خطاب أوباما للعالم العربي سيؤكد: بن لادن الماضي وما يحدث الآن هو المستقبل

مساعدوه درسوا الفترات الانتقالية في 60 دولة ورأوا أن مصر تشبه كوريا وتشيلي والفلبين.. وسوريا مثل رومانيا

TT

بالنسبة للرئيس الأميركي باراك أوباما، يعد قتل أسامة بن لادن أكثر من مجرد حدث مهم في الحرب الأميركية ضد الإرهاب على مدار عقد من الزمان، إذ يطرح الأمر فرصة لإعادة صياغة استجابته للتغيرات الماثلة في العالم العربي. ويأتي ذلك في ظل وضع متأزم داخل ليبيا وصراع غامض على السلطة داخل اليمن وإجراءات وحشية داخل سوريا، مما أضفى كآبة على المشهد بعد التحول الذي أحدثته الثورة المصرية.

ويقول مسؤولون في الإدارة الأميركية إن الرئيس حريص على استخدام موت بن لادن كوسيلة لتحديد رؤية موحدة إزاء الثورات الشعبية في المنطقة العربية، وهي تحركات لها خيوط مشتركة وسمات منفصلة، وكانت ردود الولايات المتحدة إزاءها مختلفة بصورة حادة.

ويحتمل أن تأتي أول إشارات عملية «إعادة الضبط» خلال الأسبوع المقبل، حيث يخطط أوباما لإلقاء كلمة عن الشرق الأوسط سيحاول من خلالها جعل موت أسامة بن لادن في سياق تحولات سياسية أوسع داخل المنطقة. وقال نائب مستشار الأمن القومي بنيامين رودس إن الرسالة ستكون: «أصبح بن لادن أثرا من الماضي، وما يحدث في المنطقة حاليا هو المستقبل».

وعلى الرغم من أن قتل بن لادن ربما يوفر لحظة نادرة للوضوح، فإن تبعاته أقل وضوحا في الحسابات الاستراتيجية الأميركية داخل المنطقة. ويقول مسؤولون في الإدارة إن الضربة الشديدة لتنظيم القاعدة تعطي الولايات المتحدة فرصة كي تكون استباقية فيما يتعلق بالتغيرات السياسية، لأن ذلك يقلل احتمالية اتجاه مصر وسوريا ودول أخرى للتطرف الإسلامي.

ولكن يشير مسؤولون بارزون آخرون إلى أن الشرق الأوسط لا يزال منطقة معقدة، حيث إن موت زعيم تنظيم القاعدة لا يقضي على التهديد الإرهابي في اليمن، فيما تأثرت دول أخرى مثل البحرين بتنافسات طائفية لم يكن لها علاقة تذكر برسالة بن لادن الراديكالية. وقال البيت الأبيض إنه لا يزال يسعى للعمل من خلال دراسة كل دولة بمعزل عن الأخرى.

وقال مسؤولون إنه قبل الغارة التي استهدفت بن لادن كان أوباما يبحث عن وسائل للجمع بين الأحداث بمنطقة الشرق الأوسط. وكان مسؤولون في البيت الأبيض يدرسون خطابا كان محتملا أن يربط فيه الرئيس التغيرات داخل المنطقة بمفاوضات السلام الفلسطينية - الإسرائيلية المتوقفة، وهي العملية التي تعطلت فيما يبدو بدرجة أكبر عقب اتفاق مصالحة عقد مؤخرا بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس.

ويقول مسؤولون إنه على ضوء ذلك فإن الخطة الحالية هي أن يركز الرئيس على التغيرات الأوسع بالعالم العربي، بدلا من طرح خطة جديدة محددة لإحياء محادثات السلام.

ومنذ الأيام الأولى للاحتجاجات داخل تونس، كان أوباما يوازن بين رغبته في الحديث عن العالم العربي بصورة شاملة والحاجة إلى تقييم كل دولة بناء على ظروفها. وقد استخدام نفس الإشارات المثالية والواقعية التي ميزت نهجه إزاء القضايا الداخلية.

وتشير مقابلات مع مسؤولين عدة بالإدارة الأميركية إلى أن التوترات التي ظهرت في سياسته إزاء منطقة الشرق الأوسط كانت نتيجة لنقاش بين المستشارين وليس بسبب تناقضات لدى الرئيس نفسه.

وداخل مصر على سبيل المثال، قال مستشارون للرئيس أوباما إنه قرر الضغط من أجل خروج الرئيس حسني مبارك في وقت مبكر على الرغم من نصائح مساعدين عقب مشاهدة خطاب مبارك التلفزيوني داخل غرفة عمليات البيت الأبيض. وقالوا حينها إنه خشي من أن أحلام النشطاء المصريين، مثل المسؤول التنفيذي بشركة «غوغل» وائل غنيم، ستتحطم حال حدوث عملية انتقال متقطع للديمقراطية.

وقال أحد مساعديه إنه عندما طلب من أوباما توقع النتيجة، قال الرئيس: «ما أريده هو أن ينتصر الفتية الموجودون في الشوارع وأن يصبح شاب (غوغل) رئيسا. وأعتقد أن ذلك سيستغرق وقتا طويلا وسيواجه صعوبات».

وقد كان ذلك صحيحا بدرجة أكبر داخل ليبيا، حيث تردد أوباما في دعم حملة يتزعمها «الناتو» لا تحرز تقدما حاليا. وأصبحت ليبيا تشغله بدرجة كبيرة، وتتطلب اجتماعات يومية، يقول مسؤولون إنه كان يحصل خلالها على تقرير حول أهداف الضربات الجوية والجهود الدبلوماسية لدفع العقيد معمر القذافي عن سدة الحكم.

ويقول توماس دونيلون، مستشار الأمن القومي، إن أوباما كان منشغلا بدرجة كبيرة بجميع الدول العربية التي تشهد تحولات سياسية. وأضاف: «كان الرئيس في كل هذه المواقف القوة الرئيسية في جميع القرارات، وفي بعض الأحيان كان يحدد طريقة التعامل».

ويقول المستشار إنه في ساعات الليل داخل مقر إقامة العائلة، كان أوباما غالبا ما يطالع مدونات خبراء متخصصين في الشؤون العربية أو مواقع إخبارية إقليمية من أجل التعرف عن قرب على الأحداث. وكان يتعرف على آراء صحافيين بارزين مثل فريد زكريا، الذي يعمل بمجلة «تايم» و«سي إن إن»، وتوماس فريدمان، كاتب العمود بصحيفة «نيويورك تايمز»، فيما يتعلق بزياراتهم للمنطقة. يقول زكريا: «يبحث عن وسيلة لرسم صورة أكبر».

ووجه أوباما تعليماته لمساعديه كي يدرسوا الفترات الانتقالية داخل ما بين 50 و60 دولة من أجل التعرف على السوابق التاريخية للأحداث في مصر وتونس. ورأوا أن مصر تشبه كوريا الجنوبية والفلبين وتشيلي، فيما قد تتشابه الثورة داخل سوريا مع ما حدث في رومانيا.

وكان هذا المنحى، الأكاديمي بدرجة كبيرة، متماشيا مع أسلوب أوباما، وهو الأسلوب الذي كان عنصر إحباط لدى البعض ممن يرونه بطيئا وهادئا بصورة مبالغ فيها. ولكن يقول مسؤولون إنه عكس أيضا نفاد صبر أوباما – بعد مرور عامين على خطاب أدلى به من القاهرة وهدف من خلاله لإصلاح علاقات الولايات المتحدة مع العالم الإسلامي – لأن الكثير من هذه الدول لا تزال منغمسة في فساد. ويقول رودس: «الطريقة التي يتحدث بها عن الفساد، تجعله يفهم الإحباط».

وفي مذكرات أوباما «أحلام من والدي»، يصف كيف أن أباه ذهب إلى كينيا ودخل في صراع مع بيروقراطيين فاسدين داخل كينيا وانتهى الأمر به من دون عمل وعاش حالة من الضيق الشديد. كما شاهد أيضا زوج والدته لولو سويتورو يواجه ثقافة الرشى داخل العاصمة الإندونيسية جاكرتا.

ويقول مساعدون إن خبرة أوباما الشخصية جعلته يشعر بحدود الدور الأميركي. وداخل سوريا، على سبيل المثال، فرضت الإدارة عقوبات على عدد قليل من الأعضاء البارزين بالحكومة، من دون أن تصل هذه العقوبات إلى الرئيس بشار الأسد. كما لم يدع أوباما الأسد للتنحي عن السلطة، مثلما فعل مع العقيد القذافي. ويقول مسؤولون إنه يشك في أن هذه الخطوة ستحدث فارقا، على ضوء النفوذ الضعيف لأميركا على سوريا.

ويقول دنيس ماكدونو، نائب مستشار الأمن القومي: «يتصرف بواقعية للغاية، فعندما تكون رئيسا فإنك لا تختار بين الخيارات الجذابة. ولكن تختار وفق التأثيرات الناجمة عن مصالح الأمن القومي للدولة».

* خدمة «نيويورك تايمز»