خبراء وسياسيون: الرئيس السوري مقيد بالحرس القديم.. لكنه يتحمل المسؤولية

قالوا إنه عصف بأوراقه.. وربما تأخر كثيرا في إنقاذ القليل الذي تبقى من سمعته كإصلاحي

صورة مأخوذة من موقع «اليوتيوب» لآلاف السوريين خلال تشيعهم احد القتلى الذي سقط بنيران قوات الأمن
TT

خلال فترة حكمه التي امتدت لـ11 عاما تقريبا، قام الرئيس السوري بشار الأسد بعمل بعض التغييرات الملحوظة في بلد كان يحكمه سابقا والده الذي كان يعرف بصرامته الشديدة، مما دعم الاعتقاد بأنه رجل إصلاحي، وإن كانت حركته مقيدة بسبب رغبة المتشددين في الحفاظ على الوضع الراهن.

فخلال فترة حكمه، فتحت سوريا أبوابها أمام الاستثمارات الأجنبية والملكية الخاصة، وانتشرت الهواتف الجوالة وخدمات الإنترنت والفضائيات، وتحولت العاصمة دمشق من كونها مكانا منعزلا غير نشيط للاشتراكية إلى بدايات عاصمة حديثة ومزدهرة تزخر بالمكاتب الزجاجية اللامعة ومحلات الأزياء الأوروبية والمقاهي العصرية التي تقدم قهوة اللاتينية للنخبة الجديدة.

ولكن على مدار كل هذه السنوات، لم يتخذ بشار الأسد أي تدبير من شأنه أن يخفف من حكم حزب البعث الذي امتد طيلة 48 عاما أو يرفع القوانين الصارمة التي تمكن قوات الأمن من الإفلات من العقاب، أو يخفف القيود على حرية التعبير. والآن، ومع تصعيد قوات الأمن السورية من وحشيتها ودمويتها لقمع الثورة التي تعم جميع أرجاء البلاد تقريبا، ربما تأخر الأسد كثيرا في إنقاذ القليل الذي تبقى من سمعته كإصلاحي محبط ينتظر فقط الحصول على فرصة حتى يقوم بتحرير بلاده.

ويوم الأحد الماضي، أرسل الجيش دبابات إلى بلدة طفس الجنوبية، حسبما أعلنه وسام طريف الذي يعمل في مجموعة «إنسان» المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان. وأكد طريف أن القناصة قتلوا 14 شخصا في حمص، ولكن مع انقطاع الاتصالات في أجزاء كثيرة من البلاد، كان من المستحيل رسم صورة واضحة عن الأوضاع داخل المدن التي يحاصرها الجيش.

وقال رضوان زيادة، وهو ناشط سوري في مجال حقوق الإنسان وباحث زائر في معهد جامعة جورج واشنطن لدراسات الشرق الأوسط: «رد فعل الأسد على المظاهرات مثل أي ديكتاتور. وحتى لو قام بتغير طريقة تفكيره بشكل جذري وأعلن عن الإصلاحات الآن، فلا أعتقد أن أحدا سيصدقه».

منذ توليه السلطة في عام 2000، عندما كان يبلغ من العمر 34 عاما، دأب الأسد على تبني صورة الإصلاحي، ووعد بسوريا جديدة وأكثر انفتاحا. ونتيجة لما يتمتع به من شباب، وبفضل تدريبه في بريطانيا كطبيب عيون وزوجته الأنيقة أسماء، المولودة في بريطانيا، قدم الأسد شخصية مختلفة تماما بالمقارنة مع والده القاسي إلى حد ما، والذي كان ضابطا عسكريا، وأحد المستبدين كبار السن في المنطقة.

إنها الصورة التي استشهد بها الكثيرون في المجتمع الدولي لتبرير ترددهم في المطالبة بالإطاحة بالأسد مباشرة أو فرض عقوبات عليه، على الرغم من مرور أكثر من سبعة أسابيع من إراقة الدماء، وإعلان جماعات حقوق الإنسان عن مقتل أكثر من 700 شخص.

وخلال الأيام الأولى من المظاهرات، وصفت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، الأسد بأنه «إصلاحي»، على الرغم من قولها لاحقا إنها كانت تشير إلى آراء الآخرين. وحتى بعد أن دخلت الدبابات السورية بلدة درعا، في إشارة واضحة على نية النظام سحق الثورة بالقوة، قال وزير الخارجية البريطاني، ويليام هيغ، إنه يجب منح الأسد فرصة.

وفي حديثه لهيئة الإذاعة البريطانية، قال هيغ: «يمكنك أن تعتقد أنه إصلاحي. تتمثل إحدى الصعوبات الموجودة في سوريا في أن سلطة الرئيس الأسد تعتمد على مجموعة كبيرة من الناس، في عائلته وأعضاء آخرين في حكومته، وأنا لست متأكدا من مدى الحرية التي يتمتع بها في سعيه لوضع خطة للإصلاح».

كما يخيم هذا التصور على دمشق، حيث لم ينضم السكان إلى المظاهرات المناهضة للحكومة. فهناك شائعات بأن هناك من يقيد قدرة الأسد، ربما عن طريق شقيقه ماهر الذي يشتهر بالقسوة، والذي يرأس وحدة الجيش التي تتخذ إجراءات صارمة لفرض النظام.

ولكن لم تتضح، في أي نقطة زمنية خلال السنوات الـ11 الماضية، صورة واضحة عن أعضاء النظام الذين يقيدون حركة الأسد، حسب ما صرح به اندرو تابلر، وهو زميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، لذي كان واحدا من المقتنعين، في البداية، بخطط الأسد الإصلاحية خلال الثماني سنوات التي قضاها في سوريا، وقضى بعضا منها في الجمعيات الخيرية لأسماء الأسد.

وقال تابلر: «سمعنا طوال الوقت أن الحرس القديم كان يقيد من تحركه، ولكننا لم نسمع أبدا من هم الحرس القديم أو نرى أي أدلة عليهم. قد تقوم بإجراء حديث معه، وسوف يقول لك ما تود سماعه، ولكن لن يحدث ما قاله بعد ذلك».

خلال الأشهر الأولى من حكم الأسد، كان هناك ازدهار للحريات قصير الأمد فيما عرف باسم «ربيع دمشق»، ثم تبعه بعد ذلك اتخاذ إجراءات صارمة، وهو ما عزز من رواية أن الأسد مقيد من قبل المتشددين الذين تبقوا من نظام والده. ولكن تيودور قطوف، الذي كان سفير الولايات المتحدة لدى سوريا خلال الفترة من 2001 وحتى 2003، يشك في أن صورة التسامح قد تم تقييدها بسرعة بسبب قلة خبرة الأسد، وليس بسبب ميوله.

وعلى الرغم من أن النظام القديم قد يكون ساعد على عودته عن المسار الصحيح، «إلا أنه لم يكن أبدا إصلاحيا سياسيا على الحقيقة».

وأضاف: «ما كان ينوي القيام به هو الإصلاح داخل النظام القائم. لم يكن ينوي حقا تغيير الإطار السياسي الذي حكم به والده». ومنذ ذلك الحين، عزز الرئيس سلطته، من خلال إحاطة نفسه بالجيل الأصغر من أفراد عشيرة الأسد، الذين شغلوا مناصب رئيسية في الجهات الأمنية وفي المنظومة الاقتصادية الجديدة.

ومن بين هؤلاء كان شقيقه ماهر الذي يرأس الحرس الجمهوري القوي. وحصل ابن خاله، رامي مخلوف، على الترخيص لشركة «سيريتل»، أكبر شركة للهاتف الجوال في البلاد، في حين أن الشقيق الأصغر لمخلوف، الذي يدعى حافظ هو المسؤول عن فرع الاستخبارات في دمشق. وكان عاطف نجيب، ابن خالة بشار الأسد، هو المسؤول عن درعا التي شهدت بداية الثورة.

وقال جوشوا لانديس، وهو أستاذ مشارك في جامعة أوكلاهوما وصاحب مدونة «سوريا كومنت»: «إنه شأن داخلي في نهاية الأمر. كل الدلائل تشير إلى أن الأسرة مرتبطة ببعضها للغاية، لأنهم يعرفون أنهم إما أن يعيشوا معا أو يموتوا معا».

وقال أيمن عبد النور، الذي شغل منصب مستشار الأسد خلال الفترة بين عامي 1997 و2004 قبل أن ينقلب على النظام وينتقل إلى دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة: «لا يوجد هناك أي شك في أن الأسد يسيطر سيطرة كاملة على الأسرة. إنه ولا أحد غيره، والأسرة كلها تقف وراءه. إنه هو وحده المسؤول مسؤولية كاملة، وهو الشخص الوحيد الذي يقوم باتخاذ القرارات».

وفي الوقت نفسه، لم يعط الأسد أي إشارة على أنه مستعد لمعالجة الاضطرابات من خلال تحقيق مطالب المحتجين، وحتى أحد وعوده الملموسة، وهو رفع حالة الطوارئ التي فرضت لمدة 48 عاما، قد وضع حيز التنفيذ في اليوم السابق لقتل القوات السورية لـ112 متظاهرا، حسب ما صرح به زيادة، الذي أشار إلى أن هذا يقوض أي فكرة بأن الإصلاح موضوع بجدية على الأجندة.

ونتيجة لتصاعد العنف، انتشر التمرد ليصل إلى كافة البلدات والقرى في جميع أنحاء البلاد، وارتفعت طلبات المتظاهرين التي كانت منحصرة في الإصلاح في بداية الأمر إلى إسقاط النظام. وقال أكاديمي سوري تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع، إنه حتى في دمشق التي ما زال الكثير من أهلها يتشبثون بفكرة أن ميول الأسد الإصلاحية مقيدة من قبل الآخرين، بدأ الناس يعترضون على القوة المستخدمة.

وأضاف: «بشار موافق على ما يحدث، لذا فهو جزء من ذلك. وهذا ما يجعله يتحمل المسؤولية، أليس كذلك؟!».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»