تشيلي المفتقرة للطاقة تضحي بالسياحة من أجل الكهرباء

حكومتها أقرت مشروع سدود ضخما بقيمة 7 مليارات دولار وسط اعتراض 61% من المواطنين

صورة أرشيفية لسكان يعترضون على إقامة سدود في منطقة باتاغونيا السياحية في جنوب تشيلي وارتدى بعضهم فانيلات كتب عليها «باتاغونيا من دون سدود» (رويترز)
TT

وافقت لجنة حكومية في تشيلي في الآونة الأخيرة، رغم مواجهة موجة من الاعتراضات، على مشروع بقيمة 7 مليارات دولار لإقامة سدود على نهرين من أكثر أنهار العالم سرعة واندفاعا بهدف توليد الكهرباء. واختتم أعضاء اللجنة، وجميعهم من المعينين السياسيين في حكومة الرئيس سيباستيان بينيرا، مراجعة بيئية مدتها ثلاث سنوات بالموافقة على إنشاء خمسة سدود على أنهار بيكر وباسكوا في منطقة ايسين التي لا يوجد طرق في معظمها والواقعة في منطقة باتاغونيا الجنوبية النائية والتي تهطل فيها الأمطار بشكل دائم تقريبا وتندفع فيها الأنهار من أنهار الانديز الجليدية إلى المحيط الهادي عبر الوديان الخضراء والمضايق.

ويمكن أن يكون التصويت، الذي تم بموافقة 11 عضوا وامتناع عضو واحد فقط، محوريا بالنسبة لمستقبل تشيلي، التي تتمتع باقتصاد مزدهر وثروات معدنية هائلة، وتملك العزم على الانضمام إلى مصاف الدول الأولى في العالم.

ونتيجة لأن صناعة التعدين كثيفة الاستخدام للطاقة وتحتاج لمزيد من الطاقة وعلى ضوء تحسن مستويات المعيشة، يقول محللون إنه يجب على تشيلي أن تضاعف إنتاجها من الطاقة ثلاث مرات في غضون 15 عاما فقط، على الرغم من عدم إنتاجها للنفط أو الغاز الطبيعي محليا. وتستورد تشيلي 97 في المائة من احتياجاتها من الوقود الأحفوري وتعتمد بشكل كبير على الطاقة المائية لتوليد الكهرباء، مما يخلق أزمة عندما يتم استنزاف الاحتياطي بسبب الجفاف أو تؤثر الخلافات على واردات الطاقة.

ويقول مؤيدو إقامة السدود إن الفوائد الاقتصادية للمشروع تبرر نحت الطرق في قلب الأجزاء البرية المتبقية في تشيلي وعمل ألف ميل (1600 كيلومتر) من خطوط نقل الطاقة إلى العاصمة سانتياغو. وقال دانيال فرنانديز، نائب الرئيس التنفيذي لمشروع «هيدروايسين»: في غضون 12 عاما، يمكن أن تقوم السدود معا بتوليد 2.75 غيغاواط، ما يقرب من ثلث القدرة الحالية لتشيلي. وستتمتع منطقة ايسين بطاقة قليلة التكلفة، ووظائف، ومنح دراسية، بالإضافة إلى بنية تحتية بقيمة 350 مليون دولار، بما في ذلك الموانئ والمطارات.

ولكن هناك انقسام بين الناس في المنطقة التي يوجد بها عدد قليل من السكان في أماكن متفرقة. وسيتم نقل 36 أسرة فقط، ولكن السدود ستوفر المياه لـ5700 هكتار، وستتطلب نحت أماكن واضحة في الغابات، وستقضي على المنحدرات والشلالات التي تجذب السياحة البيئية. كما ستقوم هذه السدود بتدمير موطن الغزلان المهددة بالانقراض: يعتقد أن ما سيتبقى من هذه الحيوانات الصغيرة، التي تعد رمزا لتشيلي، سيكون أقل من 1000.

ونقلت وكالة «أسوشييتد برس» في تقرير لها حول الموضوع، عن إليزابيث سكينديل، وهي مربية مواشٍ وتعيش مع زوجها وطفليها في منطقة «ناديس» التي ستغمرها المياه، أنها «لا تريد أن تترك الـ500 هكتار التي تربي فيها الماشية والأغنام، على الرغم من موافقة جيرانها على ترحيلهم». وأضافت: «ليس هناك أرض مثل أرضنا».

وطلب روبرت كيندي الابن، وهو محام بمجلس الدفاع عن الموارد الوطنية الذي يتخذ من الولايات المتحدة مقرا له، من بينيرا إلغاء المشروع. وقال كيندي، الذي يذهب لهذه المنطقة كل عام ليتمتع بركوب زورقه في هذه المنطقة الجليدية: «في اعتقادي، أنها أجمل مكان على هذا الكوكب. أنا لا أعرف أي مكان بروعة باتاغونيا».

وعلى الرغم من إنفاق المستثمرين لنحو 220 مليون دولار على المشروع حتى الآن، ازدادت المعارضة إلى 61 في المائة من التشيليين، وفقا لآخر استطلاع أجراه معهد ايبسوس للشؤون العامة، وتشعر الحكومة بالقلق من رد الفعل. تجمع أكثر من 1000 شخص خارج مقر الجلسة التي تعقدها اللجنة لمناقشة الأمر في مدينة كويهيك، ورددوا هتافات وحملوا لافتات تندد بالمشروع، وقام بعضهم برشق سيارات أعضاء اللجنة بالحجارة، واشتبكوا بعد ذلك مع مئات من رجال الشرطة، الذين استخدموا خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين. وجرح عدد من المحتجين في المصادمات، وتم الإبقاء على أعضاء اللجنة بالداخل لحمايتهم.

أما في وسط مدينة سانتياغو، فقطع عدة آلاف من الأشخاص الطريق الرئيسي احتجاجا على المشروع واستخدمت الشرطة خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين. وكان وزير التعدين والطاقة لورانس جولبورن قد دعا المعارضة إلى اللجوء إلى القضاء، وقد تعهدوا بالفعل برفع دعوى للاستئناف. وقال باتريسيو رودريغو، المتحدث باسم تحالف «باتاغونيا من دون سدود»: «سنواصل القتال حتى يتم إلغاء هذا المشروع. هذا المشروع يسلب منا سيادتنا».

لكن وزير الداخلية رودريغو هينزبيتر، الذي أرسل الشرطة لاحتواء الاحتجاجات، فقال: «الشيء الأكثر أهمية هو أن بلدنا بحاجة إلى النمو والتقدم، ولهذا فنحن بحاجة للطاقة».

ويشار إلى أن تشيلي تملك وفرة من الطاقة المتجددة، بدءا من السدود على أنهارها الكثيرة وحتى الطاقة الشمسية على مدار السنة في الصحارى في الشمال، والرياح على طول ساحل المحيط الهادي. وعلى الرغم من ذلك، تحصل تشيلي على أقل من 5 في المائة من احتياجاتها من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بدلا من الطاقة الكهربائية، ولم تفعل شيئا يذكر لتشجيع كفاءة الطاقة، وتفتقر إلى استراتيجية لتأمين الإمدادات في المستقبل، على الرغم من أن لجنة حكومية ستقوم بعرض هذه التوصيات بحلول شهر سبتمبر (أيلول).

وفي حين يقوم عدد كبير من البلدان بتحديث الشبكات لتمكين عدد لا يحصى من الأفراد الذين يستخدمون الألواح الشمسية على أسطح المنازل من أن يساهموا في إنتاج الكهرباء، ما زالت شبكات الطاقة في تشيلي غير مرتبطة ببعضها.

إنه إرث آخر مما خلفه الديكتاتور أوغستو بينوشيه: لكي يشجع التنمية ويتراجع عن محاولات سلفه الاشتراكي في إصلاح الأراضي، جعل المجاري المائية ملكا لشركة الطاقة التابعة للدولة وألغى اللوائح التي تحمي المنافسة. وظلت هذه القواعد حيز التنفيذ حتى بعد أن تمت خصخصة الشركة وبيعها للأجانب.

وأضاف كيندي: «المشروع ليس له معنى من الناحية الاقتصادية. يأتي الطلب الكبير على الطاقة من الجزء الشمالي للبلاد وصناعة المعادن، والموارد متاحة بالفعل في تلك المناطق. تعد صحراء أتاكاما مكانا مثاليا لإنتاج الطاقة الشمسية الحرارية، حيث تسطع الشمس بها طوال العام، وخطوط الطاقة موجودة بالفعل، وفي معظم الحالات تكون على بعد أميال قليلة من الصناعات التي تزودها بالطاقة. السبب الوحيد وراء بناء هذه السدود هو النفوذ السياسي للشركة الإسبانية الإيطالية للطاقة (انديسا) على حكومة بينيرا».

من جهة أخرى، قال فرنانديز إن المشروع سيساعد تشيلي على أن تحصل على أرخص وأنظف أنواع الكهرباء. كما وصف الكثير من خبراء الطاقة في تشيلي الطاقة الشمسية بأنها غير قادرة على المنافسة، وحذروا من أن البديل الوحيد هو الفحم المستورد الذي يلوث البيئة. وكانت تشيلي قد وافقت مؤخرا على قيام أكبر محطة تعمل بالفحم في أميركا اللاتينية بتوفير الطاقة لمنجم بالقرب من الصحراء الشمالية. ويوم الجمعة الماضي، تمت الموافقة على محطتين تعملان بالفحم.

وربما لن يؤدي القرار الذي تم التوصل إليه يوم الاثنين الماضي ببناء السدود إلا إلى مزيد من الجدال حول المشروع، حيث يتوقع خبراء البيئة المزيد من الضرر الناجم عن خطوط النقل، التي ستتم عمل دراسة مستقلة حول تأثيرها على البيئة في شهر ديسمبر (كانون الأول). ومن الممكن أن يؤدي بناء هذه السدود إلى فتح مزيد من آفاق التنمية في باتاغونيا، ومن الممكن أن تجذب المياه الوفيرة في المنطقة المزيد من السدود بمجرد بناء هذه الخطوط.