أسوة بلندن ونيويورك.. البرلمان العراقي يدرس إقرار قانون لمنع التدخين في الأماكن العامة

نواب اعتبروها خطوة حضارية.. وعراقيون يرونها مضيعة للوقت وتجاهلا لقوانين أهم

عراقي يدخن النارجيلة في مقهى بمدينة الصدر (المصدر: «نيويورك تايمز»)
TT

في بلد ينقطع فيه التيار الكهربائي عدة مرات خلال اليوم، ويستغرق فيه ملء خزان الوقود في السيارات ساعات، ويعاني فيه سائقو السيارات الاختناقات المرورية - يبدو التدخين أمرا هينا. يبلغ سعر علبة السجائر 25 سنتا وتنتشر في كل مكان وتباع في أكواخ مبنية من الطوب اللبن على طول الطرق السريعة، وتعرض على طاولات على أرصفة المدينة وفي عدد لا يحصى من واجهات المتاجر في أنحاء بغداد. يمكنك إشعال عدد كبير من السجائر في أي مكان بدءا من الحافلة والمصاعد وانتهاء بالمستشفيات، بل وحتى داخل مبنى البرلمان العراقي. لكن اتباعا للنهج السائد في نيويورك ولندن وعدد من المدن الغربية، يعمل النواب العراقيون حاليا على إقرار قانون يحد من التدخين في الأماكن العامة، مما أثار غضب الكثير من المواطنين العراقيين في دوائرهم الانتخابية. من المقرر أن يناقشوا الأحد مشروع قانون يمنع التدخين في المدارس والجامعات والمصالح الحكومية وعدد كبير من الأماكن من بينها المطاعم والمقاهي. كذلك سيتم حظر تعليق اللافتات الإعلانية عن السجائر في بغداد، وسيتم إجبار الشركات التي تعمل في مجال تصنيع السجائر على وضع تحذيرات أكثر قسوة على علب السجائر. قال جواد البزوني، أحد أعضاء لجنة الصحة في البرلمان العراقي الذي يؤيد إقرار القانون: «إنها قضية مهمة. يمكن للمواطن أن يعرب عن امتعاضه للمدخن، حيث سيجد القانون إلى جانبه. وسيكون لذلك تأثير على الصحة العامة». اعتبر بعض العراقيين ذلك محاولات البرلمان مضيعة لوقت السلطة التشريعية التي ترددت في إصدار قوانين بشأن قضايا أكثر أهمية مثل بقاء القوات الأميركية بعد يناير (كانون الثاني) عام 2012. ولا تزال احتمالات إقرار هذا القانون غير واضحة حتى هذه اللحظة. لم يصدر البرلمان خلال الستة أشهر التي أعقبت تشكيل حكومة ائتلافية تتكون من الفرقاء السياسيين، سوى عشرة قوانين ليس من بينهم قوانين مثيرة للجدل. وأقر البرلمان الميزانية وألغى الإجراءات التي كانت تتخذ إبان حكم صدام حسين واتجه إلى خفض المرتبات التي يتقاضونها وزيادة الدعم الحكومي استجابة للمطالبات بإصلاح حكومي.

وقضى السياسيون في الحكومة التي يقودها الشيعة وقتهم في الخطابات الحماسية المدافعة عن المتظاهرين الشيعة في البحرين وأخذوا يوم عطلة تضامنا منهم. ومع ذلك، يتحرك القادة العراقيون ببطء شديد باتجاه حل مشكلة كركوك في شمال بغداد المتنازع عليها الغنية بالنفط والتي تعد من أكثر المناطق إشكالية في العراق. لم يتم تسمية وزراء لقيادة قوات الشرطة والجيش، مما يتسبب في فراغ يرى بعض العراقيين أنه سبب الاغتيالات وأعمال العنف الأخيرة. قال عبود الدليمي، الذي كان جالسا مع اثنين من أصدقائه خارج مقهى لتدخين الشيشة في وسط بغداد: «هناك الكثير من القضايا المهمة التي ينبغي أن تناقش. على الحكومة أن تصدر قوانين تخدم الناس، فهناك أكثر من 3 ملايين عاطل، بينما هم منشغلون بهذه القوانين». وقال عباس الجنبي الذي يجلس بجانبه وهو يدخن: «إن هذا غباء».

وأوضح الجنبي الذي يبلغ من العمر 46 عاما إنه يدخن علبة سجائر يوميا منذ خمسة عشر عاما قبل الغزو الأميركي للعراق عام 2003. لكن في ظل الفوضى التي أعقبت الغزو ومع إغلاقه للمصنع الذي كان مزدهرا ذات يوم وبيعه لمنزله وسفره للخارج بدأ يدخن أكثر. والآن، بعد أن عاد إلى بغداد من منفاه المؤقت في دبي وسوريا ليعيش في شقة صغيرة في شارع فلسطين، يقول إنه يدخن أربع علب سجائر يوميا، في ظل معاناته بسبب البحث عن عمل. إنه يعلم أن في هذه العادة حتفه وهلاكه، لكنه ينظر إليها باعتبارها حتمية وكثيرا ما تسمع في أنحاء العراق. وقال: «أعلم أن السجائر ستقتلني يوما ما، لكنني لا أستطيع أن أفعل أي شيء حيال ذلك. ربما أقتل غدا، إنه القدر». وحاول البرلمان العراقي إقرار مثل هذا القانون من قبل في عام 2009، لكنهم تخلوا عن الأمر، ثم تم طرح الأمر للمناقشة مرة أخرى في أبريل (نيسان) الماضي، ومن المقرر أن يتم مناقشة القانون للمرة الثانية يوم الأحد في خطوة لازمة باتجاه إقراره. وعلى الرغم من ارتفاع معدل التدخين في العراق كثيرا عن معدل التدخين في الصين وروسيا ودول شرق أوروبا، يعد عدد المدخنين من السيدات أو المسلمين الملتزمين قليلا، مما يعني أن معدل التدخين بين الذكور أعلى. ويعد ارتفاع معدل استهلاك السجائر في العراق هو الأعلى في الشرق الأوسط، حيث ينتشر التدخين في بغداد باعتباره من الفضائل. وفي أكثر المقاهي والمطاعم، يتناول العراقيون عصائر الفاكهة أو الشاي ويكتفون بتدخين السجائر والشيشة والمعسل ذي النكهات المتنوعة. قال علي عسان علي إن قانون حظر التدخين في الأماكن العامة سوف يضر بالمقهى الذي يمتلكه. وأوضح أنه أنفق 400 ألف دولار لفتح هذا المقهى وتجديد الطابق الثاني، وقال إن القيود المقترحة على التدخين كثيرة. وأضاف: «هذه هي حياتي، هذه هي صحتي». ويجلس بالقرب منه أربعة من أصدقائه عبروا عن آراء تحررية مماثلة. وقال رامي صباح البالغ من العمر 19 عاما: «نحن عراقيون، نحن نحب تدخين الشيشة والسجائر. إن المكان هنا مناسب ليقضي به الشباب وقته». وقال صديقه براء غازي البالغ من العمر 27 عاما وهو يسحب نفسا طويلا من الشيشة: «هذه هي الحرية».

* خدمة «نيويورك تايمز»