محمود جبريل في باريس لطلب المساعدة المالية والعسكرية والتحضير لمؤتمر أصدقاء ليبيا

زيارته جاءت على خلفية مقتل فرنسي واعتقال 4 آخرين في بنغازي

الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يصافح محمود جبريل (يمين) عضو المجلس الانتقالي الليبي أثناء زيارته قصر الاليزيه أمس.. وبدا في الوسط رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون (رويترز)
TT

في الحراك الدولي للمجلس الوطني الليبي المؤقت، تشكل باريس، التي زارها، أمس، محمود جبريل، الرجل الثاني في المجلس، محطة أساسية بالنظر إلى الدور الذي لعبته فرنسا وما زالت تقوم به عسكريا وسياسيا وماليا.

وبينما يسعى المجلس، الذي يدور مندوبوه على العواصم العالمية بحثا عن السلاح والمال والدعم السياسي، تنشط باريس للدعوة إلى اجتماع لـ«أصدقاء ليبيا» في موعد «قريب»، ولكن غير محدد بدقة. كذلك، فإن الأطراف التي ستدعى، إلى جانب البلدان الممثلة في مجموعة الاتصال السياسية، لم تحدد بشكل نهائي، والاتصالات جارية على هذا الصعيد.

كان هذا الموضوع أحد الملفات الرئيسية التي بحثها جبريل مع الرئيس نيكولا ساركوزي في قصر الإليزيه بحضور رئيس الحكومة فرنسوا فيون. وحظي جبريل بمراسم بروتوكولية رسمية، بما فيها التحية من الحرس الجمهوري. واستقبله ساركوزي وفيون وودعاه على درج قصر الإليزيه. وامتنع جبريل، الذي وصل إلى باريس من واشنطن، عن الإدلاء بأي تصريحات عقب الاجتماع.

وقالت مصادر رئاسية: إن البحث تركز على «الأوضاع في ليبيا وعملية الانتقال الديمقراطي». وتريد باريس استخدام مؤتمر أصدقاء ليبيا للتسريع في العملية ورسم صورة الحكم الجديد في ليبيا بعد نهاية نظام العقيد القذافي. وبحسب المصادر الرئاسية، فإن أحد أهداف المؤتمر «توفير الدعم السياسي وتعبئة الطاقات المالية لمساعدة المجلس الوطني».

غير أن الاعتراف الفرنسي بالمجلس الوطني المؤقت «ممثلا شرعيا وحيدا» للشعب الليبي لم ينسحب بعدُ على كل الدول المشاركة في العمليات الجوية ولا على الدول والهيئات التي تتشكل منها «مجموعة الاتصال» السياسية التي عقدت آخر اجتماع لها في روما الأسبوع الماضي. لكن واشنطن خطت خطوة إضافية باتجاه المجلس خلال زيارة جبريل لها، حين اعتبرته «شرعيا ويحظى بالصدقية» من غير أن تذهب إلى حد الاعتراف الدبلوماسي به، كما فعلت باريس منذ 10 مارس (آذار) الماضي. وحدها بريطانيا وقطر وغامبيا حذت حذو باريس التي تقود منذ البداية الجناح المتشدد في التعاطي مع الملف الليبي. ومن المنظور الفرنسي، فإن انعقاد مؤتمر أصدقاء ليبيا في باريس سيكون له مردود «إيجابي» على الاعتراف بشرعية المجلس والنظر إليه كمكون أساسي من مكونات النظام الليبي المقبل.

وبينما لم تنجح الضربات الجوية التي تقوم بها قوات الحلف الأطلسي حتى الآن في الإطاحة بنظام العقيد القذافي، تتبنى باريس النهج المتشدد بالدعوة إلى تكثيف العمليات العسكرية. وحرص وزير الخارجية آلان جوبيه، في تصريحات صحافية في الساعات الأخيرة، على تبديد القلق من امتداد الأعمال العسكرية فوق ليبيا إلى «شهور طويلة»، مؤكدا أن المسألة «مسألة أسابيع». ودعت مصادر دبلوماسية فرنسية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» إلى «الصبر»، باعتبار أن العمليات العسكرية بصدد «تحقيق أهدافها» والمعارضة المسلحة «تتقدم» مدللة على ذلك بنجاحها في السيطرة شبه التامة على مدينة مصراتة بعد قتال طويل. وأكد جوبيه أن نظام القذافي قد «انتهى».

وتدعو باريس إلى دعم القوات المناوئة للقذافي عسكريا، لكن من غير أن يكون ذلك انتهاكا للقرارين الدوليين رقمي 1970 و1973. غير أنها مع ذلك قامت بإرسال مستشارين عسكريين إلى بنغازي بحجة أن يكونوا «حلقة الوصل» بين الثوار والحلف الأطلسي. لكن ثمة اعتقادا في باريس أنهم يوفرون الدعم العسكري للثوار لتمكينه من التقدم ميدانيا والاستفادة من الضربات الجوية للحلف الأطلسي لتوسيع رقعة سيطرتهم على المناطق في ليبيا واختراق حال المراوحة السائدة على الجبهات، كما في الجبهة الشرقية مثلا؛ حيث لم تتحرك الخطوط منذ أسابيع. لكن فرنسا تمتنع رسميا، حتى الآن، عن القبول بإرسال أسلحة إلى الثوار، وهو ما أعاد تأكيده أول من أمس وزير الدفاع جيرار لونغيه.

وفي الموضوع المالي، ينصب الجهد الفرنسي على «تصور» السبل التي يمكن اللجوء إليها لتوفير ما يحتاجه المجلس المؤقت. كان جبريل قد أكد في واشنطن أن المجلس المذكور بحاجة إلى 3 مليارات دولار في الأشهر المقبلة لسد حاجاته المالية. وحتى الآن، لم يكشف المشاركون في مؤتمر روما، بما فيهم فرنسا، عن مساهماتهم في الصندوق لخاص الذي أنشئ لمساعدة الثوار. وتميل باريس إلى استخدام الأموال المجمدة لنظام القذافي، المقدرة بـ60 مليار دولار، لتمويل المعارضة وعملياتها المسلحة، لكن ثمة «صعوبات قانونية» حالت حتى الآن دون توسل هذا السبيل، وأهمها أن النظام الليبي ما زال قائما وأن المعارضة لم تقم بعد نظامها ولم تحظ بالاعتراف الدولي.

جاءت زيارة جبريل على خلفية الحادث الأمني الذي حصل ليل الأربعاء/ الخميس في بنغازي؛ حيث قتل مواطن فرنسي وألقي القبض على أربعة من رفاقه بينهم صحافي. والفرنسي القتيل هو بيار مارزيالي، رئيس شركة «سيكوبيكس» للخدمات الأمنية. ولم تتردد بعض الوسائل الإعلامية بوصفه مع ثلاثة من زملائه يعملون لصالح الشركة بـ«المرتزقة».

وحتى أمس، لم تكن قد وضحت كل ظروف الحادث ولا المهمة التي كان يقوم بها هؤلاء في بنغازي. ومارزيالي مظلي سابق في الجيش الفرنسي وهو حال ثلاثة من الموقوفين. وأعلن نائب رئيس الشركة المسجلة في مدينة كركاسون (جنوب فرنسا) أن مارزيالي كان في بنغازي للقاء قادة الثوار وتوقيع عقود معهم، مضيفا أن الخارجية الفرنسية أعطت «الضوء البرتقالي» في إشارة إلى أنها لم تبد ممانعة في وجود الشركة في بنغازي. غير أن الخارجية الفرنسية لم تؤكد هذه المزاعم. واتهمت أوساط المجلس الانتقالي المجموعة بأنها كانت تقوم بأعمال «مشبوهة»، في إشارة إلى تجسسها لصالح نظام القذافي.

وتمتلك الشركة، التي تدعي أنها قادرة على توفير 2000 شخص من مختلف الاختصاصات من الطيارين إلى الممرضين وسبق لها أن عملت في عدد من البلدان الأفريقية، مخيما للتدريب العسكري في جمهورية تشيكيا. ولا يتيح القانون الفرنسي إقامة شركات أمنية - عسكرية على غرار «سيكوبيكس»، إلا أن القائمين بها يستفيدون من غياب نصوص صريحة وقاطعة علما بأن إرسال المرتزقة ممنوع بنص قانوني يعود لعام 2003.