مصر: متظاهرون يحاولون اقتحام التلفزيون

آخرون قطعوا طريق كورنيش الإسكندرية * خبير: الانفلات الأمني شجع مشعلي الفتن على استغلال الوضع في حادثة إمبابة

قس يتحدث إلى المحتجين الأقباط أمام مقر الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو) في العاصمة القاهرة أمس (إ.ب.أ)
TT

لا تزال آثار الاشتباكات الطائفية الدامية التي جرت مساء السبت الماضي بمنطقة إمبابة الشعبية، تلقي بظلالها على الشارع المصري، إضافة إلى ما تبعها من اعتصامات لآلاف المسيحيين بالإسكندرية وأمام مبنى التلفزيون المصري أمس، ومحاولتهم اقتحام المبنى وتحطيمه احتجاجا على التغطية الإعلامية للأحداث وتأكيد الإعلام المصري على أن بداية الشرارة في أحداث إمبابة كانت من مواطن مسيحي. وتمكنت قوات الجيش المصري من إحباط محاولة اقتحام مبنى بمنطقة ماسبيرو، إلا أن المعتصمين قاموا برشق البوابة الرئيسية للمبنى بالحجارة، مما أدى إلى تحطمها بالكامل. وفي تلك الأثناء، وبينما تجمع مسلمون ومسيحيون بميدان التحرير ومنطقة ماسبيرو للتعبير عن الوحدة الوطنية، تجددت الاشتباكات مرة أخرى بين عدد من المسلمين والمسيحيين بالمنطقة، حيث تبادلا التراشق بالحجارة وبالزجاجات، مما أدى إلى إصابة العشرات من الجانبين. وعلى الصعيد الأمني، تمكنت الأجهزة الأمنية المصرية من إلقاء القبض على 23 شخصا؛ من بينهم المتهمان الرئيسيان المتسببان في أحداث إمبابة؛ حيث تمكنت من ضبط المدعو ياسين ثابت محمد (31 سنة، سائق) زوج الفتاة المسيحية التي أعلنت إسلامها، وكانت السبب الرئيسي في الأحداث، والمدعو عادل لبيب الذي صرح اللواء منصور العيسوي وزير الداخلية بأنه صاحب المقهى المجاور لكنيسة «مار مينا» التي بدأت بها الأحداث؛ حيث كان أول من قام بإطلاق النيران وهو ما فجر الأحداث على حد وصفه. في حين أكد الدكتور علي عبد الرحمن محافظ الجيزة أمس أنه سيتم البدء في أعمال ترميم الكنيسة المتضررة والمنشآت المجاورة لها فور انتهاء المعمل الجنائي من أعمال الفحص الخاص به، والمتوقع أن يتم خلال 10 أيام.

وتعليقا على إحالة 190 متهما في الأحداث إلى القضاء العسكري، نفى مصدر قضائي مسؤول (آثر التكتم على هويته) في تصريحات له أن تكون إحالة المتهمين إلى القضاء العسكري، عوضا عن القضاء العادي الطبيعي، توجها نحو إدانة مسبقة للمتهمين بعقوبات مغلظة بغية خلق حالة من الردع منعا لتكرار الحادث، مشددا على أن القضاء العسكري يحفل بالضمانات التي تكفل حق المتهم في الدفاع عن نفسه وتحقيق الوقائع المنسوبة إليه تحقيقا قضائيا سليما.

وشدد على أن إحالة المتهمين إلى القضاء العسكري لا تنتقص من السلطة المقررة للنيابة العامة، بوصفها جهة الادعاء العام. وأوضح المصدر أن مثول المتهمين في تلك الاشتباكات أمام القضاء العسكري إنما يأتي في ضوء فداحة الجرم المنسوب إليهم من ترويع للآمنين والاعتداء على دور العبادة والإضرار العمدي بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، مشيرا إلى أن القضاء العادي والقضاء العسكري يتكاملان في ظل الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد في الوقت الحالي من انتشار لأعمال بلطجة وعنف وتعديات على دور العبادة، وذلك لتحقيق العدالة والحفاظ على بنيان المجتمع ومؤسسات الدولة، معتبرا أن القضاء العسكري بما يصدره من أحكام رادعة يمثل حصنا حصينا للبلاد.

من جانبه، أكد وزير العدل المصري المستشار محمد عبد العزيز الجندي أنه بات من غير المقبول في ظل الظروف التي تمر بها مصر استمرار أي أعمال للتجمهر أو التظاهر من شأنها تعطيل العمل بمنشآت الدولة الحكومية أو سير وسائل النقل وشل حركة المرور بصورة متعمدة، محذرا من أن استمرار هذه المظاهرات سيقابل بقوة القانون مع عدم اللجوء إلى التفاوض بعد أن أصبح استقرار البلاد على المحك وباتت الوحدة الوطنية في خطر.

وقال وزير العدل في تصريحات له إن كل من ساهم بالتحريض على أعمال العنف الطائفية بين المسلمين والمسيحيين بمنطقة إمبابة سوف يتم تقديمه للقضاء العسكري لمحاكمته وإصدار حكم رادع بحق المذنبين في تلك الأعمال.

وفي تعليقه على الموقف، أكد الخبير الأمني اللواء سامح سيف اليزل على أن ما حدث في كنيسة إمبابة هو نتيجة للانفلات الأمني والوضع الهش للأمن حاليا في الشارع المصري، ووجود حالات من الاحتقان الطائفي، لافتا إلى أن هذا الاحتقان في مختلف قطاعات مصر والمحافظات، قد شجع من يريد أن يشعل هذه الفتنة في استغلال هذا الوضع الأمني الضعيف للقيام بأهدافه، التي قد تصل إلى نهاية غير مقبولة ولا أحد يريدها.

وقال اليزل لـ«الشرق الأوسط» إن «الحل في القضاء على الانفلات الأمني يتمثل في تجنيد المؤهلات العليا من خريجي الجامعات المصرية في جهاز الشرطة إلى جانب القوات المسلحة، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى رفع مستوى الأداء الأمني وسوف يخلق جوا جديدا في التعامل مع المواطنين بشكل جيد، وهو ما سوف يقبله المواطن العادي على اعتبار أنهم من أفراد الشرطة التي جاءت بعد ثورة (25 يناير)، بالإضافة إلى إنشاء كلية ضباط احتياط للشرطة للمجندين، وتخصيص زي مميز لهم ليمكنهم من التعامل مع المواطنين بسهولة، وكذا تغيير مناهج التدريب الحالية التي يتدرب علها أفراد جهاز الشرطة في مصر».

وأوضح اليزل أن المشكلة في مصر تتمثل في أنه لا يوجد شيء يتم إنجازه، قائلا: «حاليا هيبة الدول ضائعة والشعب يرى ويعلم أن الحكومة والدولة ضعيفة وأنه مهدد في أرواحه ومملكاته بشكل يومي».

وكشف اليزل عن أن أحداث حرق كنيسة قرية صول بمركز أطفيح بمحافظة الجيزة، التي وقعت قبل شهرين، لم يقم بها أفراد الشرطة وإنما من قام بها جماعات إسلامية، لافتا إلى إنه من ضمن الأشياء التي ضيعت هيبة الدولة أنه لم تتم محاسبة أحد حتى اليوم في تلك الأحداث أو أحداث الفتنة الطائفية بمنشية ناصر والمقطم بالقاهرة، و«لماذا لم يحاسب أحد في تعطيل الحياة بمحافظة قنا بصعيد مصر، اعتراضا على تعيين محافظ جديد؟».

ولكن الدكتور بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، أكد أن ما حدث في إمبابة ليس موضوع انفلات أمني وليست فتنة طائفية، إنما أعمال عنف طائفي، لكونه سيناريو متكررا ومتواصلا قبل ثورة «25 يناير» وبعدها، مشيرا إلى أن حادث كنيسة القديسين في الإسكندرية كان قبل 25 يناير (كانون الثاني)، وفي أشد قبضة حديدية للأمن.

وقال حسن لـ«الشرق الأوسط»: «ليس هذا معناه أن الأمن الآن في أفضل أحواله»، مؤكدا على أن الأمن لم يساهم في خلق فتنة إمبابة، لكنه ساهم في أن يكون عدد الضحايا أكبر، لافتا إلى أن الذي لعب دورا أساسيا في حدوث أزمة إمبابة هو عدم وجود محاسبة من الداخلية على جرائم العنف الطائفي قبل 25 يناير وبعدها.

وأكد محمود عادل عضو «حملة دعم البرادعي» على أنه تم تنظيم مسيرة وحدة وطنية من شارع طلعت حرب بإمبابة إلى كنيسة «مار مينا» التي تم حرقها منذ يومين، شارك فيها عدد كبير من القيادات الشعبية في إمبابة وعلماء الدين الإسلامي والمسيحي والحركات الشبابية والقوى السياسية للتأكيد على وحدة المسلمين والمسيحيين ومواجهة التطرف الذي سيحرق الثورة المصرية، وللمطالبة بالبدء في إجراء تحقيقات عاجلة، وتقديم كل من تورط في أعمال الشغب للمحاكمة العاجلة، ووضع دستور للبلاد يضمن مدنية الدولة.

وقال عادل لـ«الشرق الأوسط» إن «عددا من المسيحيين المعتصمين أمام مبنى التلفزيون المصري شاركوا في المسيرة»، لافتا إلى أن المسيرة للتأكيد على ضرورة التحرك السريع حتى لا يحدث ذلك في مناطق أخرى من مصر.

وفي الإسكندرية، اندلعت مواجهات حامية واشتباكات بالعصي والهراوات بين متظاهرين من المسيحيين والمسلمين أمام مكتبة الإسكندرية لليوم الثاني على التوالي، وسط غياب أمني.

واحتشد مئات المسيحيين أمام المكتبة من جهة الكورنيش رافعين الصليب، حيث هتفوا قائلين: «بالروح بالدم نفديك يا صليب».. وبعد قليل حضرت مجموعة من النشطاء من الحركات السياسية للتضامن مع المسيحيين تعبيرا عن الوحدة الوطنية مرددين هتافات قائلين: «أمة واحدة وطنية ضد الفتنة الطائفية».. ورفض المسيحيون ترديد هذه الهتافات، وصمموا على ترديد هتاف تسبب في إشعال المواجهات بين الفريقين، وهو ما اعتبره النشطاء سبا وقذفا وانسحبوا من المظاهرة احتجاجا عليه.

وقال أيمن مندي، عضو «حركة 6 أبريل»، إنه قد جاء وزملاؤه بالحركة للتضامن مع المسيحيين، إلا إنه فوجئ بهم يرددون هتافات عنصرية ويرفضون وجود أحد من المسلمين بينهم، وتابع: «ورغم ذلك، فقد انسحبنا في هدوء وظللنا نراقب الموقف عن بعد، ففوجئنا بأحد الأشخاص، المعروف بانتمائه إلى الحزب الوطني، يوجه استفزازات عدائية للمتظاهرين المسيحيين، ثم هرول مسرعا إلى الشوارع الجانبية المحيطة بالمكتبة، الأمر الذي دفع العشرات من المتظاهرين لمطاردته، لتتحول المنطقة إلى ما يشبه حرب الشوارع».

وتساءل محمد نبيل، عضو المكتب التنفيذي لائتلاف شباب الثورة بالإسكندرية، الذي كان في موقع المظاهرة عن أسباب الغياب الأمني التام لقوات الأمن سواء من الجيش أو الشرطة، قائلا إن «هذا الوضع يثير العديد من علامات الاستفهام، خاصة أن مكتبة الإسكندرية في الأيام الماضية، قبل هذه الأحداث، كانت تتمركز فيها قوات أمنية للحراسة وقد اختفت تماما وبشكل مفاجئ».