحكم بصورة فورية.

وأدانت أحزاب المعارضة في تكتل اللقاء المشترك وشركاؤها ما وصفته بـ«المناورات والمراوغات التي لجأ إليها بشأن التوقيع على الاتفاقية المقدمة من الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي لحل المشكلة اليمنية الراهنة»، وفي الوقت الذي أعربت المعارضة عن تقديرها البالغ للجهود التي بذلها ويبذلها «الأشقاء من جهود خيرة ومساع حميدة»، فإنها قالت إنها تتوقع منهم أن يتخذوا موقفا عمليا «تجاه تلك المناورات والمراوغات»، وقال بيان صادر عن أحزاب «المشترك»وشركائها إنهم تحملوا «مسؤوليتهم في استمرار العملية السياسية في التعاطي الإيجابي مع المبادرات التي تحدثت عن انتقال سلمي للسلطة، وقبلنا التعديلات تلو التعديلات، والتي كانت تأتي كل مرة كاستجابة من الأشقاء لرغبات طرف واحد، وهو الرئيس صالح، على الرغم مما نواجهه من مشكلات حقيقية مع الشباب والشعب في ساحات الاعتصام»، وأضاف: «إن مسؤوليتنا الوطنية في هذه اللحظة الراهنة تدفعنا إلى أن نعلن بوضوح تمسكنا بالاتفاق المسلم إلينا من معالي الأخ: د. عبد اللطيف الزياني، الأمين العام لمجلس التعاون، في يوم الخميس 21 أبريل (نيسان) المنصرم، وتمسكنا بتأكيدات الأشقاء بأنهم لن يقبلوا بتغيير أو تبديل حرف واحد في الاتفاق».

واعتبرت المعارضة تمسكها بالاتفاق، خلال الفترة الماضية «رغم كل المرارات» وتجديد تمسكها بها، إنما هو «تعبير عن جديتنا ومصداقيتنا في التعامل الإيجابي معه، وسنرقب جدية الطرف الآخر خلال اليومين القادمين»، كما اعتبرت «أي تأجيل أو مماطلة إضافية من قبل النظام في توقيع هذا الاتفاق كما هو، لن يكون لصالح العملية السياسية، وسيضع النظام أو ما تبقى منه وجها لوجه أمام خيارات الشعب، التي سوف نساندها وندعو كل الأشقاء والأصدقاء لمساندتها»، ودعا «المشترك» وشركاؤه «الدول الشقيقة والصديقة» إلى «الكف عن الاستقبال الرسمي لما تبقى من أجزاء هذا النظام الدموي، وعدم تقديم أي دعم مادي أو معنوي له لأنه سيستخدمها في قمع الشعب وسفك المزيد من دماء اليمنيين»، وأكدت بأن «ثورة الشعب سوف تنتصر وتعيد بناء اليمن الجديد بإقامة الدولة المدنية الديمقراطية على قاعدة المواطنة المتساوية والشراكة الوطنية في السلطة والثروة بين كل أبناء اليمن».

وتطرق بيان المعارضة إلى الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في اليمن التي قال إنها «تتدهور بصورة خطيرة في وقت لم يعد النظام أو ما تبقى منه قادرا على حل أي مشكلة من المشكلات بعد أن أصبح بقاؤه هو المشكلة وفقد شرعيته بمواصلة سفك دماء المواطنين وقمع المعتصمين وشن الغارات الجوية العسكرية على بعض القرى الآمنة في البلاد»، كما اتهمته بـ«التصرف العابث بمقدرات وموارد البلاد للإنفاق على مناصريه، متخليا عن واجباته في توفير متطلبات الشعب من الخدمات الاجتماعية والمعيشية، حيث بات يمارس العقاب الجماعي ضد الشعب في ما نشهده من تردٍّ في هذه الخدمات وما تشهده البلاد من نقص وانعدام كامل للغاز والبنزين والديزل... إلخ».

وما زالت المساعي الخليجية لحل الأزمة في اليمن تراوح مكانها بعد أن تعثر توقيع اتفاق المبادرة، وقد سربت نسخة جديدة ومعدلة من المبادرة تضمن إضافة 30 اسما بالتساوي بين السلطة والمعارضة وحلفائهما وشركائهما، وفيها يرد اسم الرئيس صالح مرتين من أجل التوقيع، الأولى باسمه وصفته الحزبية كرئيس لحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، والثانية كرئيس للجمهورية، لكن الموقف الرسمي لم يتضح بصورة جلية، حتى اللحظة، من هذه النسخة المعدلة التي يسعى من خلالها الخليجيون، كما يبدو، إلى إزالة العوائق والأعذار من أجل الوصول إلى ساعة ومرحلة التوقيع الملزمة لكل الأطراف.

في هذه الأثناء نفت اللجنة التنظيمية للثورة الشبابية السلمية الأنباء التي تحدثت عن تحديد موعد للزحف على القصر الرئاسي في العاصمة صنعاء، والتي انتشرت في أوساط الائتلافات والكيانات داخل ساحة التغيير بصنعاء، وأرجعت مصادر سياسية انتشار هذه الأنباء إلى ما كانت اللجنة أعلنته، أول من أمس، من أن المراحل الأخيرة لإسقاط نظام الرئيس علي عبد الله صالح دشنت، وهي التي فسرت على أنها مرحلة الزحف لإرغام الرئيس صالح على التنحي، رغم ما يكتنف هذه الخطوة من مخاطر.

إلى ذلك، بدأ رئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال اليمنية، الدكتور علي محمد مجور، جولة خليجية تشمل دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء دولة قطر، وهي إشارة إلى التوتر الحاصل في العلاقات اليمنية - القطرية منذ إعلان الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني عن أن المبادرة الخليجية تقضي بتنحي الرئيس علي عبد الله صالح، وما تلاه من تصعيد من الجانب اليمني في إطار ردود الفعل الرسمية اليمنية، التي كان ضمنها اشتراط الرئيس اليمني عدم مشاركة قطر في مراسم توقيع اتفاق المبادرة الخليجية.

وقالت مصادر رسمية إن مجور سيسلم، خلال الجولة، رسائل من الرئيس صالح إلى «إخوانه أصحاب الجلالة والسمو قادة هذه الدول، تتعلق بالعلاقات الثنائية بين اليمن وبلد كل منهم، وتطورات الأوضاع على الساحة الوطنية، والجهود المبذولة لتجاوز الأزمة السياسية الراهنة»، مؤكدا أن «الرسائل تتضمن تجديد التأكيد على حرص اليمن وقيادته السياسية على إنجاح المبادرة الخليجية لحل الأزمة السياسية التي يمر بها اليمن، وتغليب مصلحة الوطن ووضعه فوق كل اعتبار».

وقبيل مغادرته صنعاء قال رئيس حكومة تصريف الأعمال إن المبادرة الخليجية تعد «فرصة سانحة لجميع الأطراف السياسية للخروج من الأزمة الراهنة»، وثمن «الحرص الذي يوليه الأشقاء في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لحل هذه الأزمة، انطلاقا من حرصهم على أمن واستقرار ووحدة وسلامة اليمن باعتبار ذلك عاملا أساسيا وهاما لأمن واستقرار المنطقة». وقال مجور في تصريحات صحفية إن «الأخطار التي تحدق باليمن تتمثل في الحوثيين و(القاعدة) وانفصال الجنوب»، مؤكدا أن «اليمن لن يتساهل في هذه القضايا، وسيتعامل معها بجدية وحزم، ولن يسمح لأي قوى كانت بزعزعة استقرار البلاد». وأوضح أن «خطر (القاعدة) في اليمن بعد مقتل بن لادن قد انحسر، وأن السلطات اليمنية لن تسمح لـ(القاعدة) بزعزعة الاستقرار في بلاده». ولفت إلى أهمية المبادرة الخليجية التي يدركون نبل مقاصدها، وما تمثله من فرصة تاريخية لجميع الأطراف في حلحلة الأزمة السياسية وإرساء السلام والأمن والاستقرار في اليمن والمنطقة. وجدد مجور دعوته «أحزاب لقاء المشترك المعارض لإظهار موقف وطني مسؤول إزاء ما تقتضيه الظروف الحرجة التي يمر بها اليمن، والحرص على المضامين العقلانية التي تتضمنها المبادرة الخليجية كأساس لانتقال السلطة». وقال: «نحن مع التغيير وضد الفوضى والتدمير لمؤسسات الدولة والاضطرابات عبر تأجيج مشاعر الشباب في الساحات»، مؤكدا أن «موجة الحراك التي شهدها ويشهدها الشارع العربي لا يمكن أن تكون بديلا عن الدور الذي ينبغي أن تنهض به النخبة السياسية، وعن دورها ومسؤوليتها إزاء متطلبات الانتقال السلمي للسلطة».

على الصعيد الميداني، قُتل شخص وجرح 8 آخرون في مديرية الزيدية بمحافظة الحديدة في غرب البلاد على أيدي مسلحين يعتقد أنهم يتبعون أحد البرلمانيين في الحزب الحاكم.

وقال شهود عيان في المنطقة لـ«الشرق الأوسط» إن سوء الأوضاع المعيشية وانعدام المشتقات النفطية المطلوبة للحياة اليومية وكذا مياه الشرب، دعت المواطنين في تلك المنطقة إلى الخروج والتظاهر ورفع شعارات مناوئة للنظام، الأمر الذي رد عليه أنصار الحزب الحاكم بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، وفي مدينة تعز جرح عدد من الأشخاص برصاص قوات الأمن المركزي، وذلك عند قمع مسيرة كانت متجهة صوب مكتب التربية والتعليم الذي يعتصم أمامه العشرات من المعلمين من المنتمين إلى ثورة الشباب، والذين قاموا بإغلاق مكتب التربية احتجاجا على إجراء الامتحانات بصورة يعتقد المحتجون أنها تحرم عشرات الآلاف من الطلاب من السنة الدراسية بعد أن أغلقت معظم المدارس الحكومية جراء إضراب المعلمين والمعلمات في معظم المحافظات اليمنية، وإصرار الحكومة على إتمام عملية الامتحانات رغم هذه الظروف التي تمر بها البلاد. وفي وقت لاحق من مساء أمس هاجمت قوة من الأمن المركزي والحرس الجمهوري المعتصمين أمام مكتب التربية بتعز، واستخدمت الرصاص الحي والقنابل المسيلة للدموع والغازات السامة لتفريقهم، وأسفرت عملية المداهمة عن مصرع محتجين اثنين ونحو 7 جرحى، بعضهم في حالة خطرة.