واشنطن تفاجئ بكين بملف حقوق الإنسان مع انطلاق «حوارهما الاستراتيجي»

مفاوضات البلدين على مدى 3 أيام تتطرق إلى أفغانستان وإيران وكوريا والملفات العسكرية والاقتصادية

نائب رئيس وزراء الصين يتحدث إلى الوزيرة كلينتون، ويظهر في الصورة أيضا الوزير غيثنر وغيتس وآخرون، بعد التقاط صورة لوفدي البلدين في واشنطن، مساء أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

فاجأ المسؤولون الأميركيون نظراءهم الصينيين بالتركيز على ملف حقوق الإنسان، في اليوم الأول من «الحوار الاستراتيجي» بين البلدين، الذي انطلق أول من أمس، ويستمر ثلاثة أيام، في واشنطن. وذكر البيت الأبيض أن الرئيس باراك أوباما التقى نائب رئيس الحكومة الصينية وانغ كيشان، وأعلى مسؤول في السياسة الخارجية الصينية مستشار الدولة داي بينغو، اللذين أجريا في واشنطن محادثات اقتصادية ثنائية، وأعرب لهما عن «قلق الولايات المتحدة لمسألة وضع حقوق الإنسان في الصين»، وأشار إلى «دعمه الحقوق العالمية، وهي: حرية التعبير والعبادة والحصول على المعلومات والعمل السياسي».

كما شدد نائب الرئيس جوزيف بايدن، ووزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، خلال المحادثات، على ملف حقوق الإنسان. وأشار بايدن إلى الاعتقالات الأخيرة للنشطاء والفنانين الصينيين التي جاءت في أعقاب انتشار انتفاضات تطالب بالحريات في الدول العربية، وقال: «لدينا خلافات قوية في مجال حقوق الإنسان». وبدورها، تحدثت كلينتون للصحافيين بعد الاجتماع الأول، قائلة: «لقد ظللنا نوضح لهم، سرا وعلانية، قلقنا إزاء خروقاتهم لحقوق الإنسان». كذلك، قال مسؤول أميركي كبير، طلب عدم نشر اسمه أو وظيفته، في مؤتمر صحافي بعد نهاية الاجتماع الأول، إن المناقشات بشأن حقوق الإنسان كانت «صريحة جدا وصادقة».

وتطرقت الوزيرة كلينتون إلى ملف آخر، هو التغيير المناخي. وأعربت كلينتون مع بدء أعمال الحوار، عن أملها في أن يؤدي الحوار الاستراتيجي بين البلدين، إلى تطبيق اتفاق كانكون (المكسيك) وصندوقه الأخضر من أجل مساعدة الدول النامية في مواجهة تحدي التبدل المناخي. وقالت كلينتون خلال جلسة عمل، أول من أمس: «نثمن كثيرا العمل الذي قمنا به معا ويجب أن نبني الآن على اتفاق كانكون»، وأضافت: «إذا تمكنت الولايات المتحدة والصين من العمل معا، فعندها سيكون بإمكاننا أن نتقدم خطوة كبيرة إلى الأمام، وأن نجعل من المؤتمر المقبل حول المناخ، الذي تنظمه الأمم المتحدة في دوربان بجنوب أفريقيا، مؤتمرا ناجحا».

وعلى الرغم من الاختلافات، شدد الجانبان على اللهجة الإيجابية للاجتماعات عموما، بما في ذلك حضور مسؤولين في الجيش الصيني الاجتماعات. وقال مراقبون في واشنطن إن الحكومة الأميركية كانت أعلنت مرات كثيرة عن عدم قدرتها على الحصول على معلومات مفصلة ومؤكدة عن القوة العسكرية للصين. وكررت رغبتها في مناقشة القضايا الاستراتيجية مثل الأسلحة النووية. ولهذا؛ تأتي فرصة حضور الجنرالات الصينيين اجتماعات اقتصادية في المرتبة الأولى لصالح الأميركيين الذين يستطيعون الربط بين سياسات الصين الاقتصادية والعسكرية والسياسية.

وقال المسؤول الأميركي الكبير إن الجانبين يعتزمان مناقشة قضايا في السياسة الخارجية، مثل: أفغانستان، والبرنامج النووي الإيراني، والوضع في كوريا الشمالية المسلحة، بما في ذلك البرنامج النووي. وقالت كلينتون عن كوريا الشمالية: «إننا نواصل حث كوريا الشمالية على اتخاذ إجراءات ملموسة لتحسين العلاقات مع كوريا الجنوبية، وللامتناع عن المزيد من الاستفزازات، ولاتخاذ خطوات لا رجعة فيها للوفاء بالتزاماتها الدولية تجاه نزع السلاح النووي».

وأشار مراقبون إلى بيان صدر من البيت الأبيض مع بداية الاجتماعات الأميركية - الصينية بأن الرئيس أوباما اتصل هاتفيا برئيس الوزراء الهندي، مانموهان سينغ، وأنهما تحدثا عن «القضايا التي تهم الجانبين، الثنائية والدولية»، ونوه بأن قتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، كان من المواضيع التي نوقشت، وذلك على خلفية تعاون وثيق بين البلدين في الحرب ضد الإرهاب.

واعتبر مراقبون أنها ليست صدفة أن يصدر هذا البيان من البيت الأبيض يوم بداية الاجتماعات مع الصين، معتبرين أن واشنطن تسعى إلى توسيع العلاقات مع كل من الصين والهند، لكن القوتين الآسيويتين كثيرا ما تريدان كسب واشنطن على حساب الأخرى، ولهذا؛ أراد أوباما تذكير كل منهما بذلك. وعن القضايا الاقتصادية، قال وزير الخزانة الأميركي، تيموثي غيثنر: «كانت هناك مناقشات واعدة جدا»، في السياسة الاقتصادية الصينية. وتشمل هذه رفع قيمة العملة الصينية، وحماية حقوق الشركات الأميركية والأجنبية الأخرى في الصين. وفي رده على سؤال من صحافي، قال الوزير إن هناك صلة بين القضايا الاقتصادية وحقوق الإنسان، وإن الولايات المتحدة تستخدم مثل هذه الاجتماعات لحث الحكومة الصينية، التي يسيطر عليها الحزب الشيوعي، لتخفيف السيطرة المركزية على نظامها المالي. ولفصح المجال للحرية الاقتصادية والسياسية. وكان مصدر في السفارة الصينية في واشنطن قال إن الصين قلقة على زيادة ديون الولايات المتحدة، وعلى تأثير ذلك على الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة، وعلى الوضع الاقتصادي العالمي.

وفي الجانب الآخر، قال مصدر في وزارة الخزانة الأميركية إن المشكلة الأكبر هي انخفاض سعر العملة الصينية التي تجعل الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة أرخص كثيرا من المنتجات الأميركية المماثلة. وقال مراقبون في واشنطن إن أهمية المحادثات تزيد لأن أسبوعا واحدا فقط بقي على موعد موافقة الكونغرس على رفع الحد القانوني لاستدانة الحكومة الأميركية من البنوك، لمواجهة العجز المستمر في الميزانية السنوية، وإن العجز في الميزانية لهذه السنة وصل إلى تريليون ونصف التريليون، بينما وصلت جملة ديون البنوك على الحكومة الأميركية 14 تريليون دولار.

وأول من أمس، قال متحدث باسم الوفد الصيني إنهم يراقبون المحادثات بين الرئيس أوباما وقادة الحزب الجمهوري في الكونغرس حول رفع الحد القانوني للاستدانة، وأضاف: «نأمل أن الولايات المتحدة ستقدر على اتخاذ تدابير فعالة» لمواجهة مشكلة الاستدانة.

وقال مسؤول في وزارة الخزانة إنهم وضعوا قائمة من المطالب التي تشمل تقديم تسهيلات إلى الشركات الأميركية، وإسراع تنفيذ إصلاحات في السوق المالية الصينية، وتنفيذ مرونة في نظام صرف العملات الأجنبية، ورفع سعر الفائدة في البنوك الصينية، ورفع قيمة العملة الصينية.