مصادر فرنسية رسمية: الوقت أخذ ينفد أمام سوريا.. و4 خطوات قيد البحث والتشاور

قالت إن الموقف الدولي مقبل على تغييرات و«عزلة» سوريا تتزايد

TT

«النظام في سوريا بصدد إحراق آخر أوراقه واستنفاد الوقت المتاح له من أجل تغيير سلوكه، والأسرة الدولية لن تتوقف عن تصعيد الضغوط عليه».. هذا باختصار القراءة السائدة اليوم في الدوائر الدبلوماسية الفرنسية لجهة «تشخيص» الوضع في سوريا وتوقع «خارطة الطريق» للتعامل معه في الأيام والأسابيع المقبلة.

وتعتبر المصادر الفرنسية التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أن «عزلة» القيادة السورية على المسرح الدولي «تتزايد» وأن ثمة توجها عاما أوروبيا وأميركيا لممارسة مزيد من الضغوط على النظام السوري سياسيا واقتصاديا وماليا من أجل حمله على تنفيذ أمرين متلازمين، الأول: وقف القمع الذي يمارسه على الحركة الاحتجاجية واستخدام القوة العسكرية ما أدى، بحسب مصادر متعددة، إلى مقتل أكثر من 600 شخص واعتقال الآلاف (ما بين 8 و10 آلاف شخص). والثاني: القيام بحركة إصلاحية حقيقية تتجاوب مع المطالب التي رفعتها الحركة الاحتجاجية من السماح بالتعددية السياسية والحزبية وتوفير الحريات على أنواعها (الرأي والتعبير والتظاهر واحترام حقوق الإنسان).

وترى باريس التي تلتزم موقفا متشددا من تطورات الأحداث في سوريا، وهو متوافق عليه بين الرئيس ساركوزي ووزير الخارجية آلان جوبيه، وهو أن مطالب الأسرة الدولية انحصرت حتى الآن بدفع النظام في سوريا إلى الاستجابة بما في ذلك العقوبات الفردية والعامة التي اتخذتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. غير أن المصادر الفرنسية تؤكد أن الموقف الدولي «مقبل على تغييرات على ضوء السلوك السوري» ولن يكون محصورا في فرض عقوبات إضافية أو توسيع لائحة الأشخاص الذين تشملهم تدابير تجميد أصولهم المالية في المصارف الأوروبية أو حجب تأشيرات الاتحاد الأوروبي عنهم، بحيث تضم اللائحة الجديدة اسم الرئيس بشار الأسد، كما تطالب باريس ولندن وبرلين صراحة ووزير الدفاع وشخصيات نافذة أخرى.

وتؤكد المصادر الفرنسية أن المشاورات «جارية» على الصعيد الأوروبي لتوسيع اللائحة وإدراج أسماء وعقوبات جديدة رغم وجود «تحفظات» لأسباب متنوعة من بعض البلدان الأوروبية. وكانت وزيرة خارجية الاتحاد أعلنت أول من أمس أمام البرلمان الأوروبي وجود هذا التوجه. وبحسب باريس، فإن الاتحاد الأوروبي يعي أن العقوبات التي أقرت أو التي ستقر في الأيام المقبلة لن تسقط النظام، ولكنها ستبين عزلته السياسية الحادة. وقالت هذه المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «تصوروا أنه لن يكون بمقدور الرئيس السوري الذهاب إلى أي عاصمة أوروبية من العواصم الـ27، وتصوروا أن هذه العقوبات لن ترفع بين ليلة وضحاها، بل وجدت لتدوم ما دامت الأسباب التي دفعت إلى اتخاذها قائمة.

غير أن باريس التي تأخذ بعين الاعتبار «دقة» الوضع في سوريا وتركيبتها الاجتماعية والسياسية وانعكاسات ما يحصل فيها على الجوار الإقليمي المباشر فضلا عن أنها تعي تردد الدول العربية في اتخاذ موقف واضح وصريح مما يجري في سوريا ومخاوفها، لا تريد أن تتوقف في منتصف الطريق بل «تفكر» في إجراءات إضافية هي موضع تشاور على الصعيد الأوروبي وعلى ضفتي الأطلسي. وأفادت المصادر الفرنسية بأن «اتصالات قائمة» تحديدا بين باريس وواشنطن ولندن للنظر فيما يمكن العمل به وما يمكن القيام به من خطوات إضافية يذهب أبعد من العقوبات المشددة الأميركية والأوروبية على صعيد مجلس الأمن الدولي أو على الصعيد الجماعي. وإذا كان طريق مجلس الأمن «غير سالك» اليوم بسبب الممانعة الروسية والصينية ودول أخرى، فإن المصادر الفرنسية تقول إن الوضع «يمكن أن يتغير» إذا استمر القمع أو ازداد، مذكرة بما حصل في الموضوع الليبي، حيث عارضت موسكو وبكين طويلا صدور القرار 1973 قبل أن تمتنعا عن استخدام الفيتو وتسمحا بصدوره.

وتقول باريس إن الضغوط على سوريا تأتي على «مراحل» تم اجتياز اثنتين منها حتى الآن وهما: التنديد بالقمع ثم العقوبات الأميركية والأوروبية. وتلحظ المصادر المشار إليها أربع مراحل إضافية، أولها تشديد العقوبات وشمولها الرئيس السوري شخصيا، وثانيها اعتبار أن النظام فقد شرعيته بسبب الأعمال القمعية التي يمارسها، وثالثها اعتبار أنه حان وقت رحيله، ورابعها المطالبة بتدخل العدالة الدولية.

وحتى الآن، لم تقطع باريس «خط الرجعة» مع دمشق، وما زالت تدعوها إلى مراجعة سياستها وانتهاج سياسة أخرى، منطلقة من مبدأ أن فرنسا وغيرها «لا تستطيع السكوت» على ما يجري هناك. وفي الوقت عينه، ترى باريس أن الوقت «أخذ ينفد» في وجه القيادة السورية، وأن دمشق «لا تستطيع الرهان على عجز الأسرة الدولية عن التحرك بسبب الظروف الخاصة بسوريا ولتخوف العرب»، وبالتالي فإنها تدعوها للتصرف «قبل فوات الأوان».

وأمس، علقت الخارجية الفرنسية في بيان لها على تراجع سوريا عن سعيها للدخول إلى مجلس حقوق الإنسان الذي مقره جنيف فاعتبرت أنها «ليس لها مكان» في هذه المؤسسة التي نددت في جلسة خاصة لها قبل أيام بمسؤولية السلطات في القمع الدامي ضد المتظاهرين المسالمين.