القربي: سوريا تحولت إلى سجن كبير.. وأطالب الأسد بانقلاب أبيض ضد القتلة

رئيس المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان لـ«الشرق الأوسط»: سنلاحق مسؤولي نظام الأسد جنائيا في المحاكم الدولية

TT

في مقهى هادئ في القاهرة، استرسل الدكتور عمار القربي، رئيس المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في سوريا، في الحديث عن وضع حقوق الإنسان في سوريا، موضحا أن أبرز الانتهاكات هي الاعتقال التعسفي والقضاء الاستثنائي والاختفاء القسري. واتهم القربي السلطات السورية بإعلان الحرب على الشعب السوري الأعزل، واصفا ذلك بالمؤامرة، كاشفا عن اتجاه لتعقب المسؤولين السوريين المتورطين في الانتهاكات الإنسانية.

القربي، الذي تم توقيفه عدة مرات من قبل في دمشق، استنكر عدم اعتراف دمشق بمنظمات حقوق الإنسان، واصفا ترشيح سوريا لمجلس حقوق الإنسان بالعبثي. قائلا إن سكوت المجتمع الدولي على ما يدور في سوريا يعد مساندة للنظام ورسالة تقول له «استمر في القتل والبطش»، متهما إيران بتدعيم النظام السوري بأسلحة مكافحة الشغب، مؤكدا في الوقت ذاته أن الشعب السوري يرفض تماما أي تدخل عسكري خارجي.

كما وجه القربي، الناطق الإعلامي للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في سوريا، في حواره مع «الشرق الأوسط» رسالة إلى الرئيس بشار الأسد بالقيام بانقلاب أبيض ضد الفاسدين والمجرمين من حوله.

وفي مايلي نص الحوار:

* كيف يمكنك تفسير المشهد السياسي في سوريا الآن؟

- المشهد السياسي في سوريا يمكن تلخيصه في أنه «إعلان حرب» من قبل السلطات السورية على الشعب المدني الأعزل، وهو محاولة للقضاء على أي تغيير ديمقراطي بالطريقة السلمية، ويمكن تقسيم المشهد السياسي في سوريا إلى وجهتي نظر، وجهة نظر السلطات التي تتبنى حلا عسكريا وحشيا دمويا تجاه المتظاهرين، وشق آخر هو وجهة نظر الشعب السوري الأعزل الذي يتبنى الاحتجاج السلمي ويطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية.

* وماذا عن المشهد الإنساني؟

- مشهد تعيس ومأساوي ودموي من الطراز الأول، فالدماء مستباحة وخاصة في درعا وبانياس ودوما وحمص، هناك قطع للكهرباء لفترات طويلة ونقص شديد في المياه والأدوية واعتقالات جماعية تطال عائلات بأكملها ولكثرة المعتقلين يتم تكديسهم في الملاعب، وهناك إغلاق للحدود السورية الأردنية، فالسلطات السورية حولت سوريا إلى سجن كبير، حتى الذين عبروا الحدود إلى تركيا تم وضعهم تحت الحصار من قبل السلطات التركية لمنعهم من الاتصال بالصحافيين، النظام السوري خائف من فضح هؤلاء اللاجئين للجرائم الوحشية والانتهاكات التي يرتكبها الأمن السوري.

* ما تقييمك لوضع حقوق الإنسان في سوريا عامة؟ وما أبرز انتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث؟

- وضع حقوق الإنسان في سوريا عامة سيئ جدا، الجهة التي ترتكب الانتهاك في سوريا هي الدولة نفسها، وهو ما يجعل المسافة ضائعة بين المسألة السياسية والمسألة الحقوقية، أبرز الانتهاكات هي الاعتقال التعسفي والقضاء الاستثنائي والاختفاء القسري. سوريا دائما في مراتب متأخرة في حقوق الإنسان، ولكنه الآن وضع كارثي ولا يخطر على بال بشر.

* وكيف يتعامل النظام السوري مع نشطاء حقوق الإنسان؟

- أولا النظام السوري لا يعترف بمنظمات حقوق الإنسان، فلا يوجد في سوريا أي منظمة حقوق إنسان مرخصة ولا يوجد أي هيئة برلمانية أو وزارية أو رسمية أو مدنية، وبالتالي لا تفرقة بين ناشط حقوق الإنسان والمعارض، وتضع كليهما في خانة الأعداء، ولو تلقفت السلطات السورية البيانات التي أصدرناها لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن.

* البعض يقول إن صوتكم كناشطين علا الآن وأنكم تركبون على موجة الاحتجاجات بعد أن كنتم بلا صوت مسموع، ما قولك؟

- هناك تشكيك دائم في أنشطة الناشطين الحقوقيين في سوريا، ودائما ما تكال لنا الاتهامات بالعمالة، واتهامنا بعلو صوتنا الآن هو اتهام سخيف، فناشط حقوق الإنسان من المفترض أن يكون له دور إعلامي ولكن الإعلام أصلا غائب، والأعين كلها مسلطة على سوريا والأحداث تفرض نفسها، لذا فتصريحاتنا لا بد أن ترتقي لمستوى الانتهاك، قبل ذلك كانت الانتهاكات متقطعة وليست بشكل يومي، ولكن الآن الانتهاكات لحظية وهناك حالة حرب، فلا بد أن نتوجه للإعلام والفضائيات لكشف حقيقة ما يحدث.

* إلى أي مدى ساعدت مواقع التواصل الاجتماعي في قضايا حقوق الإنسان في سوريا؟

- لها دور ولكن ليس بنفس الحجم الذي لعبته في مصر وتونس، لأن «فيس بوك» كان محجوبا حتى وقت قريب في سوريا، وعندما تم إتاحته فإن الغرض وراء ذلك كان تعقب المستخدمين والتقييد على حريتهم ومن ثم اعتقالهم، ولكنه لعب دورا في انتشار الأخبار وكشف بعض الفضائح.

* كيف تعلق على ترشيح سوريا لمجلس حقوق الإنسان؟

- هو ترشيح عبثي في المقام الأول، وهناك جهود من منظمات حقوقية دولية لإقناع الدول الآسيوية بالعدول عن ترشيح سوريا، (الحديث أجري قبل إعلان دمشق سحب ترشيحها لمجلس حقوق الإنسان بسبب الضغوط الدولية المتزايدة عليها)، ومن سخرية القدر أن تكون سوريا مرشحة لعضوية المجلس الذي يرسل بعثة تقصي حقائق عن وضع حقوق الإنسان في سوريا ليكشف عن جرائم متوقعة في درعا وغيرها، والغريب أن النظام السوري الآن يشن هجوما حادا على المجلس، ويتبارى الإعلاميون والمحللون السياسيون المرتزقة في وصف مجلس حقوق الإنسان بأنه مجلس صهيوني أميركي يدير المؤامرات، وقد تناسوا أن دمشق تقدمت بأوراق ترشيحها للانضمام بإرادتها لهذا المجلس الصهيوني، فسوريا تترشح للمجلس في نفس الوقت الذي لا تعترف فيه بمنظمات حقوق الإنسان.

* كونك الناطق الإعلامي للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، ما تقييمك لأداء الإعلام السوري؟

- أولا سوريا ليست دولة مؤسسات، حتى حزب البعث هو حزب شكلي وديكوري، سوريا تعتمد على القبضة الأمنية في إدارة كل شؤون البلاد، وهناك انفلات غريزي للأجهزة الأمنية في التدخل في أدق تفاصيل الحياة اليومية للشعب السوري، سوريا بلد ترزح تحت قانون الطوارئ منذ 8 مارس (آذار) 1963، وهناك 17 جهازا أمنيا رديفة للدولة تقوم بملاحقة الإنسان منذ ولادته وحتى وفاته وتسيطر عليه، من كل هذا نفهم أن الإعلام السوري جزء لا يتجزأ من هذه المنظومة الأمنية وهو أداة ملحقة بالأمن السوري وتمثل الذراع الناطق للأمن السوري ورغم كل حجم الدمار، فالإعلام الرسمي لا يزال يتحدث عن عشرات يخرجون في الشوارع للابتهال لله لنزول المطر.

* إذن هل خان الإعلام الرسمي السوري المواطن السوري؟

- لا نستطيع أن نقول إنه يخون المواطن لأنه لم يكن يوما من الأيام قريبا أو يمثل المواطن السوري، الإعلام السوري منذ اليوم الأول لولادته عام 1960 لم يكن ينطق يوما باسم الشعب بل كان يغرد خارج السرب ويسبح في فلك السلطة.

* يتردد عن وجود اتجاه لشكوى النظام السوري لدى المحكمة الجنائية الدولية، هل هذا صحيح؟

- أؤكد أننا سنلاحق كل الذين استباحوا الدم السوري، ونعمل الآن على مسارين، الأول على طريقة الملف السوداني وهو أن يحال الملف السوري إلى مجلس الأمن وهذا ما يتم العمل عليه الآن، ونحن بانتظار تقرير لجنة تقصي الحقائق الذي سيرفع إلى مجلس حقوق الإنسان ومن ثم إلى مجلس الأمن وربما يكون هناك فيتو روسي أو صيني وهو ما سيتم معالجته سياسيا وليس حقوقيا. الطريقة الثانية، أن تقوم منظمات مجتمع مدني عالمية بتقديم سجل الانتهاكات في سوريا مرفقة بالوثائق إلى مكتب المدعي العام، ليبدأ تحقيق تمهيدي لما تم في سوريا، وذلك التحقيق هو الذي يحدد هل يرفع المدعي العام تقريره إلى جهة أعلى أو يقرر أن ما حدث في سوريا ليس جرائم ضد الإنسانية. ونفكر أيضا في رفع قضايا في المحاكم الوطنية التي تجيز رفع دعاوى من هذا النوع على شاكلة قضية شارون، من أجل تعقب ومحاكمة الأشخاص المسؤولين عن الجرائم في سوريا، ولكن الأولوية الآن هي إيقاف حمام الدم.

* النظام السوري يقول إن هناك أيادي خارجية وراء ما تشهده سوريا، ما رأيك؟

- هو استخفاف بإرادة الشعب السوري، وكأنه شعب موظف أو أجير لدى الخارج، هو اتهام غير محترم وما يحدث على أرض الواقع يثبت العكس تماما، فما يجري هو مؤامرة على الشعب من قبل السلطات السورية.

* ومن يساند النظام السوري في رأيك؟

- سكوت العالم يساند النظام السوري ويعتبر رسالة تقول للنظام السوري استمر في القتل والبطش. وإيران تساند النظام السوري لوجيستيا وبالخبراء وتدعمه بأسلحة مكافحة الشغب، ولكن أستبعد أن تكون طهران تساند على خط النار، لأن السلطات السورية ليس لديها مشكلة في عدد «الجزارين».

* النظام السوري يقول إن المحتجين لا يمثلون الشعب السوري، ويضرب مثلا بقلة عدد المحتجين بدمشق وحلب. ما تعليقك؟

- هذا عبث وتخريف، كل المدن خرجت ولكن الفكرة كلها في طاقة الخارجين في المظاهرات. ما لا يعرفه البعض أن تلك المناطق تقع تحت احتلال كامل لـ«شبيحة» النظام الذين يسيطرون على الشوارع والمساجد ويقفون على الأركان ويمنعون الناس من الخروج في المظاهرات تحت تهديد السلاح، ورغم ذلك لدينا عشرات الشهداء والمعتقلين في دمشق وحلب، وهناك 84 مدينة وقرية وبلدة اشتركت في المظاهرات.

* لماذا لم يتخذ الجيش السوري موقفا محايدا كنظيريه التونسي والمصري؟

- الجيش في سوريا ليس مؤسسة حيادية بل هو أداة وذراع للنظام ولكن دعني أنصف الجيش السوري، فالجيش السوري يمكن تقسيمه قسمين، قسم يتبع وزارة الدفاع وهو قسم ملتزم بالحياد حتى الآن ووحداته تقف على أبواب المدن، أما القسم الثاني وهو الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة فهما يتلقيان الأوامر مباشرة من أشخاص في النظام السوري وتلك الوحدات هي المسؤولة عن القمع حتى الآن، ولكن حتى اللحظة لا يوجد أي انشقاق أو انقسام في الجيش ونحن لا نتمنى أي انقسام في الجيش السوري.

* تتوالى الاستقالات من أعضاء حزب البعث، والبعض يقول إن هناك بوادر انشقاق في النظام السوري، في رأيك؛ هل ينشطر حزب البعث؟

- حزب البعث ليس حزبا قائما على إيديولوجية عقائدية أو فلسفة سياسية ولكن ما يجمع أعضاءه هو استمرار المصلحة، وما يتم الآن في سوريا هو تبرؤ من الحزب، والإعلام السوري يكذب تلك الانسحابات، وهو ما جعل أعضاء الحزب يسجلون انسحابهم من البعث بالصوت والصورة.

* في رأيك لماذا لا نسمع عن دور لأصحاب الرأي والمثقفين في سوريا؟

- هناك تزوير لإرادة الفنانين والصحافيين، فهناك 700 كاتب ومثقف وفنان ومخرج سينمائي طالبوا فقط بإيصال حليب الأطفال لدرعا، وكان الرد عنيفا عليهم بنعتهم بمجموعة القوادين، وهو رد فعل عنيف غير مواز لقوة الفعل، وذلك القمع الفكري يسيطر على المشهد الآن في سوريا.

* النظام السوري يقول إن المتظاهرين يؤججون الطائفية، هل هذا صحيح؟

- النظام السوري هو الذي قدم الطائفية لتفتيت المظاهرات وهو ما فشل فيه، لأن الشعب السوري تضافر كيد واحدة بشكل رائع وتجاوز الطائفية تماما في احتجاجاته، وعلى العالم إدراك أن النظام في سوريا ليس علويا، ولكنه تحالف أمني عسكري لا تحميه الطوائف بل المصالح، وهو يقمع كل المعارضين باختلاف طوائفهم.

* أعلنت فرنسا أن النظام السوري «فقد شرعيته» وطلبت من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على رموزه بمن فيهم الأسد، برأيك كيف تفسر الموقف الفرنسي؟

- أول شعارات المظاهرات كان «خاين اللي بيقتل شعبه»، وهو ما تلقفته الإدارة الفرنسية الآن ولكنها متأخرة كعادتها، وفرنسا هي المسؤول الأول لما يحدث في سوريا الآن لأن ساركوزي شخصيا هو الذي أعاد تأهيل سوريا عالميا وأدمجها في المجتمع الدولي وقتما كانت دمشق معزولة دوليا وكان هناك حصار دبلوماسي ضدها، فقام ساركوزي بزيارة دمشق ثم استقبل بشار في باريس، وهو الآن لا يستطيع كبح العنف في سوريا ولم ينتزع أي تنازل في مجال الديمقراطية أو حقوق الإنسان من بشار، وأنا أعتبر موقف باريس الآن موقفا إعلاميا وليس موقفا سياسيا أو عمليا.

* ما موقف الشعب السوري إذا تطور الأمر إلى تدخل خارجي؟

- أنا أمثل منظمة حقوقية في سوريا ولا أمثل الشعب السوري كله، ولكن أؤكد أن الشعب الذي يذبح في درعا يرفض أي تدخل عسكري خارجي تماما، وهي أصلا مسألة غير مطروحة، ولكن مرجعيتنا كمنظمة حقوق إنسان هي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ونحن مع التدخل الدولي وفق القانون الإنساني الدولي، فسوريا موقعة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين لحقوق الإنسان واتفاقيات جنيف الأربع التي تحمي المدنيين، وهو ما يحتم على المجتمع الدولي الضغط على دمشق لتنفيذ التزاماتها الدولية، وهناك آليات عبر لجان تقصي حقائق وعبر قرارات من الأمم المتحدة وعبر محاكم دولية وتلك تعتبر آليات أممية، إذا اعتبرنا تلك الآليات تدخلا دوليا فأنا معها تماما أما عن تدخل عسكري دولي فهو مرفوض تماما.

* ما هي أحلامك في مجال حقوق الإنسان في سوريا؟

- أحلم بالترخيص لمنظمات حقوق الإنسان وإعطائها الدعم والمساندة، وأن تتفهم السلطات السورية أن تلك المنظمات ليست عدوا لها. كما أتمنى أن تصون السلطات السورية حقوق الإنسان وأن ينصب دورنا على حماية البيئية وقضايا الهجرة وانقراض بعض الحيوانات.

* أخيرا، ماذا تقول للرئيس بشار الأسد والنظام الحاكم؟

- أقول له: منذ وصولك للحكم والمشروعية المهمة لوجودك في الحكم كانت مشروعية الإصلاح، وعملية الإصلاح كانت عبارة عن شعارات لم يتم تطبيقها على الأرض. ولكن نحن الآن في «لحظة الحقيقة»، لذا أنا أهيب بك بما تمثله من أعلى السلطات في سوريا أن تقوم بانقلاب أبيض ضد كل الفاسدين والمجرمين من حولك الذين أساءوا لك قبل أن يسيئوا لسوريا. وإذا قمت بتلك الخطوة الجريئة بوقفك القتل ومحاسبة القتلة والدعوة لمصالحة وطنية وكتابة دستور جديد وإصدار قانون أحزاب حقيقي وبرلمان حقيقي وتنظيم إنشاء منظمات المجتمع المدني وإطلاق سراح المعتقلين وعودة المنفيين، سأكون أنا أول المصفقين لك.