فوضى وإجراءات قمع داخل سوريا.. واتساع دائرة الغضب الشعبي

المدارس واستادات كرة القدم مكان لاحتجاز المعتقلين.. وحقوقي: رد الفعل الغاضب ضيع فرص الحل السلمي

صورة أخذت بالجوال لجنديين سوريين فوق سطح أحد المباني يصوب أحدهما رشاشا لمواجهة المحتجين ضد نظام الرئيس بشار الأسد (أ.ب)
TT

قامت قوات سورية بغارات داخل مدن صغيرة في ضواحي العاصمة دمشق وداخل مدينة محاصرة على الساحل، فيما تزايدت أعداد المعتقلين في إطار حملة حكومية شاملة. وتقول منظمات حقوقية إن الكثير من المناطق تعرضت لغارات متكررة وتعرض بعض الأشخاص للاعتقال أكثر من مرة من قبل هيئات أمنية متنافسة.

وقد تزايدت وتيرة الإجراءات الصارمة الرامية إلى مواجهة الانتفاضة، التي بدأت في مارس (آذار) الماضي. وقد ذكر سكان محليون أن المئات من المعتقلين محتجزون داخل استادات كرة قدم ومدارس ومبان حكومية في الكثير من المدن بمختلف أنحاء الدولة، وقد ألقي القبض على البعض منهم في مداهمات للمنازل نفذتها قوات أمنية مرتدية ملابس سوداء ومعها قوائم للنشطاء.

وقال آخرون إن عمليات الاعتقال تحدث عادة بصورة عشوائية، ويأتي ذلك في إطار حملة تستهدف ترويع المواطنين للبقاء داخل المنازل. وقد عمل هذا الأسلوب من الترويع على دعم حكم عائلة الأسد على مدار العقود الأربعة الماضية. وأجبر الكثير من الرجال على توقيع تعهد بعدم التظاهر مرة أخرى، بحسب ما قاله سكان محليون. وقال راسم الأتاسي، رئيس الرابطة العربية لحقوق الإنسان في سوريا داخل حمص، ثالث أكبر المدن وأحد أهم مراكز الانتفاضة «ضيع رد فعل السلطات أي احتمالية للتوصل لحل عقلاني».

وأطلق سراح الأتاسي نفسه الأسبوع الماضي بعد بقائه في الاعتقال لمدة 10 أعوام. وقال «أرى أن هذه الأزمة تزداد سوءا، ولا يوجد حل سياسي لها». وقد دفعت الوحشية في قمع الاحتجاجات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات على شخصيات بارزة داخل سوريا، لكنها لم تصل إلى الرئيس السوري نفسه. وجعلت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون الولايات المتحدة أقرب بمقدار خطوة من الدعوة لتنحي الأسد يوم الخميس، عندما أدانت الإجراءات الصارمة من جانب السلطات السورية. وقالت وزيرة الخارجية الأميركية قبل اجتماع في غرينلاند لدول القطب الشمالي «الأحداث الأخيرة داخل سوريا تظهر أن البلاد لا يمكن أن تعود إلى ما كانت عليه من قبل. ولن تحل الدبابات والرصاص والهراوات التحديات الاقتصادية والسياسة في سوريا».

وقد انتقدت إدارة أوباما الحكومة السورية أكثر من مرة، وفرضت عقوبات على الكثير من المسؤولين الأمنيين البارزين، لكنها لم تستخدم إجراءات دبلوماسية قوية، بما في ذلك اتخاذ إجراءات من خلال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وقالت كلينتون إن الولايات المتحدة سوف تتبع حاليا «خطوات إضافية من أجل تحميل سوريا المسؤولية عن انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان». وأضافت «ربما هناك البعض الذين يرون هذه علامة قوة. لكن التعامل مع مواطنيك بهذه الصورة دليل ضعف». وقال مسؤول بارز إنه تجري دراسة فرض عقوبات على المزيد من المسؤولين السوريين. ويحتمل أن يشمل ذلك الأسد نفسه.

وقال بثنية شعبان، مستشارة الأسد، هذا الأسبوع إن مسؤولين سوريين يرون أن الإدانات الأميركية حتى الآن ليست «سيئة للغاية». وفي الوقت نفسه، قام الجيش السوري بحصار درعا، وهي المدينة الجنوبية التي بدأت فيها الاحتجاجات بسبب إلقاء القبض على شباب، إلى جانب بانياس وحمص.

وفي الوقت نفسه، تزايدت أعدادا الاعتقالات بدرجة كبيرة، ومن الصعب حاليا معرفة عدد المعتقلين على وجه التحديد. وتقول المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان داخل سوريا إن عدد المعتقلين يصل إلى 9000 شخص. ويقول وسام طريف، المدير التنفيذي لمنظمة «إنسان» الحقوقية، إن منظمته أحصت اعتقال 8000 شخص بدءا من 3 مايو (أيار) الحالي. وأضاف أنه خلال الأسبوع الماضي أحصت المنظمة 2800 آخرين، على الرغم من أنه يشك في أن الأعداد أكبر عن ذلك بكثير.

وقال خليل معتوق، وهو محام في دمشق يدافع عن سجناء ومعتقلين «الأرقام بالآلاف. ومن أطلق سراحهم قالوا لي إن السجون ممتلئة، وإنهم يستخدمون الاستادات والمباني الحكومية لاحتجاز المعتقلين». وقد اعترفت الحكومة السورية بالإجراءات الصارمة، وقالت إنها رد فعل على انتفاضة مسلحة لإسلاميين مسلحين ومخربين ومدانين سابقين.

وأقر مسؤولون أميركيون بأن بعض المتظاهرين كانوا مسلحين، لكنهم أقلية صغيرة. وتشير تقارير عن لاجئين نزحوا عبر الحدود السورية اللبنانية إلى مصادمات مسلحة بين القوات الأمنية ومناوئين لهم نشبت هذا الأسبوع داخل حمص.

وقالت منظمة العفو الدولية، ومقرها لندن، إن لديها تقارير مباشرة عن حدوث عمليات تعذيب وضرب للمحتجين المعتقلين على يد القوات الأمنية. وقال عمار قربي، رئيس المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان، إنه جرى إلقاء القبض على أفراد شاركوا في التجمعات، وتم تعذيب من وصفوا بأنهم قيادات أو رددوا هتافات ضد الحكومة السورية. وفي الواقع، تقول منظمات حقوقية إن الاعتداء ربما يكون جزءا من هدف الحكومة، ويُطلق سراح الكثير من المعتقلين بعد عدة أيام حتى يحكوا تجاربهم وينشروا الخوف بين من يحتمل انضمامهم إلى المظاهرات.

وتتحدث المنظمات عن حملات واسعة تبدو في بعض الأحيان ممنهجة. ويقول طريف إنه داخل مدينة بانياس البترولية، المطلة على الساحل، نفذت القوات الأمنية موجة من الاعتقالات وجمعت معلومات ثم عادت بعد أيام قليلة للقيام بموجة أخرى من الاعتقالات. وأضاف أنه في بعض الأحيان يتم اعتقال بعض الشباب ثم يطلق سراحهم، وبعدها تعتقلهم هيئات أمنية أخرى.

وقد امتدت الإجراءات الصارمة من ساحل البحر المتوسط عبر حمص وصولا إلى المناطق التي ضربها الجفاف في جنوب سوريا. ويوم الخميس، وردت معظم الاعتقالات داخل بانياس ومدينة البيضاء المجاورة، إلى جانب مدن في ضواحي دمشق. ويتحدث الكثير من السكان عن أسلوب متكرر، حيث يدخل الجيش أولا، وتتبعه القوات الأمنية، وبعد ذلك رجال مسلحون في ملابس مدنية، يعرفون بـ«الشبيحة».

وقال الجيش السوري إنه أنهى عملياته داخل حمص، وقال سكان محليون إن 10 دبابات انسحبت من منطقة بابا عمرو التي تعرضت لأقوى الضربات. وبعد يوم من القصف وطلقات النيران، شهدت المنطقة هدوءا نسبيا اليوم الخميس، بحسب ما قاله أحد السكان المحليين. وقال أبو حيدر عبر الهاتف «رحل معظم المواطنين عن بابا عمرو. إنها خطيرة جدا».

وقال سكان محليون رحلوا عن حمص واتجهوا إلى الحدود اللبنانية إن البعض رفعوا السلاح في مواجهة القوات الأمنية ببابا عمرو. وقالت أم أمينة، وهي امرأة تبلغ من العمر 53 عاما وغادرت منطقة حمص يوم الأربعاء «لا ينام الرجال في المنازل، لكنهم ينامون في الشوارع وأسلحتهم إلى جوارهم لحماية نسائهم ومنازلهم من الشبيحة».

* خدمة «نيويورك تايمز»