طالبان تنتقم لابن لادن وتقتل 80 باكستانيا في هجوم انتحاري مزدوج

بيشاور: مجزرة تستهدف شبانا متطوعين في الشرطة لدى عودتهم إلى منازلهم

جندي باكستاني في موقع التفجيرات الانتحارية أمام مقر تجنيد المتطوعين خارج مدينة بيشاور أمس (أ.ب)
TT

نفذت حركة طالبان الباكستانية أمس أولى عملياتها الانتقامية بعد مقتل أسامة بن لادن زعيم «القاعدة»، وهاجمت قوات شبه عسكرية باكستانية، في هجوم انتحاري مزدوج بتشارسادا، على بعد 20 كيلومترا من بيشاور. وقُتل خلال الهجوم أكثر من 80 شخصا، معظمهم كوادر تحت التدريب في القوات الباكستانية شبه العسكرية.

وقال مسؤول بارز في الشرطة الباكستانية لـ«الشرق الأوسط» إنه وقع تفجيران في منطقة تابعة لتشارسادا، عندما كان المتدربون على وشك ركوب الحافلات للعودة إلى منازلهم. واقترب انتحاري من الحافلات وفجر نفسه، فيما وقع التفجير الثاني بعد دقائق. وتبنت حركة طالبان الباكستانية المسؤولية عن الهجوم، وقالت إنه للانتقام لمقتل بن لادن على يد القوات الخاصة الأميركية.

وقد توعد متمردو طالبان الموالون لتنظيم القاعدة والذين يشنون حملة اعتداءات دامية في باكستان بالانتقام من إسلام آباد التي يتهمونها بالتواطؤ في قتل بن لادن في عملية نفذتها وحدة من القوات الخاصة الأميركية قبل 11 يوما في شمال البلاد. وقال نزار خان مروة، قائد شرطة منطقة تشارسادا، إن انتحاريا على دراجة نارية فجر صباح أمس عبوته في بلدة شبقدار، بينما كان الشبان المجندون الذين ارتدوا ملابسهم المدنية يستعدون للصعود في حافلات ستعيدهم إلى منازلهم في ماذونية لعشرة أيام. واستهدف الاعتداء مركز تدريب لوحدة حرس الحدود شبه العسكرية التابعة للشرطة. وبينما كان رجال الشرطة والإسعاف يهرعون لمساعدة الجرحى، فجر انتحاري آخر على دراجة نارية أيضا عبوته متسببا في مجزرة ثانية. وقال مروة «قتل سبعون شخصا بينهم 65 من حرس الحدود وخمسة مدنيين». وروى الجريح أحمد علي، وهو متطوع «كنت جالسا في حافلة صغيرة أنتظر زملائي.. كنا فرحين بالعودة إلى عائلاتنا، وسمعنا أحدا يصيح الله أكبر قبل أن يقع انفجار عنيف». وأضاف «ثم سمعت انفجارا ثانيا فقفزت من الحافلة وكنت مضرجا في الدماء». وهذا الاعتداء هو الأكثر دموية هذه السنة في باكستان.

وقال إحسان الله إحسان، المتحدث باسم حركة طالبان الباكستانية، في اتصال هاتفي مع وكالة الصحافة الفرنسية من مكان مجهول «إنها أول عملية انتقامية لاستشهاد أسامة (بن لادن) نفذها اثنان من مقاتلينا». وأضاف متوعدا «توقعوا هجمات أقوى في باكستان وأفغانستان». وتعتبر حركة طالبان الباكستانية التي أعلنت عام 2007 ولاءها لـ«القاعدة» المسؤول الرئيسي عن أكثر من 450 اعتداء معظمها انتحارية أوقعت ما لا يقل عن 4300 قتيل في جميع أنحاء البلاد منذ نحو أربع سنوات. وفي صيف 2007 أعلنت الحركة «الجهاد» ضد إسلام آباد لدعمها واشنطن في «حربها ضد الإرهاب»، بعيد إعلان بن لادن شخصيا «الجهاد».

وتقع شبقدار عند مشارف المناطق القبلية المحاذية لأفغانستان والتي تعتبر معقل طالبان الباكستانية وتنظيم القاعدة والتي تشكل قاعدة خلفية لطالبان الأفغانية، لا سيما لحركة حقاني العدو اللدود للقوات الأميركية التي يشكل جنودها ثلثي القوات الدولية المنتشرة في أفغانستان. كما يستخدم تنظيم القاعدة معسكرات التدريب التابعة لطالبان في المناطق القبلية، وقد درب فيها الكثير من الانتحاريين الذين نفذوا بعدها اعتداءات أو محاولات اعتداءات في الولايات المتحدة وأوروبا، بدءا باعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، مرورا باعتداءات مدريد في 2004، ثم اعتداءات لندن عام 2005، ووصولا إلى محاولة الاعتداء في ساحة تايمز سكوير في نيويورك عام 2010. وكان الخبراء يتوقعون منذ عشر سنوات أن يكون بن لادن لجأ إلى هذه المناطق الجبلية الوعرة وليس إلى مدينة أبوت آباد التي تؤوي حامية عسكرية ولا تبعد سوى ساعتين عن إسلام آباد شمالا.

وشنت وحدة من 79 جنديا من قوات النخبة الأميركية ليلة الثاني من مايو (أيار) عملية خاطفة في هذه المدينة قتلت خلالها بن لادن، وذلك من دون إبلاغ السلطات الباكستانية بحسب ما أعلنت إسلام آباد وواشنطن، مما أثار احتجاجات من الحكومة والجيش الباكستانيين الخاضعين لضغوط شعبية في بلد ينتشر فيه العداء للأميركيين. وأدت العملية التي جرت بإشراف وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) التي أوضحت أنها لم تشأ إبلاغ إسلام آباد مسبقا خشية حصول تسريبات، إلى تصاعد التوتر مجددا بين واشنطن وحليفتها. ويطلب كبار القادة الأميركيين باكستان بالتحقيق لمعرفة كيف تمكن بن لادن من الاختباء عدة سنوات من دون حصول تواطؤ على أعلى المستويات في تلك المدينة التي تحوي أكبر مدرسة حربية باكستانية وتؤوي عشرة آلاف عسكري. لكن إسلام آباد اعتبرت أن تلك الاتهامات «لا معنى لها»، مشيرة إلى أن باكستان تدفع أفدح ثمن «للحرب على الإرهاب» مع حملة الاعتداءات التي تتعرض لها من أتباع «القاعدة».

ويبقى الرأي العام الباكستاني مناهضا بغالبيته الكبرى للأميركيين، معتبرا أن الولايات المتحدة «استوردت» حربها ضد «القاعدة» إلى باكستان بعد حملة فاشلة في أفغانستان. وفي دلالة إضافية على هذا التوتر، هددت إسلام آباد أول من أمس واشنطن «بإعادة النظر» في تعاونها معها في مكافحة الإرهاب. وألغى الجنرال خالد شاميم وين المسؤول الثاني في الجيش الباكستاني أمس الجمعة زيارة للولايات المتحدة كانت مقررة بين 22 و27 مايو الحالي «بسبب الأجواء السائدة حاليا» في العلاقات بين البلدين.