حكم بالسجن يغلق ملف آخر محاكمة كبرى تخص جرائم النازية

ديميانيوك التسعيني نال 5 سنوات بعد إدانته بالمشاركة في قتل الآلاف وقضيته نظرت في 3 دول

صورة لجون ديميانيوك تعود إلى عام 1993 (رويترز)
TT

في ما قد تكون واحدة من آخر المحاكمات الكبرى لجرائم الحرب النازية، قضت محكمة ألمانية بالسجن لمدة خمس سنوات على جون ديميانيوك، وهو عامل سيارات سابق في ولاية أوهايو، بعدما أدين بالمشاركة في قتل 28.000 شخص أثناء العمل كحارس في معسكر اعتقال «سوبيبور» في بولندا التي كانت محتلة من قبل النازيين خلال عام 1943.

ومع ذلك، لم يتم إعفاء ديميانيوك من الاعتقال قبل المحاكمة أول من أمس أثناء استئنافه، الذي قد يستغرق عاما. وبعد صدور الحكم، تم إخراج ديميانيوك، 91 عاما، من قاعة المحكمة على كرسي متحرك، وتوقف برهة أمام الكاميرات، ولم يقل أي شيء، لكنه أزال نظارته السوداء التي كان يرتديها طوال المرافعات.

وقال أقارب ضحايا معسكر سوبيبور، الذين تم تعريفهم بأنهم مدعون مشتركون في المحاكمة، إنهم يشعرون بالرضا تجاه الحكم حتى وإن كان سيتم تحرير ديميانيوك بشكل مؤقت على الأقل. وسيتم احتساب السنتين اللتين قضاهما في السجن ضمن العقوبة.

وقال ديفيد فان هويدين، الذي فقد والديه وأخته بعدما ألقى النازيون القبض عليهم في مدينة أمستردام الهولندية وأرسلوهم إلى معسكر اعتقال سوبيبور «سواء كانت ثلاث أو أربع أو خمس سنوات، فإن هذا لا يهم». وذكر فان هويدين أنه نجا لأن والديه كانا قد أرسلاه للسير في نزهة مع كلب العائلة قبل قدوم الألمان، وأنه اختفى مع أصدقاء غير يهود.

وقال فان هويدين إن المحاكمة أظهرت الدور الذي لعبه أشخاص مثل ديميانيوك، وهو أوكراني قاتل في البداية مع الجانب السوفياتي، حسب الشهود، لكنه وافق على العمل مع قوات الشرطة الألمانية الخاصة في عام 1941. وقال فان هويدين «لقد شارك وتطوع. وأنت لا تقتل عددا كبيرا جدا من الناس من دون مساعدة الحراس». وقضى ديميانيوك معظم جلسات المرافعات، التي استمرت طوال اليوم، وهو مستلق على ظهره في سرير غير بعيد عن المكان الذي قرأ منه القاضي رالف ألت نص الحكم في قاعة إحدى المحاكم الساخنة. وظل ديميانيوك، الذي كان وجهه مغطى خلف قبعة بيسبول زرقاء ونظارة سوداء، بلا حراك تقريبا، وكان يرفع ركبته أو ذراعه أحيانا، لكنه لم يبد أي رد فعل تجاه المرافعات.

وجاء الحكم بعد عقود من المرافعات شارك فيها ديميانيوك جرت في ثلاث دول. وبعدما فقد جنسيته الأميركية في عام 1985 بسبب كذبه بشأن ماضيه، تم ترحيل ديميانيوك إلى إسرائيل، واتهم بأنه كان حارسا وحشيا بشكل خاص يعرف باسم «إيفان المروع» في معسكر «تريبلينكا».

لكن محكمة إسرائيلية عليا أسقطت الإدانة وعقوبة الإعدام التي كانت قد صدرت بحق ديميانيوك في عام 1993، وقضت بأن ديميانيوك لم يكن إيفان حتى وإن بدا أنه كان حارسا في معسكر «سوبيبور» الذي كان في بولندا. إلا أن ديميانيوك عاد إلى الولايات المتحدة، لكن بعد سنوات إضافية من المرافعات القانونية، تم ترحيله إلى ألمانيا خلال عام 2009 من أجل الخضوع للمحاكمة.

وجعلت المحاكمة القانونية الطويلة ديميانيوك واحدا من أشهر المتهمين بارتكاب جرائم حرب، حتى وإن قيل إنه كان قد احتل تصنيفا منخفضا في التسلسل الهرمي لقيادات المعسكر. وقال الضحايا إن هذا الأمر لم يكن يهمهم. وقال رودي إس كورتيسوس، الذي قتلت أمه في معسكر سوبيبور «إنه سمكة صغيرة. لكن سواء كان حوتا أم سمكة سردين صغيرة، فإن أي شخص سار على هذا النحو الخاطئ يجب أن يعاقب».

وأكد محامو الدفاع عن ديميانيوك أن بطاقة هوية قوات الشرطة الألمانية ووثائق أخرى خاصة بموكلهم كانت قد زيفت بواسطة السوفيات. لكن القاضي ألت ذكر أنه كانت هناك سلسلة واضحة من الوثائق والشهادات التي أوضحت مسار ديميانيوك من سجين حرب سوفياتي إلى حارس في معتقل سوبيبور.

وبعد إغلاق معتقل سوبيبور في نهاية عام 1943، خدم ديميانيوك في وحدة أوكرانية قاتلت مع الجانب الألماني، واعتقل من قبل القوات الأميركية في نهاية الحرب، وفقا للشهادة. وبعد قضائه عدة سنوات في مخيم للمشردين في ألمانيا، استقر ديميانيوك في ولاية أوهايو، وعمل في مصنع سيارات، وفقا للحقائق التي توافرت للمحكمة.

وفي بريد إلكتروني، قال نجل «ديميانيوك»، المدعو جون ديميانيوك جونيور، إنه «لا يوجد أي دليل على أنه كان قد أذى شخصا واحدا في أي مكان». وأضاف «بينما يشعر البعض بالرضا بسبب هذا الحكم، فإن الحكم ليس أكثر حسما اليوم من الإدانة الإسرائيلية الخاطئة والحكم بالإعدام الذي كان قد صدر من قبل».

لكن القاضي ألت ذكر أنه من المستحيل بالنسبة لأي شخص أن يكون قد عمل في معتقل سوبيبور ولم يكن جزءا من آلة القتل النازية. وقال القاضي «كان كل فرد من الحراس يعرف أنه كان جزءا من منظمة ليس لديها أي هدف آخر سوى القتل الجماعي».

وبتفصيل مؤلم، تلا القاضي التواريخ التي وصلت فيها قطارات النقل إلى معتقل سوبيبور، وعدد الأشخاص الذين كانوا موجودين بداخلها، وأسماء المعتقلين الذين كانوا من أفراد أسر المدعين المشتركين.

وكانت والدة كورتيسوس قد وصلت يوم 21 مايو (أيار) 1943 مع 2.300 معتقل آخر، معظمهم من اليهود الهولنديين الذين أرسلوا فورا إلى غرف الإعدام بالغاز. وكان هناك قطار آخر محمل في معظمه بالأطفال، الذين أعدموا أيضا في غرف الغاز فورا.

ورفضت المحكمة الدعاوى القائلة إن ديميانيوك لم يكن لديه بد سوى العمل في معسكرات الاعتقال. وذكر القاضي ألت أن عددا كبيرا من الأوكرانيين الذين جُندوا للعمل لحساب قوات الشرطة الألمانية الخاصة هربوا بنجاح بعد علمهم بطبيعة العمل، وأن ديميانيوك كان يتعين عليه أن يتصرف مثلهم. وقال «كان يمكن الهرب مع توافر فرصة للنجاح». وأفاد القاضي بأن ديميانيوك كان يمكن أن توقع عليه أقصى عقوبة وهي السجن لمدة 15 عاما بسهولة. لكنه ذكر أنه وضع في اعتباره سن ديميانيوك وحقيقة أنه لم يكن له أي تأثير على عدد السجناء الذين أرسلوا إلى المعسكر. وذكر كورتيسوس، الذي نجا من الحرب عبر الاختباء في أمستردام، حيث لا يزال يعيش، إنه يشعر بالتقدير للقاضي الذي منحه الفرصة لوصف تجاربه خلال المحاكمة. وقال كورتيسوس، 73 عاما، خارج المحكمة «لقد امتلكت فرصة لقول ما أردت أن أقوله لمدة خمسين عاما». وأضاف «أنا راض. وهذا لا يعني أن بإمكاني أن أنسى ما حدث، ولا يعني أيضا أنني يمكن أن أتسامح مع المجرمين».

* شارك في التقرير جاك إيفينغ من ميونيخ وآلان كاويل من باريس، وشتيفان بولي من برلين، وإيزابيل كريشنر من القدس

* خدمة «نيويورك تايمز»