رئيس مؤسسة «أميركا الجديدة» لـ «الشرق الأوسط» : الظواهري مولع بالجدل ولديه تاريخ حافل بتهميش رفاقه

الحائز جائزة «بوليتزر» مرتين: الزعيم الجديد لن يستطيع جمع أموال مثلما كان يفعل بن لادن وليس قادرا على حل المشاكل الأساسية

TT

يعتبر ستيف كول من أهم الصحافيين بالولايات المتحدة الأميركية، ويدل فوزه بجائزة «بوليتزر» الصحافية والمرموقة عالميا مرتين عامي 1990 و2005 على تميز أدائه المهني. عمل كول سابقا مديرا لتحرير جريدة «واشنطن بوست»، وغطى قبل ذلك أفغانستان وباكستان. وفاز كول بجائزة مجلس العلاقات الخارجية الأميركية عن آخر كتبه «حروب الأشباح».

وكول رئيس مجلس إدارة مؤسسة «أميركا الجديدة» مرتين مؤلف نشر كتابات موسعة في مجلة «ذا نيويوركر» عن أفغانستان وباكستان، وحاليا يعمل في مجلة «نيويوركر» ويكتب في العديد من الصحف والمجلات الأميركية، وهو خبير إعلامي أشرف على العديد من الندوات، بعضها عقد في دول عربية، ناقشت طرق وأساليب التحقيقات الاستقصائية وتنفيذ التحقيق الميداني من وحي الخبرات المعمول بها في الـ«واشنطن بوست»، التي شغل مدير تحريرها لسنوات. ويرسم كول في كتابه «أسرة بن لادن» صورا متعددة، تبدأ مع محمد بن لادن وتنتهي مع أسامة الذي ينتقل إليه الكاتب بشكل رئيسي في الفصل الأخير. ويوضح كول بكثير من الأمثلة المفصلة وبصور جلية واضحة تحول هذا الابن الذي كان معجبا بأبيه إلى أمير إرهابي منبوذ، كما يحاول إيجاد منطلقات في الفترة المبكرة من شباب أسامة حيث كان لديه اتصالات مع معلمين وعقائديين إسلاميين، كما أنه يضع أسامة باستمرار في موضع النقيض لإخوته ذوي الميول الغربية أو الأميركية. ويوضح كول في لقائه مع «الشرق الأوسط» التعرف على سبب تطرف زعيم تنظيم القاعدة الذي لقي حتفه بداية الشهر الحالي على يد وحدة من قوات النخبة الأميركية في مدينة أبوت آباد الباكستانية.

وفي هذه المقابلة مع «الشرق الأوسط»، يكشف كول أنه من خلال الصور وشرائط الفيديو التي كشفت عنها الإدارة الأميركية أن لادن كان يتابع المحطات الفضائية العربية والأجنبية ويكتب ملاحظات يضيفها لرسالته التالية: «أنه بكل بساطة يريد إيضاح أنه علي قيد الحياة ويتابع التطورات في العالم الإسلامي». وجاء الحوار على النحو التالي:

* كم استغرق تأليف كتاب «آل بن لادن: أسرة عربية»؟

- أربعة أعوام كاملة، بالطبع كنت أسافر من وإلى المملكة العربية السعودية والخليج منذ عام 1990. لقد كتبت أول موضوع لي عن أسامة بن لادن عام 1993 كمراسل لصحيفة «واشنطن بوست»، لذا كان الكتاب نتاج فترة طويلة من الترحال والبحث فاقت الأربعة أعوام.

* في رأيك، من سيخلف أسامة بن لادن كزعيم لتنظيم القاعدة؟ هل يتمتع الظواهري بالقبول أم سيكون الرهان على أبو يحيى الليبي؟ - قد أكون مخطئا، لكنني ما زلت أعتقد أن الظواهري سيكون الزعيم القادم للتنظيم على الأقل في الوقت الراهن، فهو النائب رسميا، كذلك يبدو أنه سيسعى إلى تولي منصب القيادة. إن رفضه البعض فسيتطلب عقد اجتماع شورى يضم شخصيات نافذة رفيعة المستوى. سيكون من الصعب جدا القيام بذلك في ظل الظروف الراهنة. يمكن أن يكون أبو يحيى الليبي منافسا للظواهري، لكن تجاوزه يتطلب موافقة الظواهري وهو أمر غير مؤكد بالنسبة إلي. أما في ما يتعلق بمدى القبول الذي يحظى به الظواهري، فهو لا يتمتع بالقدرة على التواصل التي كان يتسم بها بن لادن، فهو مولع بالجدل ولديه تاريخ حافل بتهميش رفقائه. ربما يكون قادرا على إدارة شؤون التنظيم لفترة ما، لكن أشك في أن يستطيع جمع أموال مثلما كان يفعل بن لادن أو حل المشاكل الأساسية التي تتعلق بعدم تمتع التنظيم بشعبية سياسية.

* بالتأكيد لن يكون لزعيم للتنظيم أيا كان اسمه القدر من الاتصالات والثروة التي كان يتمتع بها بن لادن، كيف سيتم شغل هذا الفراغ؟ - بالطبع، تظل القضية الأساسية بالنسبة إلى تنظيم القاعدة هي قضية التمويل بسبب الضغط الواقع عليها من جهات مختلفة. وسيكون عبور الحدود أو تفادي تعقبهم أو القبض عليهم أو الموت أصعب عن ذي قبل. ويفسر هذا تورط التنظيم في حوادث خطف، فقد تكون أموال الفدية التي يطلبونها لإطلاق سراح المختطفين من أهم مصادر التمويل في الوقت الحالي. لكن على المدى الطويل، سيتعين على التنظيم أن يضفي على تلك العمليات الشرعية السياسية أو الدينية مثلما حدث في عملية الاختطاف التي قامت بها في النيجر أو الصومال ويسعى إلى الحصول على تبرعات من دول الخليج الغنية مثلما نجح في التسعينات.

* قتل بن لادن تقريبا بلا مقاومة، هل كانت تلك النهاية متوقعة؟ هل سيكون الزعيم القادم أكثر حرصا؟ - كان من المثير للاهتمام ألا يكون هناك حارس شخصي برفقة بن لادن. يمكننا أن نرى الآن أنه إما أن بن لادن ومضيفيه شعروا بعدم قدرتهم على الاستعانة بحارس شخصي مسلح، لأن ذلك من شأنه أن يسهل عملية العثور عليهم أو أن الاستخبارات الباكستانية أعطتهم إشارة بأنها ستوفر الأمن الذي يحتاجه بن لادن. بحسب أحد حراس بن لادن الشخصيين السابقين، تعهد بن لادن بأن يموت وهو يقاتل. لكن بالطبع، كان قول ذلك أسهل من مواجهة الاختيار. إنه لم يقاتل، لكنه كان من الواضح أنه لم يستسلم أيضا وبالتالي قتل.

* نلت جائزة الـ«بوليتزر» للصحافة عن كتابك «حروب الأشباح»، كم استغرق تأليف هذا الكتاب وما تطلبه من عملية بحث؟ - استغرقت عملية الكتاب عامين، لكنني كنت أسافر وأعمل كمراسل صحافي في أفغانستان وباكستان لسنوات عديدة قبل ذلك وقمت بعمل الكثير من الملفات التي تتضمن أبحاثا وبيانات الاتصال بأشخاص كثر في البلدين. يمكنك القول إن الأمر بدأ قبل تأليف الكتاب.

* أي من أعمالك التحقيقية أو من بين كتبك تعتبر أن لها أثرا كبيرا، سواء عليك أو على قرائك؟ وأيهم وجدت تحديا في كتابته؟

- ربما يكون كتاب «حروب الأشباح» هو ما جذب أكبر عدد من القراء بمختلف أنحاء العالم. وقد أشبع هذا الكتاب رغباتي لأني قضيت وقتا طويلا من قبل خلال حياتي المهنية أتناول مشكلة الجهاديين داخل باكستان وأفغانستان ولكن من دون أن يحظى هذا باهتمام كبير خارج إطار المتخصصين في مثل هذه القضايا. ولكن حتى بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، لم أتوقع أن يجد الكتاب مثل هذا الجمهور الكبير - وقد أدهشني ذلك لأن الكتاب كانت به الكثير من التفاصيل، وكان طويلا.

* هل تعتقد أن أمر «القاعدة» كتنظيم انتهى أم سيتمكن القائد الجديد من أن يلملم شتاته؟

- أعتقد أنه سيستمر على نحو ما. فـ«القاعدة» تمثل الكثير من الأشياء، فهو تنظيم له مقر وقادة في باكستان ومنطقة الحدود الأفغانية - الباكستانية وشبكة من الجماعات التي تتشابه معها آيديولوجيا وأفرع مثل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، التي يتطوع أفرادها بتنفيذ عمليات نيابة عن «القاعدة» دون مقابلة قائد أو مدرب. فقد أصبح الأمر مثل علامة تجارية مثل «آبل» و«نايكي» تساعد في جمع التبرعات وإرهاب الأعداء. يبدو أن تلك الجماعات بوجه خاص ستحافظ على مستوى نشاطها الحالي، الذي لا يبدو مرتفعا وإن كان ينفذ مخططات خطيرة من آن إلى آخر.

* هل تعتقد أن الباكستانيين أو جهاز الاستخبارات الباكستانية كانت تعرف بمكان بن لادن أم أنهم تفاجأوا مثلهم مثل باقي العالم؟ - تطرح القرائن الكثير من الأسئلة، فقد كان في منزل بمدينة عسكرية بالقرب من أكاديمية باكستان العسكرية، في مجتمع محدود يعرف الجميع بعضهم البعض فيه. سيكون من المفاجئ ألا يعرف جزء من الحكومة الباكستانية مكانه، لكن ينبغي أن نتتبع الأدلة.

* ما رأيك في المعلومات المتناقضة التي تقدمها الولايات المتحدة بشأن التفاصيل المحيطة بمقتل بن لادن؟ هل تعتقد أن هناك المزيد من المعلومات لم يتم الكشف عنها بعد؟ - لقد أربكت إدارة أوباما الناس في البداية من خلال إصدار تقارير مبكرة عما حدث خلال العملية التي كان عليها تصحيحها في وقت لاحق. كثيرا ما يتبين عدم صحة التقارير الأولية عن أي معركة. كان على الإدارة أن تكون أكثر حرصا في إصدار مثل هذه التفاصيل. إنهم يقولون الآن إن لديهم كمية هائلة من البيانات والمعلومات عثروا عليها من المنزل الذي كان يقيم فيه بن لادن. من المؤكد أننا سنعلم المزيد عما اكتشفوه في ما بعد.

* لقد مارست العديد من المهن المختلفة، مثل الصحافة والكتابة والعمل كرئيس لمؤسسة «أميركا الجديدة»، ولكن أي من هذه الأعمال جذبتك؟ ولماذا؟ - أرى نفسي بالأساس صحافيا، وقد كنت محظوظا لأني توليت مناصب قيادية داخل صحيفة «واشنطن بوست» ومؤسسة «أميركا الجديدة». وأستمتع بتحدي مساعدة الصحافيين الآخرين والباحثين ليقوموا بأعمالهم داخل بيئة ناجحة تساعد على الابتكار. ولكني أحب حياة السفر والتقارير والكتابة في مشاريع خاصة بي وأتمنى القيام بذلك لأعوام.

ستيف كول في سطور

* يشغل ستيف كول منصب رئيس مؤسسة «أميركا الجديدة» ويساهم بكتاباته في مجلة «نيويوركر». وقضى 20 عاما مراسلا للشؤون الخارجية ومحررا بارزا بصحيفة «واشنطن بوست»، وشغل منصب مدير التحرير بالصحيفة في الفترة من 1998 حتى 2004. وألف كول ستة كتب، من بينها «صفقة القرن: انهيار آيه تي آند تي» عام 1986، وكتاب «الحصول على جيتي أويل» عام 1987، و«نسر في الشارع» الذي يعتمد على تقرير فائز بجائزة «بوليترز» لمعركة لجنة البورصة الأميركية مع «وول ستريت» (مع ديفيد فيز عام 1991)، و«رحلة في جنوب آسيا» عام 1994، و«حروب الأشباح: التاريخ السري لوكالة الاستخبارات المركزية وأفغانستان وبن لادن من الغزو السوفياتي حتى 10 سبتمبر 2001» عام 2004. و«عائلة بن لادن: عائلة عربية في القرن الأميركي» عام 2008. وفيه يتحدث كول عن قصة عائلة بن لادن للوهلة الأولى كإحدى القصص الأميركية البطولية المألوفة. فيركز هذا الكتاب على النقطة المفصلية في تاريخ تلك العائلة، وهي نزوح عامل البناء الأمي اليمني «محمد بن لادن» إلى إحدى بلدان الثروة النفطية، المملكة العربية السعودية. وبعد فترة ليست بطويلة، أصبح هذا الرجل «محمد بن لادن» من خلال العمل الشاق والطموح والموهبة إحدى دعائم التطوير، فساهم في بناء العديد من المساجد العظيمة والطرق السريعة، التي جعلته هو وأولاده من أصحاب الثروة التي تقدر بالمليارات. فخلال جيلين، انتقلت العائلة بن لادن من وادي الصحراء الجدب إلى حياة الرفاهية من طائرات ويخوت ومركبات خاصة حول العالم، فضلا عن صفقات عمل مع مشاهير هوليود.

وحصل كول على جوائز مهنية من بينها جائزة «بوليتزر» مرتين. وحصل على الأولى لتميزه في الصحافة الاستقصائية عام 1998 ولسلسلته مع ديفيد فايس عن لجنة البورصة الأميركية. وحصل على الثانية عام 2005 عن كتابه «حروب الأشباح»، الذي حصل أيضا على جائزة «آرثر روس» التابعة لمجلس العلاقات الخارجية، وجائزة «نادي الصحافة في الخارج»، وجائزة «ليونل غلبر» لأفضل كتاب نشر عن الشؤون الخارجية خلال 2004. ومن الجوائز الأخرى التي حصل عليها جائزة «ليفينغستون» عام 1992 لأبرز تقرير خارجي، وجائزة «روبرت كيندي» التذكارية عام 2000 لتغطيته الحرب الأهلية داخل سيراليون وجائزة أخرى تابعة لنادي الصحافة في الخارج للكتابة داخل مجلة دولية. ويعيش داخل واشنطن دي سي.