نجاد يقيل 3 وزراء ويتمسك بمشائي.. رغم هجمات المحافظين

الباسيج ينفذون تدريبات لمواجهة مظاهرات.. ومسؤول ينتقد اتهام التيار المحافظ للرئيس بالانحراف

عناصر من الباسيج يجرون تدريبات لقمع المظاهرات المضادة للنظام الإيراني في طهران أمس (أ.ف.ب)
TT

وسط استمرار حالة التوتر بين الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، والمحافظين ومرشد الجمهورية علي خامنئي، أفادت وكالة الطلبة الإيرانية للأنباء أن الرئيس الإيراني أقال وزير النفط ووزيرين آخرين، أمس، بينما أبدى تمسكه بمدير مكتبه، اسفنديار رحيم مشائي، الذي يطالب المحافظون، علنا، الرئيس بالتخلي عنه.

وقالت الوكالة: «أقال الرئيس محمود أحمدي نجاد وزراء النفط والرعاية الاجتماعية والصناعة والتعدين لتقليص وزارات الحكومة».

وكان من المتوقع أن تشهد الوزارة المسؤولة عن خامس أكبر صادرات نفطية في العالم تغييرات بعد أن قال مسؤولون في وقت سابق هذا الشهر إنه سيجري دمج وزارتي النفط والطاقة ووزارتي العمل والرعاية الاجتماعية.

ولم يصدر إعلان بشأن من سيتولى الحقائب الوزارية الجديدة بعد الدمج. وينبغي أن يوافق البرلمان على أي تعيين وزاري جديد.

ولن يكون سهلا على أحمدي نجاد الحصول على موافقة البرلمان، الذي انتقد رئيسه علي لاريجاني، علنا، السياسات الداخلية والاقتصادية لأحمدي نجاد.

وتواكبت هذه العملية مع أسابيع من الشد داخل الحكومة التي تعتبر أن القضية هي شأن من اختصاص السلطة التنفيذية، في حين طالب البرلمان بحق النقض سواء بشأن الوزارات المدمجة أو أسماء الوزراء في الوزارات الجديدة، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية.

وجرى جدل حام هذا الأسبوع بهذا الشأن بين الرئيس أحمدي نجاد ورئيس البرلمان، علي لاريجاني، قبل أن يحسم المجلس الدستوري الأمر، يوم الخميس، لمصلحة البرلمان.

ونص قرار المجلس الدستوري على أن إحداث الوزارات الجديدة الـ3 يجب أن يحظى بموافقة البرلمان، وكذلك الأمر بالنسبة للوزراء الذين سيتولونها.

في غضون ذلك أوردت وسائل إعلام إيرانية، أمس، السبت، أن نحو 3 آلاف عنصر من ميليشيا الباسيج الإسلامية نفذوا في طهران، أول من أمس، الجمعة، مناورات لتحسين فاعليتهم في مواجهة أي مظاهرات محتملة ضد النظام.

وذكرت صحيفة «ارمان» الإصلاحية أن الباسيج استخدموا في هذه المناورات «خبرتهم في أحداث عام 2009»، حين شهدت البلاد مظاهرات ضخمة ومتكررة احتجاجا على إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد.

وأوضحت أن هذه المناورات جرت بين عناصر من الميليشيا «أدوا دور المتظاهرين المتمردين (المعارضة الإصلاحية)» ووحدات من القوات الخاصة في الباسيج.

وأكد قائد الحرس الثوري الإيراني في طهران، الجنرال حسين حمداني، أمام عناصر الباسيج، وفق وسائل الإعلام، أن النظام الإيراني «لا يزال عرضة للتمرد الداخلي».

وأضاف: «في هذا العام 1390 (وفق الروزنامة الإيرانية) فإن (الإصلاحيين) لا يزالون يتآمرون.. والتمرد سيتواصل»، وتابع حمداني، وفق «ارمان»، أن «الخطر المتواصل الذي علينا التنبه له هو الشيطان الداخلي».

وتتبع ميليشيا الباسيج للحرس الثوري الإيراني، ويقول خبراء غربيون إن نحو 100 ألف من عناصرها مدربون على التدخل إلى جانب قوات مكافحة الشغب والحرس الثوري لقمع المظاهرات المناهضة للنظام. في حين يبلغ عدد الباسيج الإجمالي بضعة ملايين.

وعلى صعيد قضية مشائي، رفض نائب الرئيس الإيراني المكلف الشؤون التنفيذية، حميد بقائي، أمس، اتهام أوساط الرئيس محمود أحمدي نجاد من جانب التيار المحافظ المتشدد داخل النظام بـ«الانحراف».

وقال بقائي، كما نقلت عنه وكالة «بانا» شبه الرسمية: «إذا كان من يتهمون مدير مكتب الرئيس (اسفنديار رحيم مشائي) مسلمين، فعليهم احترام الأخلاق الدينية». وأضاف بقائي القريب من أحمدي نجاد: «إذا لم يكن لأفراد هذا التيار دين، فليكونوا على الأقل إنسانيين».

ويتعرض مشائي منذ 3 أسابيع لانتقاد شديد من جانب المحافظين داخل النظام بحجة أنه ليبرالي وقومي ويتمتع بنفوذ كبير لدى أحمدي نجاد.

ويتهم مشائي بأنه يقود تيارا «انحرافيا» يسعى إلى نسف مؤسسات الجمهورية الإسلامية ويطالب التيار المحافظ أحمدي نجاد بإقالته، ولكن من دون جدوى.

وردا على سؤال عن سبب هذه الانتقادات للقريبين من الرئيس قال بقائي: «ربما تجاوزنا الخط الأحمر وهددنا مصالحهم». واندلعت أزمة خطيرة مع نهاية أبريل (نيسان) داخل النظام بعدما رفض المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي إقالة وزير الاستخبارات بناء على قرار اتخذه أحمدي نجاد.

واحتجاجا على ذلك انسحب أحمدي نجاد نحو 10 أيام من المشهد السياسي قبل أن يعلن ولاءه لخامنئي. واعتبر آية الله أحمد جنتي، وهو رجل دين محافظ بارز، أول من أمس، الجمعة، أن الأزمة بين أحمدي نجاد والمرشد الأعلى قد «تم تجاوزها». ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» في تقرير لها أن رفض محمود أحمدي نجاد قطع علاقته بأعز أصدقائه وكبير مستشاريه يزعزع منصبه كرئيس وربما لا يساعده على الاحتفاظ به. وتطور الخلاف بين أحمدي نجاد والمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، على خلفية إقالة وزير الاستخبارات الشهر الماضي، إلى هجمات شرسة ضد الرئيس ومستشاره، إسفنديار رحيم مشائي، على الملأ، من قبل مؤيدين سابقين. كانت تلك الانتقادات من قبل علماء دين نافذين ونواب في البرلمان وقادة عسكريين انحازوا إلى جانب المرشد الأعلى، مما أدى إلى حدوث صدع في المشهد السياسي الإيراني يعد الأكبر منذ فوز أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية عام 2009.

وثبت أن مشائي (51 عاما) الذي كان محور سلسلة من الجدل خلال السنوات الأخيرة، أكبر أثقال أحمدي نجاد. وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، تم إلقاء القبض على الكثير من المقربين من مشائي دون توضيح التهم الموجهة إليهم؛ من بين المعتقلين خطيب الجامع الرئاسي، وأول زوجة لوزير خارجية خلال حقبة ما قبل الثورة، ورجل يقال إنه متورط في الشعوذة.

ويشير إعلام الدولة حاليا إلى مشائي بـ«زعيم الفئة الضالة». وبحسب وكالة أنباء «فارس» شبه الرسمية، يسعى مشائي وحلفاؤه إلى الحد من دور رجال الدين في الجمهورية الإسلامية، ويتوقعون قرب ظهور «المهدي المنتظر» لدعم مؤيديه. وكتب حميد رضا مقدم فر، مدير وكالة أنباء «فارس» يوم الأربعاء: «لم يشهد تاريخ الجمهورية الإسلامية هذه الفئة من قبل». ونقلت وسائل الإعلام الإيرانية مزاعم عن تورط مشائي في قضايا فساد.

فضلا عن ذلك، امتنع البرلمان عن تمويل المجلس الأعلى للإيرانيين المقيمين في الخارج الذي يتولى رئاسته على خلفية اتهام هذا المجلس بالاتصال مع المعارضة الإيرانية في الغرب.

ويقول مؤيدو مشائي إنه يتم تلويث سمعته من أجل الضغط على الرئيس. لكن لم يبد أحمدي نجاد أي إشارة تنم عن استسلامه، حيث قال على شاشة تلفزيون الدولة: «إنهم يختلقون هذه النكات عن قراءة الطالع والشعوذة. من الواضح أن خصومنا يريدون أن يضحكوا الناس». وسبب ارتباط أحمدي نجاد بمشائي واضح، على حد قول المحللين، وهو أن كلا منهما بحاجة إلى الآخر.

ويقول أمير محبيان، المحلل الذي كان من مؤيدي سياسات أحمدي نجاد في الماضي: «الاثنان قطعتان في أحجية واحدة. إنهما لا يناقضان بعضهما، بل يكمل كل منهما الآخر». وأوضح أن القبض على مشائي محتمل، لكنه يرى أن هذا سيدفع نجاد إلى اتخاذ رد فعل «عدواني عنيف».

وكان أحمدي نجاد أعلن يوم الأحد الماضي قوة علاقته مع المرشد الأعلى، شاكيا من محاولة «الأعداء» بث الفرقة والعداوة بينهما. وصرح مشائي، الذي يتحدث لأول مرة منذ اندلاع الأزمة، يوم أول من أمس، الجمعة، لوكالة الأخبار الإيرانية، بأن بعض المسؤولين داخل الحكومة «يثيرون مسألة وجود صدع من أجل الوصول إلى أهداف المجموعات التي ينتمون إليها»، وعبر مشائي عن دعمه القوي لخامنئي، مؤكدا عدم تأثير «الحملة الإعلامية الأخيرة» على الرئيس. لكن يشك البعض في حدوث توتر في العلاقة بين الرئيس والمرشد الأعلى اللذين كانا حليفين على جبهة واحدة يوما ما.

ورغم الصراع بين الرئيس ومؤيديه السابقين، يقول المحللون إنه لا يوجد احتمال كبير في تخلي أحمدي نجاد عن مساعده الذي يثق فيه ويعرف أنه أهم مستشار استراتيجي له. ومن المتوقع أن يحاول مشائي خلافة أحمدي نجاد من خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2013. ويقول عباس عبدي، وهو محلل منتقد لسياسات الحكومة: «إذا تم إبعاد مشائي، فلن يكون أحمدي نجاد الرئيس الذي عرفناه. الانسحاب في هذه القضية يعني هزيمة أحمدي نجاد تماما».

لكن يقول المحللون إن استمرار دعم الرئيس لمشائي يتضمن مخاطر. ويقول محبيان: «توضح حسابات المكسب والخسارة أن سلوك أحمدي نجاد ليس له تفسير سياسي. يشعر الرجلان أنهما في مهمة إلهية رغم أن لا أحد يعلم ماهية هذه المهمة». وبدأ الجدل الذي يحيط بمشائي، مسؤول الاستخبارات السابق الطويل والنحيف، منذ عدة سنوات بعد وصول أحمدي نجاد إلى السلطة عام 2005.

رسم أحمدي نجاد له صورة الشخص الذي يهتم بالفقراء ويدعو إلى الإسلام ويحارب من أجل العدل ليساعده في أن يحظى بشعبية بين أفراد الطبقات التي تقع في أسفل السلم الاجتماعي، لكنه كان في الحقيقة عكس ذلك، حيث كانت تربطه علاقات صداقة بممثلات شهيرات ويدعم عودة مطربي البوب الإيرانيين المقيمين في لوس أنجليس إلى الجمهورية الإيرانية، ويؤكد أن الله يعتمد على البشر، على عكس المعتقدات الإسلامية.

كذلك كسر مشائي من خلال بعض أقواله وأفعاله محظورات آيديولوجية ودينية كبيرة في إيران، ففي عام 2008 صدم رجال الدين بافتتاح مؤتمر رسمي بسيدات يعزفن على آلات موسيقية ويحملن القرآن. في ذلك العام، قال مشائي إن إيران لا تواجه أي مشكلات مع إسرائيل، عدو إيران اللدود، مما أدى إلى توبيخ خامنئي له علنا.

وتوجه مشائي بحديثه إلى دول تعد من الأعداء الإقليميين لإيران، ومنها الأردن، مما أثار حفيظة الكثير من المؤسستين الدينية والأمنية، لكن يبدو أن آرائه عن الغرب والولايات المتحدة تتفق مع آراء كبار المسؤولين الإيرانيين، حيث قال في مقابلة مع مجلة «نيويوركر» إن المسؤولين الأميركيين «أكبر كذابين في العالم».

قال مشائي العام الماضي إن الثقافة الإيرانية كانت أهم من الثقافة الإسلامية. ودعا رجال الدين الغاضبون إلى إقالته، مشيرين إلى أن مشائي يميل إلى القومية الإيرانية على حساب الإسلام.

ويوم الأربعاء الماضي، قرّع مجلس من رجال الدين النافذين يترأسه مسؤول كان يعرف بأنه أحد أهم مؤيدي الرئيس، أحمدي نجاد، بسبب قراره الذي اتخذ يوم الاثنين الماضي بدمج 8 وزارات دون الحصول على موافقة البرلمان. قال محبيان: «إنه يخسر كل مؤيديه الأساسيين».

لكن يؤكد المحللون ضرورة عدم التقليل من قدر أحمدي نجاد رغم زيادة عزلته. وقال أحد المحللين السياسيين، رفض ذكر اسمه نظرا لحساسية الموضوع: «إنه الرئيس، ويمكن لقراراته أن تحبط سياسات المرشد الأعلى. إذا استقال، فستكون الجمهورية الإسلامية في مواجهة المجهول».