عودة الحياة إلى ميدان السراي في السليمانية.. وباعته: مصالح تضررت بسبب الاحتجاجات

مسؤول كردي لـ «الشرق الأوسط»: المعارضة لا تعرف ماذا تريد.. وشباب الميدان يرد: استغلتنا

الحياة عادت طبيعية في ميدان السراي وسط السليمانية أمس («الشرق الأوسط»)
TT

الحياة تجري بصورة طبيعية، طبيعية جدا، في مدينة السليمانية، خاصة في ميدان السراي وسط ثاني أكبر مدينة في إقليم كردستان العراق، ذلك الميدان الذي يعتبر القلب التجاري الناشط في المدينة، والذي كان على مدى ما يقرب من شهرين مسرحا ومعقلا للمحتجين على سياسات حكومة الإقليم التي يترأسها الدكتور برهم صالح.

ففي حين أطلق مسؤول أمني كردي كبير تسمية «المخربين» على المتظاهرين، فإن أحد الشباب الذين كانوا معتصمين في ميدان السراي أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «مظاهراتنا كانت سلمية، ومطالبنا كانت مشروعة حتى تم اختراقها من قبل أحزاب إسلامية وغير إسلامية معارضة للحكومة، وغيرت من اتجاهات مطالبنا ورفعت من سقفها»، منبها إلى أن «مطالبنا كانت تنادي بإيجاد فرص عمل للعاطلين ومكافحة مشكلة البطالة وتوفير الخدمات الأساسية للناس، وعند هذه الحدود لم تكن هناك أي مشكلات مع الحكومة التي فتحت الحوار معنا لمعالجة هذه المشكلات، ولا مع الأجهزة الأمنية التي كانت تراقب سير المظاهرات عن قرب من دون تدخل».

ويضيف هذا الشاب الذي فضل أن يذكر اسما مستعارا (آزاد)، وهو خريج كلية الآداب بجامعة السليمانية، قائلا «أنا تخرجت منذ أكثر من عامين ولم أجد أي فرصة عمل مناسبة لي، بينما يتم توظيف غيري من غير الحاصلين على شهادات جامعية بسبب انتماءاتهم الحزبية، أنا لم أطالب سوى بحقوقي»، مشيرا إلى أن «الأحزاب الإسلامية وحركة التغيير استغلت هذه المظاهرات لترفع سقف المطالب إلى تغيير رئاسة الإقليم والحكومة والبرلمان، وهذه مؤسسات دستورية منتخبة وليس من المعقول تغييرها بهذه السهولة، بينما ليس من الصعوبة معالجة مشكلات العاطلين والأوضاع الاقتصادية والخدمية».

لكن هافال، وهو شاب ناشط في حركة التغيير، يرى أن «شباب كردستان ليسوا أقل عزما من شباب تونس ومصر وليبيا وسوريا الذين فجروا ثورات التغيير في بلدانهم ومن أجل خير شعوبهم»، وعندما نوهنا بأن هؤلاء الشباب فجروا ثورات ضد أنظمة ديكتاتورية بينما برلمان ورئاسة وحكومة إقليم كردستان منتخبة وجاءت عبر صناديق الاقتراع، فإنه أجاب «الانتخابات كانت مزورة وليست نزيهة، حتى وإن كانت قد حصلت خلالها حركة التغيير على ربع مقاعد البرلمان، ولو كانت الانتخابات نزيهة لكنا قد حققنا أغلبية في برلمان الإقليم، والحكومة يسيطر عليها الحزبان الرئيسيان (الديمقراطي الكردستاني بزعامة رئيس الإقليم مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي جلال طالباني) وفرص العمل تذهب إلى أعضاء وأنصار هذين الحزبين بينما يعاني شبابنا وحتى المستقلون من البطالة وسوء الأوضاع الاقتصادية».

لكن جعفر مصطفى، وزير البيشمركة، يصر على تسمية من كانوا معتصمين في ميدان السراي بالمخربين، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هؤلاء ليسوا متظاهرين، ولأنهم لم يلتزموا بقوانين الإقليم القاضية بحصولهم على إجازة مسبقة للتظاهر فإن الشرطة والأسايش (الأمن الداخلي) قاما بتفريقهم»، مشيرا إلى أن «الحصول على إجازة للتظاهر يوضحون فيها موعد ومكان التظاهر مسبقا مسألة حضارية وديمقراطية ومعمول بها في كل الدول الديمقراطية، كما أن الحكومة حريصة على توفير الأمن وحماية المتظاهرين ومصالح الآخرين في الوقت ذاته».

وشدد وزير البيشمركة في الإقليم على أن «حكومتنا تلتزم بالقوانين التي شرعها برلمان إقليم كردستان وصادق عليها رئيس الإقليم، ونحن نحترم حقوق شعبنا في التعبير عن رأيه بصورة شفافة، لكننا وجدنا في ساحة السراي من يحرض على العنف والاقتتال من خلال دعوات بعض الأحزاب الإسلامية للجهاد، وهذا يعني الاقتتال الداخلي الذي يذهب ضحيته الأبرياء من أبناء شعبنا بعدما كنا قد غادرنا وإلى الأبد هذا الموضوع، وطوينا تلك الصفحة نهائيا»، منبها إلى أنه «من الغريب أن حركة التغيير (كوران) تضامنت مع الأحزاب الإسلامية لتغيير دفة المظاهرات من سلمية وتنادي بمطالب مشروعة إلى تغيير رئاسة وحكومة وبرلمان الإقليم الذي وصل عبر صناديق الاقتراع ومن خلال انتخابات نزيهة، ولو أن اعتراضهم اليوم على نزاهة الانتخابات لكانوا أوضحوا ذلك بعد ظهور النتائج والتصديق عليها وقتذاك، علما بأن هذه الانتخابات هي التي جاءت بحركة التغيير والأحزاب الإسلامية إلى البرلمان، لكن انحسار شعبية هذه الأحزاب دفعهم إلى رفع شعارات غير واقعية على الإطلاق».

مسؤول بارز في حكومة إقليم كردستان، وهو قيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، علق قائلا لـ«الشرق الأوسط»، إن «مشكلة المعارضة الكردية أنها لا تعرف ماذا تريد، فقد اقترح عليهم السيد رئيس الإقليم العودة إلى مقاعد البرلمان والتحاور من خلال الطرق الدستورية، والمشاركة في الحكومة أو إجراء انتخابات مبكرة، لكنهم يصرون على قيام حكومة انتقالية تشرف على انتخابات مبكرة مخالفة لقرارات البرلمان الذي يمثل شعبنا الذي جدد الثقة في حكومة برهم صالح»، مشيرا إلى أن «هناك تغييرا وزاريا، وهذا التغيير مرهون بموافقة المعارضة على المشاركة بالحكومة».

وفي جولة لـ«الشرق الأوسط» في ميدان السراي، حيث باعة الكتب الجائلون الذين يعرضون عناوين مختلفة من الكتب الكردية والعربية، وهذا ما يميز هذا الميدان، قال أحد باعة الكتب «لقد عدنا إلى بيتنا الأصلي، إلى مصالحنا التي تضررت بسبب المظاهرات، فخلال أيام احتلال الساحة من قبل المتظاهرين لم نكن نجد ثمن لقمة خبز عوائلنا، وهذا باعتقادي تخريب وعمل ضد مصالح الناس الفقراء الذين يقول المتظاهرون إنهم يمثلونهم»، بينما أصر صاحب محل لبيع الملابس الرجالية على تسمية المتظاهرين بالمخربين «فنحن كنا قد أغلقنا محلاتنا طوال أيام المظاهرات خوفا من سرقتها، إذ لا نعرف من كان مندسا بين المتظاهرين الذين كانت تقلقنا صرخاتهم وخشينا حتى على حياتنا وعلى مستقبل استقرار الإقليم».

وأوضح كاوة بكر، الذي كان يتسوق من محل لبيع الأجهزة الكهربائية، أن «الإقليم مقبل على وضع اقتصادي متميز من خلال استقراره الأمني والاستثمارات الواسعة، وهذه القلاقل تهدد أمن ومصالح الناس كلها».