تعتيم كامل على المدن والأحياء السورية الخاضعة للحصار العسكري

سماع طلقات نار في المعضمية وحملة اعتقالات.. وإطلاق سراح معارضين اعتقلوا الشهر الماضي

صورة بهاتف جوال بثتها قناة «العربية» أمس يبدو فيها رجال أمن سوريون لدى نقلهم محتجين إلى جهة غير معلومة (إ.ب.أ)
TT

تمكنت السلطات السورية من فرض حالة من التعتيم التام على المناطق الخاضعة لحصار عسكري محكم، مثل درعا وحمص وبانياس والمعضمية في ريف دمشق، وذلك بعد نحو 4 أيام من قطع خدمة الإنترنت الفضائي (ثري جي) التي تحتكرها شركتا الهاتف الخلوي في سوريا «سيرياتيل» و«إم تي إن»، بالإضافة إلى تمكن السلطات السورية من تعطيل الوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» و«تويتر» و«يوتيوب».

وبالتزامن مع ذلك، استمرت عملية منع الصحافيين والمراسلين الأجانب من دخول البلاد، وأيضا منع مراسلي وسائل الإعلام الخارجي من الوصول إلى موقع الأحداث.

لكن «رويترز» من عمان نقلت عن شاهد قوله إنه سمع إطلاق نار كثيفا، أمس، في ضاحية المعضمية جنوب غربي العاصمة السورية، دمشق، التي شهدت مظاهرات متصاعدة ضد حكم الرئيس السوري بشار الأسد.

وقال الشاهد، الذي كان موجودا في المنطقة الساعة الواحدة بعد الظهر بالتوقيت المحلي: حاولت الدخول من المدخل الرئيسي للمعضمية، لكن كان هناك عشرات الجنود يحملون بنادق ويعيدون السيارات.

وقالت تقارير غير مؤكدة لنشطين خلال اليومين الماضيين: إن الدبابات دخلت الضاحية الكبيرة التي تقع على الطريق المتجه إلى هضبة الجولان المحتلة المطلة على دمشق.

وفي ظل التعتيم الإعلامي التام وانقطاع الاتصالات والكهرباء عن مدينة بانياس لم تنضح أي معلومات غير رسمية عما يجري هناك، مما يثير الكثير من القلق حول أوضاع السكان.

في حين ذكر موقع «سيريانيوز»، القريب من السلطة، أنه تم فتح الطريق الدولي طرطوس - اللاذقية، وأنه تم القبض على مئات من سكان بانياس، وصودرت «كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر في قرى المرقب والبيضا وعلقين ومدينة بانياس»، وأن «أعمال التمشيط والمطاردة لعناصر المجموعات المسلحة من قبل الجيش أسفرت عن إصابة 9 من عناصر الجيش، بينهم ضابطان».

وفي حمص قال موقع «سيريانيوز»: «إن سائق باص لإحدى الجهات الحكومية تعرض لإطلاق نار في منطقة بابا عمر وأصيب من جراء ذلك بـ3 أعيرة نارية، وتم إسعافه إلى مشفى في المدينة».

وفي دير الزور، نقل عن مصدر طبي رفض ذكر اسمه، أن «اثنين من عناصر الأمن استشهدا وجرح 9 أشخاص من المتظاهرين خلال اعتصامات يوم الاثنين في المدينة»، مضيفا أن «هناك انتشارا أمنيا في المدينة، كما تم فرض حواجز أمنية».

كانت القوى الأمنية قد فضت اعتصاما لشباب أمام جامع عثمان في يومه الثالث، وقام الأمن بإطلاق النار والغازات المسيلة للدموع لتفريقه.

وفي دمشق خرجت، مساء أول من أمس الاثنين، مظاهرة شبابية في الوسط التجاري لمدينة دمشق، في ساحة عرنوس، وأظهر فيديو، بُث على موقع «يوتيوب»، مجموعة من الشباب يجلسون في الساحة وينشدون النشيد الوطني السوري، ومن ثم ساروا في شارع الحمرا وتوجهوا نحو سوق الصالحية؛ حيث قامت قوى الأمن بملاحقتهم واعتقال نحو خمسة منهم، ويظهر الفيديو عملية الاعتقال والضرب المبرح الذي يتعرض له المعتقلون؛ حيث يضربون وهم يساقون إلى سيارة، وأن ثمة من يوجد داخل السيارة يستقبلهم بالضرب ويجلسهم مرغمين على المقعد.

وقالت المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سوريا: إن السلطات السورية فرقت بالقوة، مساء الاثنين، مظاهرة احتجاجية جمعت أطباء ومهندسين ومثقفين في ساحة عرنوس بقلب العاصمة السورية دمشق. واتهمت المنظمة السلطات السورية باعتقال أكثر من 130 محتجا في عدة مدن سورية بينهم أطباء إلى جانب مهندسين ومحامين وطلبة ومواطنين والصحافية ملك شنواني.

من جانبه، قال «المرصد السوري لحقوق الإنسان»: إن قوات الأمن السورية فضت، بالقوة، مظاهرة صغيرة مؤيدة للديمقراطية في وسط دمشق مساء الاثنين واعتقلت الكاتب المعارض عمار مشهور ديوب وعدة طلاب.

وقال المرصد في بيان: إن الكاتب كان ضمن 150 شخصا تجمعوا في ساحة عرنوس بدمشق في مظاهرة ليلية للمطالبة برفع الحصار العسكري عن المدن السورية ووقف إطلاق النار، داعين إلى الحوار الوطني.

ونقل ناشطون عبر موقع «فيس بوك» أن بانياس شهدت تظاهر مئات النساء للمطالبة بتحرير أقربائهن، وانطلقن إلى مراكز الاحتجاز في الأحياء الجنوبية من المدينة متحديات رجال الأمن والجيش.

وفي ريف دمشق شهدت منطقة المعضمية، أمس الثلاثاء، انتشار حواجز تابعة للجيش بشكل مكثف في بداية المدينة وعند تقاطع الطرقات والدوارات الرئيسية، بالإضافة إلى وجود كثيف لقوى الأمن. ومع أن الطريق الذي سبق أن أغلق إلى المعضمية مع فرض حصار عسكري تام، تم فتحه أمس، إلا أن عمليات تفتيش دقيقة للداخلين إليها والخارجين منها استمرت، ولوحظ التشدد بتفتيش سيارات نقل الخضار.

وعادت الاتصالات الخلوية عند الساعة الـ11 من صباح أمس والاتصالات الأرضية عند الساعة الواحدة ظهرا، بعد أن انقطعت في وقت سابق من يوم الاثنين، بينما لوحظ أن معظم المحلات التجارية مغلقة والحركة في الشوارع تكاد تكون معدومة.

من جانب آخر، قالت مصادر حقوقية: إن السلطات السورية أطلقت سراح المعارضين السياسيين حسن عبد العظيم وحازم النهار، مساء أول من أمس، اللذين تم اعتقالهما أواخر الشهر الماضي.

كانت السلطات السورية قد تابعت، أمس، حملة اعتقالات واسعة في عدد من المدن السورية، بالتزامن مع الدعوات للتحرك الشعبي أمس تحت عنوان «ثلاثاء النصرة» للمطالبة بالإفراج عن معتقلي الرأي في السجون السورية، في وقت لا يزال فيه الجيش السوري يفرض حصارا محكما على مدن بانياس ودرعا وحمص والمعضمية والقرى المجاورة.

وذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن «السلطات الأمنية السورية شنت، أمس، حملة اعتقالات في منطقة السلمية وسط سوريا، طالت 50 ناشطا سياسيا»، مشيرا إلى أن من أبرز المعتقلين «القيادي في حزب العمل الشيوعي والسجين السياسي السابق حسن زهرة ونجله والمعارض والسجين السياسي السابق علي صبر درويش».

ولفت إلى أن «الأجهزة الأمنية السورية اعتقلت، خلال الأسابيع الماضية، آلاف الناشطين في إطار حملتها لقمع وإنهاء المظاهرات التي انطلقت في سوريا منذ 15 مارس (آذار) الماضي، وما زالت مستمرة حتى الآن»، مدينا «بشدة» استمرار السلطات الأمنية السورية في «ممارسة سياسة الاعتقال التعسفي على الرغم من رفع حالة الطوارئ». وجدد المرصد مطالبته السلطات السورية «بالإفراج الفوري عن جميع معتقلي الرأي والضمير في السجون والمعتقلات السورية احتراما لتعهداتها الدولية الخاصة بحقوق الإنسان التي وقعت وصادقت عليها».

في السياق ذاته، قالت وكالة الأنباء السورية (سانا) إن مفتي درعا الشيخ رزق أبا زيد أعلن «تراجعه عن استقالته من منصبه»، وكان قد ظهر على شاشة التلفزيون السورية وقال، في حديث لـ«الفضائية»، إنه «استقال تحت التهديد الذي استمر حتى وقت إعلانه الاستقالة أمام جامع بلال في الساحة على الطريق العام ضمن الحي الذي يخطب فيه وإن الشيخ عطوة أبا زيد حاول ثني الذين طالبوه بالاستقالة فلم يستجيبوا له، وإن شابا غريبا يراه لأول مرة اتصل بقناة (الجزيرة مباشر) وأعطاه هاتف ثريا وقال له: (أعلن استقالتك) فأعلنت استقالتي في ذلك الوقت».

وعلى الرواية الرسمية، قال مصدر عسكري سوري: إن وحدات الجيش والقوى الأمنية ما زالت تتابع تنفيذ مهمتها بملاحقة المجموعات الإرهابية المسلحة في ريفي درعا وحمص ومنطقة بانياس. وإنه تم إلقاء القبض على العشرات من المطلوبين والاستيلاء على كمية من الأسلحة والذخائر والمتفجرات التي كانت معدة للاعتداء على عناصر الجيش والقوى الأمنية والممتلكات العامة والخاصة.

من جانبها، ذكرت وسائل إعلام محلية شبه رسمية أن «شخصيات أجنبية تم اعتقالها في بانياس خلال المداهمات الأخيرة»، مشيرة إلى أن بعضهم «متورط في عمليات القتل التي جرت لعناصر في الجيش».

بينما قال تلفزيون «الدنيا» الخاص: إن قوى الأمن صادرت «وثائق وأجهزة» لكل من الشيخ أنس عيروط وأنس الشغري تحتوي على أدلة لعملهما على إنشاء «إمارة إسلامية» من بانياس. وقال التلفزيون، في خبر عاجل تصدر الشاشة: إنه تم العثور على وثائق وأجهزة للشيخ أنس عيروط تسميه «أميرا» على الإمارة الإسلامية، وإن المصادرات الخاصة بالشيخ أنس الشغري تمت مصادرتها من «مزرعة بالقرب من بانياس (17 كم) وأنها تضمنت إيصالات لحوالات مالية من الخارج». كما ذكرت أنه تم القبض على مصطفى ياسين الذي يشغل مهام «وزير الدفاع» في «الإمارة الإسلامية».

كما قال تلفزيون «الدنيا» إن «باص» ينقل موظفين بين طرطوس وبانياس تعرض لإطلاق نار من دون ذكر تفاصيل عن ضحايا أو عن توقيت الهجوم، إلا أن مصادر شبه رسمية أخرى ذكرت أنه جرى إطلاق النار الساعة الـ11 صباحا على باص نقل للعمال بين مصفاة بانياس وطرطوس في منطقة القوز، التي سبق أن شهدت كمينا استهدف قوى الجيش في العاشر من أبريل (نيسان) الماضي بحسب المعلومات الرسمية التي سبق أن أوردتها وسائل الإعلام السوري.

كما أفرجت السلطات السورية يوم أمس عن خمسة ناشطين ومثقفين بينهم الكاتب فايز سارة والقيادي جورج صبرا والناشط كمال شيخو. وكانت النيابة العامة وجهت لهم تهمة النيل من هيبة الدولة.

وذكرت مصادر حقوقية أن قاضي التحقيق الأول في دمشق قرر إخلاء سبيل الكاتب فايز سارة المعتقل منذ 11 أبريل (نيسان) الماضي، والقيادي في حزب الشعب الديمقراطي جورج صبرا المعتقل منذ 10 أبريل الماضي، والناشط كمال شيخو المعتقل من 16 مارس (آذار)». والمحامي حسن إسماعيل عبد العظيم الأمين العام لحزب التجمع الديمقراطي المعتقل منذ 11 أبريل الماضي، والباحث حازم نهار المعتقل منذ 28 أبريل الماضي دون إحالتهما إلى القضاء.

وقد تم الإفراج بكفالة قدرها خمسة آلاف ليرة سورية (نحو 100 دولار أميركي) لكل منهم، وكانت النيابة العامة وجهت تهمة النيل من هيبة الدولة إليهم.

وكان سارة اعتقل في الماضي وأفرج عنه في يوليو (تموز) 2010 بعد قضائه فترة حكمه بالسجن لمدة سنتين ونصف السنة على خلفية مشاركته في «إعلان دمشق».

أما شيخو فقد تم اعتقاله على خلفية مشاركته في اعتصام أمام وزارة الداخلية في 16 مارس الماضي.