واشنطن تنتظر جواب بغداد حول بقاء القوات.. وسط غموض الموقف العراقي

المالكي ترك الباب مفتوحا.. والنجيفي: لسنا في عجلة.. وعلاوي: نريد قرارا

TT

أشار سياسيون عراقيون إلى أن الولايات المتحدة طلبت من الحكومة العراقية اتخاذ قرار خلال أسبوع فيما إذا كان على القوات الأميركية البقاء إلى ما دون الموعد النهائي للانسحاب العراق، والذي ينتهي أواخر العام الحالي، وهو سيعقد من خطط الولايات المتحدة للانسحاب من العراق.

وعزا المسؤولون العراقيون ذلك إلى جملة من القضايا الداخلية، فالتناحر السياسي والاضطرابات الشعبية وتزايد الشكوك بين نواب المجلس الوطني تآلفت جميعها للتوصل إلى قرار بشأن استمرار الوجود العسكري الأميركي في العراق، خلال الأشهر القادمة.

ورغم نظر البعض إلى رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي على أنه ترك الباب مفتوحا إلى حد ما لاستمرار تواجد الدعم الأميركي، فإنه أكد في الوقت ذاته على أن العراق لم يعد بحاجة إلى المساعدات العسكرية من الأميركيين. وأن أي قرار بمد تواجد القوات الأميركية إلى عام 2012، سيحتاج إلى موافقة من البرلمان العراقي.

ما زاد المشكلة تعقيدا موجة الاغتيالات التي طالت مسؤولين حكوميين وتهديدات المتطرفين بمزيد من العنف إذا ما صوت الساسة العراقيون لمد التواجد العسكري الأميركي في العراق.

ويقول أسامة النجيفي، رئيس البرلمان العراقي في مقابلة معه: «لا يوجد وقت محدد أو توقيت محدد خاص بالقوات العسكرية الأميركية ولن نكون في عجلة من أمرنا لاتخاذ قرار بشأن ذلك».

ويبدي عدد كبير من الاستراتيجيين العسكريين في واشنطن عقد اتفاق يسمح على الأقل باستمرار تواجد القوات الأميركية في العراق. وأشاروا إلى أنه وسط الاضطرابات المتزايدة التي يشهدها الشرق الأوسط فإن وجود الولايات المتحدة في العراق أمر جوهري للمساعدة في ضمان الاستقرار في البلاد ومراقبة إيران والمعتدين المتوقعين الآخرين.

وتصر إدارة أوباما على أن أي استمرار لتواجد قواتها في العراق ـ عدا بضع مئات من المستشارين العسكريين المرتبطين بالسفارة الأميركية ـ سيكون مصرحا به في حال طلب العراق ذلك.

الافتقار إلى الوضوح بشأن ما إذا كانت القوات الأميركية سيطلب منها الإقامة أو الخروج من العراق هو ما اعتبره الجنرال مايك مولن رئيس هيئة الأركان المشتركة، بدا واضحا عندما زار العراق الشهر الماضي وطلب من قادتها اتخاذ قرار خلال أسابيع عما إذا كانت لديهم رغبة في استمرار تواجد القوات الأميركية من عدمه.

ومن المتوقع أن تزداد وتيرة الانسحاب العسكري الأميركي المتروي أواخر الصيف القادم بسحب ما يقرب من 50 ألف جندي و63000 متعاقد وإغلاق ما يقرب من 100 قاعدة، وسحب ما يقرب من مليون قطعة من المعدات أو الأسلحة التي تراكمت خلال 8 سنوات من الصراع.

ويقول الجنرال بابكير زيباري، القائد الكردي الذي يحتل رتبة تماثل رئيس هيئة الأركان الأميركية: «إن الجيش العراقي لن يتمكن من السيطرة على الأوضاع في العراق قبل عام 2020».

وإذا ما قرر القادة العراقيون أواخر العام طلب بقاء بعض القوات أو المعدات أو مسؤولين عسكريين أميركيين فإن ذلك سيتطلب تغييرا واضحا أو تغيير المسار وقد ينطوي على مخاوف وتكلفة أمنية.

ويصر علي الدباغ المتحدث باسم الحكومة العراقية على أن العراق سيتمكن من الاضطلاع بمهامه وسيكون بخير بعد رحيل القوات الأميركية.

وقال الدباغ: «نحن ندرك جيدا أن هناك قلقا مشروعا لدى واشنطن والبنتاغون من أن الوضع في العراق بعد عام 2011 ربما يواجه صعوبات نتيجة ما يدعى بالفراغ الأمني. لكننا لا نتوقع حدوث هذه النظرية، فقد قلنا للجنرال مولن صراحة إن وجودهم هنا سيكون مكلفا لهم وبالقطع لنا أيضا». وأضاف: «الإبقاء على بضعة آلاف من الجنود ربما يتسبب في ردود فعل انتقامية وقد تتصاعد».

وقد حذر رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، المناوئ للوجود الأميركي في العراق، والذي كان دعمه جوهريا في تشكيل حكومة المالكي الجديدة، من أن استمرار القوات الأميركية في البلاد يرقى إلى ما يمكن تسميته باحتلال أميركي متواصل وأن مثل هذه الاتفاقية ستشكل الأساس لإعادة تجدد المقاومة المسلحة للقوات الأميركية والقوات العراقية، وقد هدد أتباع الصدر بالانسحاب من الحكومة حال حدوث ذلك.

من ناحية أخرى قال المالكي في ظهور تلفزيوني آخر له إن القوات الجوية العراقية لن تكون مستعدة لحماية سماء العراق من التهديدات الأجنبية قبل العام القادم. وقال يوم الأحد الماضي إن ممثلي الأحزاب السياسية العراقية يجب عليهم الاجتماع لمناقشة قضية سحب القوات. وخلال المقابلة التي أجريت معه قال الدباغ في إشارة مبهمة «إن استمرار التعاون العسكري مع الولايات المتحدة يمكن أن يكون مقبولا إذا ما اتخذت أشكالا أخرى من تمكين النظام أو الديمقراطية في العراق».

وصدرت تصريحات مماثلة من قيادات شيعية وسنية وكردية، ويرى مراقبون مطلعون على السياسات العراقية أن البيانات ربما تمثل بداية للنقاشات القادمة وأرضية مشتركة للتوصل إلى اتفاق.ويقول إياد علاوي، رئيس تكتل العراقية، أضخم التحالفات السياسية في البرلمان: «رئيس الوزراء هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ومن ثم لا بد أن نعرف ما إذا كان يؤيد استمرار الوجود الأميركي أم لا. لكن لسوء الحظ فإننا نعتقد أن الجيش العراقي والشرطة لا يزالان غير مستعدين للاضطلاع بمسؤولياتهما وتحمل أعباء حفظ الأمن في البلاد».

ويقول عباس البياتي، عضو البرلمان في تحالف المالكي: «الحقيقة أن غالبية الأسلحة التي نملكها أميركية وهي بحاجة إلى الصيانة والإصلاح والتدريب عليها والإمدادات. ولن نعرف بشأن الموقف الحقيقي لرئيس الوزراء إلا مع اقتراب نهاية العام».

حتى الآن يبدو المالكي مركزا على الوفاء بوعده بتقديم خطة المائة يوم بحلول يونيو (حزيران) لتطوير خدمات حكومته. هذه المبادرة التي دشنها في أعقاب الاحتجاجات التي اندلعت في العراق في فبراير (شباط) كان الهدف منها القضاء على الاضطرابات الداخلية التي تجتاح الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ينبغي على المالكي حل معضلة من يتولى قيادة الجيش العراقي والشرطة والاستخبارات العراقية. فالاتفاق الذي لم ينفذ والذي تم التوصل إليه في ديسمبر (كانون الأول) اشترط قيادة كل فصيل لفرع من هذه الأفرع فهذا سني وذاك شيعي والآخر كردي وأن يتقاسموا المسؤولية كجزء من جهد حكومي لتأمين العراق بعد رحيل القوات الأميركية.

ويؤكد عبد الحسين عبطان، عضو البرلمان العراقي عن المجلس الأعلى الإسلامي العراقي أنه لا يوجد نائب عراقي واحد يرغب في أن ينظر إليه على أنه داعم لاستمرار تواجد القوات الأميركية. وقال: «الكل يرغب في الابتعاد عن هذا الموضوع. أنا لا أرعب في تضخيم الأمر، لكن هذه المسألة قد تتسبب في انهيار البرلمان والحكومة بأكملها».

* شارك عزيز علوان، وأسعد مجيد في الإعداد لهذا التقرير

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»