تسريب هوية مسؤول «سي آي إيه» في باكستان يؤكد تدهور العلاقات مع واشنطن

علاقة خصومة بين وكالتي الاستخبارات بين البلدين

إقبال على شراء تذكارات بن لادن في العواصم العالمية (أ.ف.ب)
TT

للمرة الثانية خلال 5 أشهر تثير السلطات الباكستانية غضب وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية عبر تسريب هوية مسؤول محطة الاستخبارات التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، الأمر الذي يصعب من عمل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في أعقاب الغارة الأميركية التي أدت إلى مقتل أسامة بن لادن.

أظهر التسريب ميلا نحو علاقة خصومة بين وكالتي الاستخبارات بين البلدين منذ الغارة التي أدت إلى مقتل بن لادن. وبدا واضحا أن المقصود من ورائها إظهار النفوذ الذي تمارسه باكستان على المصالح الأميركية في البلاد، بحسب كلا الجانبين.

وفي كلمته أمام البرلمان، أول من أمس، عزز رئيس الوزراء الباكستاني، يوسف رضا جيلاني، رد باكستان العدائي تجاه الغارة، بالإعلان عن أن كبار المسؤولين الباكستانيين يتحملون بعض المسؤولية عن حقيقة أن أسامة بن لادن كان قادرا على الاختباء في بلادهم لسنوات.

بيد أن جيلاني أدان الانتهاك الأميركي لسيادة باكستان ووصف وجود زعيم «القاعدة» في باكستان بأنه فشل استخباراتي للعالم أجمع. وقال: من غير المعقول أن تتعاون وكالة الاستخبارات الباكستانية والجيش الباكستاني مع أسامة بن لادن زعيم «القاعدة»، وهو الأمر الذي يتشكك تجاهه المسؤولون الأميركيون لكنهم يؤكدون أنهم لا يملكون دليلا عليه.

تأتي تصريحات رئيس الوزراء إلى جانب تسريب محطة الاستخبارات الأميركية دليلا على عمق الخلافات وإمكانية الرد من كلا الجانبين؛ حيث طالب المسؤولون الأميركيون بمزيد من الشفافية والتعاون من باكستان، وهو الأمر الذي لم يتحقق بعد.

وأشار مسؤولون أميركيون وباكستانيون إلى أن الاستخبارات الباكستانية كشفت عن هوية مسؤول محطة الاستخبارات الأميركية لصحيفة «ذا نيشن»، الصحيفة اليومية المحافظة التي تحظى بعدد محدود من التوزيع، والتي تدعم الاستخبارات الباكستانية. وكما هو معروف تقوم الاستخبارات الباكستانية ببث بعض الروايات في الصحف وتدفع رواتب لبعض الصحافيين.

لم يكتب اسم الضابط الأميركي الذي ورد في الصحيفة بشكل صحيح، لكنه كان قريبا بما يكفي لإرسال رسالة واضحة، بحسب المسؤولين. وهو ما جاء مماثلا لحادثة سابقة كشفت فيها الاستخبارات الباكستانية عن هوية رئيس محطة الاستخبارات في ديسمبر (كانون الأول) الماضي وبالصورة نفسها، وهو ما أجبره على مغادرة البلاد.

كان التسريب في تلك الحالة في صحيفة باكستانية واحدة على الأقل، هي صحيفة «ذا نيوز»، التي توزع على نطاق واسع وتصدر باللغة الإنجليزية. وقد أدرج المحامي الباكستاني، الذي يمثل عائلة أحد ضحايا هجمات الطائرات الأميركية من دون طيار على المناطق القبلية، اسم رئيس المحطة في الدعوى القانونية التي قدمها إلى السلطات الباكستانية.

نتيجة هذا الكشف تلقى رئيس المحطة تهديدات بالقتل وغادر البلاد على عجل، بحسب تصريح مسؤولين في إدارة أوباما.

ويقول المسؤولون الأميركيون: إن رئيس المحطة الاستخبارية الجديد لا ينوي مغادرة باكستان، ولم تتمكن «نيويورك تايمز» من التعرف على نشطاء الاستخبارات المركزية الأميركية السريين في باكستان. ويوصف مسؤول المحطة الجديد بأنه أكثر الضباط صلابة وخبرة؛ فهو الذي أشرف على الغارة الناجحة التي قتلت بن لادن، وكذلك البيت الآمن الذي استخدم للتجسس على المجمع السكني الذي كان يقيم فيه بن لادن في أبوت آباد؛ حيث يعتقد أن بن لادن عاش فيه 5 سنوات. كان المنزل الآمن قريبا بما يكفي من المجمع السكني، مما سمح لعملاء وكالة الاستخبارات المركزية بجمع معلومات عن الحياة اليومية لزعيم «القاعدة»، التي ساعدت بشكل كبير في التخطيط للعملية، بحسب مسؤولي إدارة أوباما. وقد سعى مسؤولو إدارة أوباما إلى تهدئة التوترات بشأن غارة القوات الخاصة بإثارة أسئلة حول تصريحات جيلاني ورفض، في الوقت ذاته، التعليق على التسريب.

ويقول مارك تونر، المتحدث باسم وزارة الخارجية: «يصب التعاون الاستخباراتي في مجال مكافحة الإرهاب في مصلحتنا الأمنية الوطنية؛ فقد أثمرت عن نتائج ملموسة خلال السنوات الـ10 الماضية، ونحن نعتقد أن من مصلحة أمننا القومي أن نواصل التعاون مع باكستان، كما نعتقد أيضا أنه يصب في مصلحة باكستان على المدى البعيد».

لكن تونر أكد أن الولايات المتحدة تتوقع من حكومة جيلاني التحقيق في إمكانية وقوع تواطؤ باكستاني لإيواء بن لادن في أبوت آباد، التي تقع على بعد 75 ميلا من إسلام آباد.

وقال تونر: «سألنا بعض الأسئلة المهمة للحكومة الباكستانية عن نوع الدعم المحتمل الذي ربما يكون موجودا، ونحن نتوقع الرد في وقت ما». ومهما كان حجم الكشف الباكستاني فسيظل بعيدا عن الحقيقة؛ فقد طلبت واشنطن من باكستان تمكينها من التحقيق مع السيدات اللاتي كن في المجمع مع بن لادن واللاتي استجوبتهن الاستخبارات الباكستانية منذ الغارة الأسبوع الماضي. وحتى الآن لم توافق الاستخبارات الباكستانية على الطلب، بحسب مسؤولين أميركيين. ووصف مسؤولون مطلعون العلاقة بين رئيس محطة الاستخبارات الأميركية ورئيس الاستخبارات الباكستانية أحمد شوجا باشا بأنها حادة على نحو خاص. تنازع الرجلان على قضية ريموند ديفيس، متعاقد وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الذي قتل شخصين باكستانيين في يناير (كانون الثاني) حاولا سرقته. وقد اعتقل من قبل الشرطة الباكستانية لأكثر من شهرين على الرغم من تأكيدات إدارة أوباما أنه محمي بالحصانة الدبلوماسية.

قتل أسامة بن لادن، والاعتقادات من قبل إدارة بوش أن المسؤولين في الاستخبارات الباكستانية ربما كانوا على علم بمخبئه وقدموا له الدعم، أثار غضب الجنرال باشا، بحسب المسؤولين الباكستانيين؛ فقد أحس باشا وقائد الجيش الباكستاني أشفاق كياني بالإهانة؛ لأن الولايات المتحدة لم تخبر باكستان بشأن الغارة. في أعقاب الغارة توارى الجنرالان باشا وكياني عن الأنظار وقصرا تصريحاتهما على عدد محدود من الصحافيين الباكستانيين. وبحسب الروايات من صحافيين حضرا لقاء حصريا مع كياني فقد أبدى الرجل مرارة من الغارة الأميركية قائلا: «إنهم سيحتفلون بها حتى العقد المقبل». وقد توقع الكثيرون أن يقوم رئيس الوزراء باستغلال كلمته ليقدم رواية حول ما تعلمه بلاده بشأن وجود بن لادن في باكستان، لكنه ركز، عوضا عن ذلك، على كون الغارة انتهاكا للسيادة الباكستانية. ودافع عن الاستخبارات الباكستانية بالقول إنها قدمت أكثر من أي جهاز استخباراتي آخر في الهجوم على «القاعدة» وإنه «ما من دولة أخرى في العالم وما من وكالة أمنية قدمت ما قدمته الاستخبارات الباكستانية والجيش الباكستاني لاستئصال شأفة (القاعدة)».

وأكد جيلاني أن الفريق جواد إقبال، القائد البارز بالجيش الباكستاني والمساعد المقرب من كياني، سيتولى التحقيق في كيفية تمكن بن لادن من الاختباء في باكستان طوال هذه المدة، لكنه لم يحدد إطارا زمنيا لهذا التحقيق. وأشار إلى أن جلسة البرلمان الباكستاني يوم الجمعة المقبل ستكون سرية؛ حيث سيقدم الجيش إحاطة عن العملية.

* شارك إريك سكميت في إعداد التقرير من واشنطن.

خدمة: «نيويورك تايمز»