الجلسات السياسية بالمقاهي المصرية تستقطب مشجعي كرة القدم

يبحثون فيها شؤون الانتخابات وشخصية الرئيس القادم

TT

أصبحت الجلسات السياسية بالمقاهي المصرية تستقطب مشجعي كرة القدم الأكثر شعبية في البلاد.. يقود مثل هذه الجلسات الشباب ويبحثون خلالها شؤون الانتخابات وشخصية الرئيس القادم.

وعلى الرغم من سرعة الحركة في هذا الوقت من المساء وفوضى السيارات العابرة لميدان التحرير بوسط القاهرة للحاق بمواجهة في كرة القدم بالدوري المصري بين فريق الزمالك وفريق الجونة، فإن ذلك لم يؤثر على المترددين على المقهى المطل على الميدان، وغالبيتهم من الشباب، ولم تصرف المباراة انتباه غالبيتهم عن الدردشة السياسية التي تحمل في طياتها جميع الاحتمالات التي يمكن أن يؤول إليها مصير بلادهم.

في الماضي كان هؤلاء الشبان لا يقصدون المقاهي في مثل هذا الوقت إلا من أجل التبارز بالكلمات حول مباريات كرة القدم وأندية الدوري والكأس. وبعد أن شارك الملايين منهم في الاحتجاجات الضخمة التي أطاحت بحكم الرئيس المصري حسني مبارك، بدا أن الحديث حول كرة القدم لم يعد هو ما يثير الاهتمام.

الحركة داخل المقهى تتسم بهدوء المكتبات؛ معظم الزبائن من طلاب الجامعات أو الباحثين عن لحظات هادئة للاستذكار أو مراجعة بعض الملفات. كانت الموسيقى تنساب من جانب المقهى، مع صوت ماكينة الكابتشينو ونقر الزبائن على مفاتيح حواسبهم المحمولة. ويقول محمد، وهو طالب في جامعة القاهرة يبلغ من العمر 22 عاما: «نحن في انتظار ما ستسفر عنه الأيام المقبلة»، في إشارة إلى الترتيبات السياسية التي ستفرز برلمانا جديدا بحلول شهر سبتمبر (أيلول)، وسوف تعقبها انتخابات رئاسية.

ويدير مجلس عسكري البلاد في الوقت الحالي، ورغم وقوع حوادث طائفية وشكوى المصريين من «غياب الأمن»، فإن مشاحنات الشبان التي كانت تدور حول مباريات كرة القدم، أصبحت تتجه إلى التفكير في المستقبل. وكان التلفزيون يذيع مباراة حامية الوطيس بين الزمالك والجونة، لكن محمد وزملاء له لم يكونوا بذلك الحماس القديم.. «أنا الآن أحاول أن أقنعهم بالانضمام إلى حزب الوفد، لكن هم يريدون الانخراط في أحزاب جديدة، بل يحفظون عن ظهر قلب أسماء الوزراء وقادة الأحزاب ومن يطمحون إلى الترشح لانتخابات الرئاسة المقبلة».

تقول الباحثة الاجتماعية هبة جويد من مركز الدراسات الاجتماعية بالجامعة الأميركية بالقاهرة إن الشباب المصري كان يعرف بالكاد أسماء الوزراء والأحزاب. وتضيف: «كان الملاحظ أن عددا قليلا جدا من عرف رئيس الوزراء الذي كان وقتها أحمد نظيف، وأن آخرين صنفوا الحزب الوطني الحاكم سابقا على أنه حزب معارض». وسبق لكل من جويد بالتعاون مع الحقوقي المصري محمود هزاع، إجراء بحث ميداني حول الوعي السياسي لدى الشباب الجامعي، في الفترة التي سبقت ثورة 25 يناير (كانون الثاني) المصرية.

وتضيف جويد، متحدثة لـ«الشرق الأوسط» أن البعض من الشباب قبل الثورة «كان يعلل سبب عدم اهتمامه بمعرفة أبسط المعلومات السياسية، إلى أنها لا تمثل أهمية بالنسبة له، وأنه لا فائدة من معرفتها لأنها لن تغير شيئا، ولأن الدولة كانت تسيطر على كل شيء حتى أصوات المعارضة».

زخم الاهتمام بالشؤون السياسية في أوساط الشباب انتشر بشكل كبير منذ مطلع العام الحالي من خلال «فيس بوك» احتجاجا على «القمع والبطالة»، وبعد ثورة 25 يناير زاد هذا الزخم بشكل لافت، ونزل إلى المقاهي في وسط المدينة وفي الأحياء الشعبية.. «لكن ليس للحض على تنظيم الاحتجاجات والقيام بثورة جديدة، ولكن من أجل محاولة بناء دولة جديدة عن طريق انتخابات برلمانية ورئاسية قادمة في الطريق»، حسب ما يقول محمد، وهو يلوح بذراعه في أمل من باب المقهى إلى الميدان الواسع.

في المقهى نفسه أصبحت معظم تعليقات الشباب مستوحاة من الحياة السياسية بعد أن كان معظمها يدور، قبل الثورة، عن مباريات الكرة. ويضيف محمد: «أذكر قبل الثورة كم كنا نسخر من أي شيء.. في المقهى المجاور لبيتنا في ضاحية المعادي (جنوب القاهرة) كنا لا نأبه لغير الكرة وتأليف النكات. الآن جيراني يفاضلون بين السياسيين ورجال الدين الذين ظهروا على السطح».

ويعلق الدكتور سعيد عبد العظيم، أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة، قائلا «إن الثورة أحدثت تغييرا في رغبة واهتمام الناس بوجه عام حول الحالة السياسية وأصبحوا يشعرون بأن عليهم أن يشاركوا في الحياة السياسية مثل ما حدث خلال الاستفتاء الدستوري في 19 مارس (آذار) الماضي».

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: لذلك يمكن القول إن الأمور تغيرت بشكل معقول عن السابق، وإن الشباب أصبح لديه الاهتمام بالمعلومات وما تمثله من قوة وأيضا لديه قدرة جيدة على التواصل الجيد بالعالم الخارجي والواقع الداخلي.

ومن جانبها، تقول الدكتورة أماني مسعود أستاذة الاجتماع السياسي بجامعة القاهرة لـ«الشرق الأوسط» إن روح المشاركة وقفت عند مرحلة المعلومة والمفروض، لبلورة الوعي السياسي.

ويمثل الشباب غالبية كبيرة من عدد سكان مصر البالغ نحو 80 مليون نسمة. ومنذ خروج ملايين المصريين إلى الشوارع بمناسبة فوز فريقهم ببطولة أفريقيا لكرة القدم العام الماضي، لم تشهد محافظات مصر أي تجمعات كبيرة مماثلة إلا في المظاهرات المليونية التي كان الشباب وقودها طيلة 18 يوما خلال شهري يناير وفبراير (شباط).

وتتراوح أعمار هؤلاء الشبان حول العشرينات، ولم يكن من الممكن التحدث بمثل هذه الحرية عن الأحزاب ومرشحي الرئاسة وطرق مكافحة الفساد. ويضيف محمد: «في السابق كنا نراقب الأحوال السياسية، وإذا تحدثنا كنا نتحدث بصوت خفيض خشية القبض على أي منا.. الثورة حلت جهاز أمن الدولة. لم نعد نخاف من الكلام في السياسة حتى لو كان ذلك على المقهى».

وسأل نادل المقهى بدوره عمن يمكن أن يصلح رئيسا لمصر، وقال بلا مقدمات وهو يدخل في الحوار مع الشباب، تاركا سير مباراة كرة القدم: منذ أقل من أربعة أشهر لم يكن يشغلهم سوى أمر واحد هو الفريق الذي سيفوز بالدوري، نادي الزمالك أم نادي الأهلي.