الناشط الحقوقي المصري جمال عيد: الصحافيون يتخيلون «خطوطا حمراء» بسبب ما عانوه في سنوات القمع

قال لـ «الشرق الأوسط» إن نقابة الصحافيين حصرت دورها في منح تراخيص مزاولة المهنة

جمال عيد (تصوير: عبد الله السويسي)
TT

«كنا في مواجهة مباشرة مع النظام السابق، وانتقلنا بعد الثورة إلى التعاون والتفاوض مع الحكومة».. هكذا أوجز الناشط الحقوقي البارز جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، تأثير الثورة على خطط وآليات عمل منظمته المتخصصة في الدفاع عن حرية الرأي والتعبير في الدول العربية. وتطرق عيد في حواره مع «الشرق الأوسط» إلى عدد من القضايا والملفات المتعلقة بحرية الرأي، معتبرا أن وسائل الإعلام تمر بحالة ارتباك بعد الثورة في ما يتعلق بما يمكن نشره أو ما لا يجوز نشره.. واتهم عيد الصحافيين بممارسة رقابة ذاتية على أنفسهم. كما تحدث عيد أيضا عن اختلاف دور الإعلام قبل الثورة وبعدها، والمسؤوليات الملقاة على عاتق وسائل الإعلام في هذه المرحلة، والحدود الفاصلة بين حرية الرأي والفوضى، ووسائل حماية حرمة الحياة الشخصية.. داعيا إلى ضرورة تفعيل قاعدة أن «الرأي لا يقتل» في الرأي العام، في ما يخص محاسبة الإعلاميين المخطئين. وإلى نص الحوار..

* ما تقديرك لوضع حرية الرأي والتعبير في مصر في فترة ما بعد الثورة؟

- الوضع بعد الثورة فيه ارتباك بدرجة ما، فحرية الرأي والتعبير أصبحت من الناحية النظرية واقع سياسي، كنتيجة طبيعية للثورة ومطالبها وتداعياتها. لكن الممارسة العملية لهذه الحرية ما زالت تحتاج إلى وقت لتجاوز حالة الارتباك حول ما يمكن نشره وما لا يجوز نشره.. وعلى الرغم من عدم وجود تعليمات من أي جهة في الدولة تتعلق بذلك، إلا أن المعايير التي تطبق في هذا الشأن قائمة على اجتهاد من الصحف وتقديرات من الصحافيين. فما زال الصحافيون يمارسون على أنفسهم نوعا من الرقابة الذاتية.

* هل يعود ذلك إلى غياب الإدراك عن الصحافيين أم الخوف من تجاوز الخطوط الحمراء؟ - بالفعل، الصحافيون غير مدركين أن ثورة قد حدثت وأن الأمور تغيرت، وبعضهم بالطبع، ربما بشكل ما وبحكم المرحلة الانتقالية وعدم اتضاح العديد من الأمور، غير مصدقين أو خائفون.. خاصة أن القوانين التي تعاقب الصحافيين بالحبس لا تزال موجودة على الرغم من عدم الاتجاه إلى تطبيقها حاليا. لكل ذلك يبحث الصحافيون عن خطوط حمراء كما تعودوا، فمثلا المجلس العسكري يدير الآن شؤون البلاد، لذلك فهو يلعب دورا سياسيا يجب أن يتم التعامل معه بمنطق الإشادة بالإنجازات ونشر أي انتقادات، لأنه من شأن النشر أن ينبه قياداته إلى وجود مشكلات يجب الالتفات إليها. وهذا أحد أدوار الصحافة، لكن ما يحدث أن الصحافيين يبتعدون عن كتابة أي شيء يتضمن أي انتقادات للمجلس العسكري.

* ما السبل التي تمكن الصحافيين من تجاوز هذا الأمر؟

- الموضوع معقد جدا، فبحكم تراث طويل من القمع تعود كثير من الصحافيين صناعة الآلهة وتأليه الحاكم، ومن الصعب تجاوز هذا الأمر في وقت قصير.. لكن هناك إجراءات أساسية يجب أن تتم في ما يتعلق بحرية الصحافة، أولها إطلاق حرية إصدار الصحف وأن يكون ترخيصها بالإخطار، وإقرار قانون حرية المعلومات، وإلغاء كافة القوانين التي تجيز حبس الصحافيين في قضايا النشر.. ومع الوقت، سيدرك الصحافيون أن المناخ تغير.

* هل ينجح تطبيق الغرامات المالية في مصر، كبديل للحبس، في قضايا النشر؟

- الهدف من الغرامة هو تنبيه الصحافي إلى أنه ارتكب خطأ جسيما، لكن هناك إجراءات أخرى تتم قبل الوصول إلى حكم قضائي بالغرامة، منها هل تم استخدام حق الرد، وهل تم فرض عقوبات إدارية على الصحافي من جانب النقابة أو جهة عمله بسبب هذا الخطأ. وفي حال وصول القضية إلى النيابة، يجب أن تكون التحقيقات نزيهة ومحايدة، ويجب أن تكون الغرامة تتناسب مع حجم الضرر.

* ما رأيك في الجدل المثار حول دور نقابة الصحافيين؟

- نقابة الصحافيين هي من كبرى المشاكل في مصر، فالنقابة في كل النظم الديمقراطية هي تجمع مهني يدافع عن مصالح أعضائه، لذلك يجب أن يعي الجميع أن نقابة الصحافيين ليست جهة لمنح ترخيص مزاولة المهنة.. فالصحافي يكون صحافيا لأنه يمارس المهنة، دون شرط أن يكون عضوا في النقابة. وما حدث في نقابة الصحافيين أنها تجاهلت كل مشكلات المهنة ومشكلات أعضائها، وتعاملت وكأن كل دورها أن تعطي تصريحا بمزاولة المهنة.. لذلك، يجب على النقابة أن تتطور لتواكب التحول الديمقراطي الذي تشهده البلد.

* ما الاختلاف في دور الصحافة قبل الثورة وبعدها؟ - الدور الأكبر للصحافة قبل الثورة كان التركيز على كشف الفساد بكل أشكاله، والتصدي لكل الممارسات الديكتاتورية. وبعد الثورة، يجب أن تلعب الصحافة دورا أكبر في إعادة البناء والتركيز على نشر الوعي السياسي، دون أن تغفل أيضا أن دورها هو إلقاء الضوء على أي تجاوزات، لكن بطريقة نقدية بناءة وليس بالصدام كما كان يحدث مع النظام السابق. ومن أخطر عيوب الصحافة المصرية هو التداخل الواضح بين الخبر والرأي، نتيجة عدم تمكن الصحافيين من الحصول على المعلومات المطلوبة بشكل قانوني.

* بعد سقوط النظام، ما هو مصير قضايا النشر التي سبق أن أقامها المسؤولون ضد الصحافيين؟

- قامت المحاكم بإيقاف نظر عدد كبير من القضايا التي أقامها مسؤولون في النظام السابق ضد صحافيين، بعد سقوط هؤلاء المسؤولين، خاصة أن عددا كبيرا منهم محبوس احتياطيا أو يتم التحقيق معه في قضايا عديدة. وكان أبرز هذه القضايا، قضية وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالي ضد الإعلامي وائل الإبراشي. وما زال بالمحاكم نحو 60 قضية نشر متداولة، أعتقد أن معظمها سوف ينتهي بشكل أو بآخر.

* كيف يمكن وضع حد فاصل بين حرية الرأي والفوضى، وما سبل ضمان عدم التعرض للحياة الخاصة؟

- الحرية تعني أنه من حق كل صاحب رأي التعبير عن رأيه أيا كان، ويجب مواجهة الرأي بالرأي وليس بالحبس أو القمع. ومن المفترض أن لدى الصحافيين في أي مكان بالعالم ميثاق شرف مهنيا خاصا بهم، وبالتأكيد يجب وجود قوانين تحمي حرمة الحياة الشخصية، وهي أمور يكفلها أي دستور ديمقراطي. لكن، هنا يجب أن نفرق بين المسؤول والمواطن، ومن الطبيعي أن يتعرض المسؤول للنقد بسبب المسؤولية التي يتولاها أمام المجتمع، لكن حياته الشخصية يجب أن تخضع لما يسمى حماية حرمة الحياة الشخصية، والمسؤول يجب أن تبقى أعماله في النور، وإذا خاف من شيء يجب ألا يفعله.

* ما تقييمك لوضع التلفزيون المصري الآن، خاصة في ظل ما كان يواجهه من اتهامات من تزييف للحقائق قبل وخلال الثورة؟

- ما حدث في التلفزيون يعد نصف خطوة إيجابية، لكني ما زال لدي شكوك عديدة في ما يتعلق بأداء هذا الجهاز.. فهو يحتاج إلى إعادة بناء على أسس جديدة. فلا يكفي ما فعله في الفترة الأخيرة من انفتاح على كافة القوى السياسية والآراء المختلفة، واستضافته لشخصيات كانت ممنوعة من الظهور على شاشته، بل يجب تبني خطة تطوير كاملة ليكون هذا الجهاز معبرا عن المواطن لأنه ملك للشعب.

* واجه عدد من الإعلاميين والصحافيين من الموالين للنظام السابق اتهامات من الرأي العام بالتحريض على قتل المتظاهرين، هل أنت مع محاسبة هؤلاء؟ وكيف؟

- أنا مع محاكمة أي شخص في موقع المسؤولية، لكن بالنسبة للإعلاميين الموالين للنظام، فعلى الرغم من ارتكابهم مثلا أفعال التحريض على قتل المتظاهرين وتزييف الحقائق، فإن معظمهم كانوا يبدون وكأنهم مجبرين على ذلك، بحكم عملهم في وسائل إعلام تابعة للنظام السابق. وصحيح أن كثيرين رفضوا التنازل عن مبادئهم وانسحبوا، لكن لا يجب محاكمة صاحب رأي أيا كان، فالرأي لا يقتل وإنما الفعل. وأنا مع «تجريس» هؤلاء الصحافيين والإعلاميين، وقد فعلنا ذلك في الشبكة عن طريق إصدار ما يسمى بقوائم العار.

* هل أثرت أجواء الحرية التي أفرزتها الثورة على مشاريع منظمتكم وخططكم والملفات التي تعملون عليها؟

- بالتأكيد، فقبل الثورة كنا في مواجهة مع النظام، وقد أعلناها منذ بداية عملنا وقلنا إننا لسنا محايدين، لكننا مع الحقوق والحريات ضد النظام الديكتاتوري. وكان أكبر جزء من عملنا قبل الثورة هو المتابعة والتمثيل القانوني للصحافيين والكتاب والمدونين وكل أصحاب الرأي أمام المحاكم في القضايا التي يواجهونها، وكنا في حالة صراع مع النظام. الآن، لدينا بعد الثورة خطط مختلفة، تنطلق من التعاون والتفاوض مع الحكومة والقيام بدورنا كمجتمع مدني. ولدينا مشروع حتمي في هذه المرحلة هو خطة لتطوير الإعلام، وهو مشروع ننفذه من خلال الائتلاف الوطني لحرية الإعلام الذي قمنا بتأسيسه مع نحو 13 منظمة حقوقية وعدد كبير من الصحافيين والمدونين.