اليمن: سقوط المزيد من القتلى والجرحى.. والمتظاهرون يحرقون مقر الحزب الحاكم بالبيضاء

أوضاع أمنية وسياسية متوترة في جميع المحافظات اليمنية دون استثناء

معارضون يمنيون يواصلون احتجاجاتهم للمطالبة بتنحي الرئيس علي عبد الله صالح في تعز أمس (أ ب)
TT

تصاعدت حدة المواجهات والأزمة، في اليمن، بين النظام والشارع المطالب برحيل الرئيس علي عبد الله صالح، حيث تجددت الصدامات بين المتظاهرين وقوات الأمن واستمر سقوط القتلى والجرحى، في ظل أوضاع أمنية وسياسية متوترة في جميع المحافظات اليمنية دون استثناء.

وفي يوم جديد وصف بالدامي، سقط 3 قتلى في محافظة البيضاء بين قوات الأمن المركزي ومعها الحرس الجمهوري، وفي محافظة تعز سقط قتيل واحد على الأقل، وجرح العشرات في المحافظتين، في سياق التصعيد الذي دعا إليه شباب الثورة باليمن من أجل الإطاحة بنظام الرئيس علي عبد الله صالح، وأعلنت مصادر طبية ارتفاع عدد ضحايا القمع الأمني الذي طال المتظاهرين في صنعاء إلى 13 شخصا، في المواجهات التي دارت أثناء محاولة المتظاهرين الاعتصام أمام مجلس الوزراء بوسط العاصمة صنعاء.

وقال شهود عيان إن قوات الأمن أطلقت الرصاص الحي على مسيرة سلمية في محافظة البيضاء التي دخلت على خط الاحتجاجات بقوة في الآونة الأخيرة، ونجحت فيها عدة عصيانات مدنية، ورد المتظاهرون على سقوط قتلى في صفوفهم بإحراق مقر حزب المؤتمر الشعبي العام (الحاكم) بالمحافظة، وخرج آلاف المواطنين في مظاهرة بالبيضاء للمطالبة بإسقاط النظام ورحيل الرئيس علي عبد الله صالح، وحسب المصادر فقد هاجم المسلحون المدنيون أو «البلاطجة» المتظاهرين، في حين أطلق قناصة الرصاص باتجاه المشاركين في المظاهرات من فوق مبنى حزب المؤتمر الشعبي العام بالمحافظة، وهو الأمر الذي أدى إلى قيام المتظاهرين بمهاجمة المقر وإحراقه.

وواصل المحتجون في محافظة تعز محاولاتهم للسيطرة على المقار الحكومية بعد أن سيطروا، أول من أمس، على عدد من المكاتب ضمن خطة الزحف التي أقرتها ساحات التغيير والحرية، وقامت قوات الأمن بإطلاق الرصاص الحي والغازات السامة والقنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين الذين يحتلون شارع جماع عبد الناصر في مدينة تعز، وحسب مصادر طبية فقد استقبل المستشفى الميداني بـ«ساحة الحرية» العديد من الجرحى جراء ذلك، وكان ما لا يقل عن 5 متظاهرين قتلوا، أول من أمس، في قمع الاحتجاجات، غير أن المتظاهرين تمكنوا من السيطرة على مكاتب التربية والتعليم، والخدمة المدنية، والجمارك وغيرها، رغم التشديد الأمني، وما زالوا يسيطرون عليها حتى اللحظة.

وأثار سقوط العشرات من القتلى والجرحى برصاص قوات الأمن اليمنية، ردود فعل، محلية وخارجية، منددة بقتل وجرح المتظاهرين والمعتصمين، وخاصة أن المواجهات لم تقتصر على ما شهدته ساحة مجلس الوزراء اليمني، وإنما تجاوزتها إلى قيام قوات أمنية ومجاميع «البلاطجة» بمهاجمة «ساحة التغيير» أمام جامعة صنعاء، وسقط في ذلك الهجوم الذي يبدو أنه جاء ردا على تحرك المحتجين إلى مقر الحكومة، قتلى وجرحى، ونددت شخصيات يمنية بارزة كالشيخ صادق عبد الله الأحمر، وهيئة علماء اليمن وغيرها، بما تعرض له المحتجون، كما أدانت منظمة العفو الدولية وفرنسا والولايات المتحدة الاستخدام المفرط للقوة ضد المعارضين لنظام الرئيس صالح، وقال بيان صادر عن «امنستي إنترناشونال» إنه «يجب على قوات الأمن في اليمن أن تتوقف فورا عن استخدام الذخيرة الحية على المتظاهرين غير المسلحين»، ودعت الحكومة اليمنية إلى السماح للمواطنين بالتعبير عن آرائهم.

أما الاتحاد الأوروبي فقد أدان بعبارات شديدة ما يجري في اليمن، وقالت ممثلة الاتحاد للشؤون الخارجية، كاثرين أشتون، في بيان صادر عنها، إنها تتابع و«بقلق بالغ التطورات الجارية في اليمن وأدين بأشد العبارات العنف والقمع المتواصل للمحتجين في صنعاء وتعز والمدن اليمنية الأخرى. وأدعو الحكومة وقوات الأمن لوقف استخدام العنف فورا»، ورحب بيان أشتون بالبيان الصادر عن قمة مجلس التعاون الخليجي و«الذي حث الأطراف اليمنية على توقيع خطة الانتقال السياسي»، وقالت أشتون: «أود أن أضم صوتي إلى أصوات الزعماء الخليجيين في دعوة الجانبين للتوقيع عليها وتنفيذها دون مزيد من التأخير.. حيث يكمن الحل فيها، ووقتها الآن، وقد طال انتظار اليمنيين كثيرا».

وقدرت مصادر محلية عدد القتلى الذين سقطوا خلال الساعات الـ24 الماضية بنحو 19 شخصا، إضافة إلى مئات الجرحى الذين بعضهم في حال حرجة، وكما جرت العادة، خلال الأسابيع القليلة الماضية، فقد دعا شباب الثورة إلى مظاهرات مليونية، اليوم، فيما سميت بـ«جمعة الحسم»، وقالت اللجنة التنظيمية للثورة الشبابية الشعبية إن «الأيام القليلة المقبلة ستشهد إسقاط الطاغية»، حسب تعبير البيان، في حين دعا الرئيس علي عبد الله صالح أنصاره إلى التظاهر في صنعاء فيما أطلق عليها «جمعة الوحدة»، وقالت مصادر رسمية إن جموعا حاشدة من أبناء القبائل اليمنية بدأت في التوافد على العاصمة صنعاء للمشاركة في المظاهرة.

وفي أعقاب الأحداث الدامية، دعت شخصيات قبلية معارضة القبائل اليمنية إلى التوجه إلى ساحات الاعتصام لحماية أبنائها المعتصمين من «بطش النظام»، كما أعلنت بعض القبائل مواقف منددة بما حدث من «مجازر»، وأكدت أنها لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء تكرار قتل المعتصمين المسالمين في الساحات، هذا في وقت تخوض فيه بعض قوات الجيش مواجهات متفرقة مع قبائل في الحيمة الخارجية بمحافظة صنعاء ومع قبائل في مديرية يافع بمحافظة لحج وغيرها من المناطق، كما أن العديد من القبائل تمنع تحركات قوات الجيش وانتقالها إلى العاصمة صنعاء أو غيرها بمحاصرتها في معسكراتها، وذلك خشية أن تساهم تلك القوات في قمع الاحتجاجات السلمية.

وتجري هذه التطورات في اليمن، في ظل توتر شديد بعد أن راوحت المبادرة الخليجية لحل الأزمة في اليمن مكانها، وهي التي كانت تنص على أن يتنحى الرئيس علي عبد الله صالح عن السلطة في غضون شهر من تاريخ التوقيع عليها، وتعتقد الأوساط اليمنية أن المبادرة باتت في حكم المنتهية، خاصة بعد أن عزم شباب الثورة على حسم مشوار احتجاجاتهم الذي مضى عليه قرابة 4 أشهر، من خلال التصعيد والزحف على المقار الحكومية لتعطيل أي نشاط حكومي، كنوع من أنواع الضغط على صالح للتنحي الفوري.

وقد أثارت خطوة الزحف على المباني الحكومية المهمة انقساما في أوساط شباب الثورة والكيانات والائتلافات الشبابية الموجودة في ساحات التغيير والحرية، وشن نشطاء وناشطات بارزون حملة هجوم على الصحافية والناشطة توكل عبد السلام كرمان، وحملوها مسؤولية الدماء التي سفكت بسبب تبنيها ودعوتها الشباب إلى الزحف، رغم معارضة الغالبية العظمى من المعتصمين في «ساحة التغيير»، وتطابقت هذه المواقف مع الاتهامات الحكومية التي وجهت إلى الشيخ حميد الأحمر، أمين عام اللجنة التحضيرية للحوار الوطني المعارضة، وللناشطة كرمان بتحمل مسؤولية سقوط قتلى وجرحى، في الوقت الذي حملت فيه المعارضة الرئيس عبد الله صالح وأفراد عائلته ومقربيه المسؤولية عن تلك الدماء.