معارض سوري لـ «الشرق الأوسط»: غياب موقف دولي قد يدفعنا لحمل السلاح

أشرف المقداد رئيس «إعلان دمشق» في أستراليا: لا توجد نقطة التقاء مع الأسد.. وقد نقبل بصفقة مع رموز نظامه

أشرف المقداد
TT

حل ضيفا على القاهرة المعارض السوري أشرف المقداد، رئيس «إعلان دمشق» في أستراليا، ليشارك مع عدد من زملائه المعارضين في محاولات عقد مؤتمر لجميع أطياف المعارضة السورية حول العالم والتحرك للحصول على مؤازرة للثورة السورية. ينحدر المقداد من مدينة درعا، مهد الانتفاضة السورية، درس في كلية الهندسة بجامعة دمشق، وشغل منصب رئيس اتحاد الطلبة في كلية الهندسة، وقبل 21 عاما هاجر إلى أستراليا، ليكون من أبرز المعارضين السورين في الخارج، ومع اندلاع الثورة السورية في 15 مارس (آذار) الماضي توهجت كتاباته على شبكة الإنترنت، التي وجه عبرها انتقادات لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، مطالبا بسقوطه.

وحذر المقداد، في حواره مع «الشرق الأوسط»، من عدم الالتفات للمطالب المشروعة لأبناء سوريا، قائلا: «إن تجاهل المجتمع الدولي والنظام السوري قد يدفعنا لحمل السلاح». وحدد المقداد مطالب المعارضة السورية، معربا عن أمله في تبني جامعة الدول العربية موقفا يساند ثوار سوريا ويقف على مسافة واحدة من التغييرات التي تشهدها المنطقة.

* من أستراليا جئت إلى القاهرة، ما الهدف من الوجود في هذا الوقت تحديدا؟

- جئت إلى القاهرة لمشاركة غيري من المعارضين السوريين في محاولات عقد مؤتمر لجميع أطياف المعارضة السورية حول العالم في القاهرة، لكن للأسف تعذر عقد هذا الاجتماع بعد اعتذار الحكومة المصرية، كذلك إننا نحاول، كمعارضين، أن يكون لنا نشاط إعلامي وسياسي، من خلال عمل مؤازرة مصرية شعبية تجاه ما يعانيه السوريون؛ فالشعبان يرتبطان تاريخيا وحضاريا وفي العادات والتقاليد، وقد استبشرنا خيرا عندما قامت الثورة المصرية وكنا على يقين بقيام الثورة في سوريا، وهو ما حدث بالفعل. وما لاحظته في مصر، ومن قبلها الإمارات، أن الشعوب متعاطفة معنا لأبعد مدى، وهذا ما يظهر من كلمات التأييد التي نسمعها من رجل الشارع، لكن هذه المشاعر لم تصل إلى السياسيين العرب بعدُ؛ فالحكومات لديها موازين وحسابات أخرى، وهناك صمت غالب على جامعة الدول العربية.

* وما مطالب المعارضة السورية من جامعة الدول العربية؟

- هناك مطالب محددة من مسؤولي الجامعة العربية، أولها: التعامل بالتساوي مع جميع الثورات العربية؛ فكما تعاملوا مع الوضع الليبي عليهم أن يهتموا بالوضع السوري، في ليبيا النظام قتل وأجرم، لكن الليبيين شعب مسلح، أما نحن فثورة سلمية ويتم التنكيل بالسوريين دون مقدرة منهم على الدفاع عن أنفسهم، وثانيا: نطالب الجامعة بسحب الاعتراف بالنظام السوري، وأخذ موقف ولو شرفيا؛ فالشعب السوري لا يريد سلاحا أو جيوشا عربية أو تدخلا عسكريا غربيا، يريد فقط تدخلا دبلوماسيا عربيا يشجع السوريين، لكن الحكومات العربية بطيئة في التحرك، فيجب على السياسيين أن يكونوا في مقدمة الشعوب المتعاطفة معنا وليس في المؤخرة، فالسياسيون العرب «يجروا أرجلهم» خلف الشعوب وليس أمامها.

* سبق أن قلت إن المذابح في سوريا تماثل المذابح التي شهدتها أفريقيا وكوسوفو.. ما الذي لم يصل إلى العالم بعدُ؟

- النظام بتوحشه يلجأ إلى القتل الجماعي؛ فهناك وثائق أمسكها الشباب مؤخرا ووضعوها على الإنترنت تتضمن تعليمات وأوامر صادرة من النظام إلى الأمن بقتل المتظاهرين حتى رقم 20، أي لا يتخطى عدد من يقتلونهم في المظاهرة الواحدة 20 فردا، حتى لا يلاقي تنديدا دوليا بعدد القتلى، لكن مقارنة بعدد المظاهرات في كل مدينة ثم عموم المدن يكون العدد كبيرا، وعلى الرغم من ذلك فهناك تعتيم إعلامي ومنع لدخول الصحافيين إلى سوريا، بعكس الثورات الأخرى، كثورتي مصر وتونس، التي كان وراءها حشد إعلامي، لكن بذكاء شعبنا استطاع إيصال ما يحدث من خلال كاميرات الهواتف، من خلال شباب يخاطرون بحياتهم، وأول من يتعرض لرصاص القناصة هم من يقومون بنقل الحقيقة بهذه الطريقة؛ لأن النظام لا يريد نقل صورة ما يحدث بالداخل، وهذا أمر محزن، فكل الشبكات الإعلامية لا تريد المخاطرة.

* وما تحركات أعضاء «إعلان دمشق» في ظل الثورة؟

- ما أحب توضيحه أن الثورة الموجودة حاليا لا تتبع لأي تنظيم ولا أحد يقودها؛ فقياداتها ميدانية تماما مثل الثورة المصرية، ونحن كمعارضين في الخارج دورنا كمستشارين أو «مصفقين» لهؤلاء الشباب المتظاهر، نحاول مساعدتهم بفضح ممارسات النظام ضدهم ونشر أخبارهم، إلى جانب ممارسة ضغوط على الحكومات التي نوجد فيها لدعم الثورة؛ لأننا يمكننا السفر في الخارج والتحرك بحرية والظهور في وسائل الإعلام، بمعنى أننا نخدم الثورة من الخارج فمن دون دعم خارجي ستموت الثورة.

* باعتبارك رئيس «إعلان دمشق» في أستراليا، ما الأنشطة التي تقوم بها هناك؟

- حاولنا منذ بداية الثورة السورية عمل المظاهرات المؤيدة لها، لكن كان هناك تخوف من جانب الجالية السورية التي يصل عددها إلى 20 ألف مواطن، وقد قمت بربط نفسي بالسلاسل الحديدية في أبواب السفارة السورية في أستراليا تنديدا بالمجازر التي يقوم بها النظام وتشجيعا لأعضاء الجالية في التجاوب، وبالفعل شهدت الأيام التالية زيادة الأعداد التي تخرج في المظاهرات المناهضة للنظام. ومن جانبها، تبنت الحكومة الأسترالية العقوبات الشديدة على سوريا وتؤيد أي عقوبات، كما منعت بيع أي سلاح لسوريا، وامتد ذلك إلى التعامل الاقتصادي.

* هناك من عتب على رموز «إعلان دمشق» داخل سوريا أنهم دعوا للخروج للمظاهرات ولم يخرجوا فيها.. ما رأيك؟

- نعم سمعت تلك المقولات، وإن صحت فإنني ألتمس العذر لأعضاء دمشق إذا حدث ذلك منهم؛ فقد دفعوا فيما سبق الثمن باهظا لمجرد توقيعهم على الإعلان، ونسبة 99% منهم دخلوا إلى السجن وقضوا ما يتراوح بين 5 و7 سنوات، وخرجوا بعد أن عاشوا تجربة مؤلمة للغاية، وقد يكون بعضهم يخشى من تكرار التجربة، لكنهم في النهاية دفعوا ثمنا مريرا. إلى جانب ذلك فإن إعلان دمشق بلا حراك سياسي على الأرض، ولا يسمح لأعضائه بالتنفس؛ فهو مجرد شخصيات دون اجتماعات دورية.

* بِمَ تصف حملة الاعتقالات التي يتعرض لها النشطاء والمعارضون داخل سوريا في الوقت الحالي؟

- غير مستغرب مما يحدث؛ فهذا أساس لدى أي نظام ديكتاتوري، والنظام السوري لا يفهم إلا لغة واحدة هي القتل والعنف؛ فهو نظام غير شرعي لا يتعامل سوى بالقوة، تقلقه المعارضة المعلنة وغير المعلنة؛ لذا يسكتها بأي طريقة، ناهيك عن أن المعارضين بالخارج يهددون بالتعرض لذويهم وأقاربهم.. فلا توجد أنظمة تتعامل بهذه الطريقة سوى النظام في سوريا وكوريا الشمالية، وسوريا الآن تعتبر «كوريا العرب».

* قالت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية، مؤخرا: إن الأسد لا يسير ببلاده في الطريق الصحيح.. فهل هذا يعتبر بداية تغير في الموقف الأميركي تجاه النظام السوري؟

- الموقف العالمي، وليس الأميركي، بدأ يتغير، لكن ليس بالسرعة التي نتمناها، فالتحركات بدأت لرفع الغطاء الدولي عن النظام السوري، وما نطلبه كمعارضة أن يتم قطع العلاقات وطرد النظام السوري من أي منظمات دولية، وأن يصل جميع أركان النظام إلى محاكمة دولية وجنائية. ونحن مع منع دخول سوريا مجلس حقوق الإنسان، ولو تم ذلك لكان «مسخرة دولية» وبمثابة «وضع الذئب مسؤولا عن الغنم».

* الشرطة اللبنانية قامت، مؤخرا، بإعادة اللاجئين السوريين في لبنان بأوامر من دمشق، ما تعليقك؟ - بصراحة كشعب سوري خاب أملنا في اللبنانيين؛ فكان يجب عليهم عدم السماح بطرد اللاجئين السوريين من أرضهم بعد أن لجأوا إليها، وأعيب على الشعب اللبناني ذلك، فبيوتنا دائما كانت مفتوحة لهم، ومن الغبن الرد بذلك الموقف بإيعاز من السلطات السورية؛ لذا نطالبهم بالخروج للشارع؛ لأن الصمت لن ينفع.

* غيَّر النظام السوري لهجته وعرض مؤخرا الحوار الوطني.. برأيك، هل يمكن الوصول إلى نقطة التقاء بين النظام والمتظاهرين؟

- إطلاقا، لا يمكن وجود نقطة التقاء بعد كل هذه الجرائم التي ارتكبها النظام، وعمليا لا توجد أي مصداقية للنظام؛ فقد تحدث بشار عن وجود مراسيم وقرارات إصلاحية مثل رفع قوانين الطوارئ، وفي اليوم التالي قتل 124 فردا؛ لذا ما يهمنا الآن هو تغيير النظام، وكيفية حدوث هذا التغيير.

* دعنا نسألك: كيف يمكن أن يتم هذا التغيير؟

- نحن كمعارضين بالخارج، وأيضا كمتظاهرين بالداخل، منفتحون للنقاش، وما يهمنا هو الوصول بسوريا إلى بر الأمان، حتى لا يخرج الوضع عن أيدي الجميع وتسير الأمور للفوضى، فيمكن الوصول لـ«صفقة» مع النظام لحدوث التغيير، المهم ألا تكون هناك دموية.

* هل معنى ذلك أن المعارضة تضغط حاليا للوصول إلى هذه «الصفقة»؟

- نحن نشجع العقلاء من رموز النظام للاتصال بنا؛ فنحن نغفر لأي فرد يريد أن يغير النظام بطريقة غير دموية، ونرحب بأي فرد من داخل النظام يبحث عن التغيير، وعلى استعداد لفتح قنوات اتصال بيننا، وللعلم فقد حدثت اتصالات بالفعل في أول الثورة بين المعارضة وبعض رموز النظام، ولكن من اتصل بنا اختفى بعدها.

* هل تقصد نائب الرئيس فاروق الشرع؟

- لا أستطيع قول ذلك، لكن كنا نعقد أملا عليه، ومؤخرا ظهرت ابنة أخيه من ألمانيا لتنادي بمعرفة مصيره؛ حيث اختفى منذ خطاب بشار ولا تعرف أخباره، وهناك أسماء أخرى اختفت مثل فيصل المقداد، إلى جانب أسماء أخرى كان يمكن أن يكون بيدها حل.

* رفض الجيش السوري إطلاق النار على المتظاهرين في بعض المدن السورية، فهل ذلك برأيك خطوة تجاه انحيازه للشعب؟

- هناك بالفعل تحركات فردية من بعض الوحدات للدفاع عن الشعب، لكنها ليست ظاهرة عامة؛ فقد قام النظام بسحب هذه الوحدات سريعا، وعمليا الجيش يحاصر فقط ومن يدخل للميدان «الشبيحة» والفرقة الرابعة للحرس الجمهوري والأمن، فالنظام السوري يدرك أنه إذا نزل الجيش سيحدث انقسام.

* وما قولك عما يتردد من استعانة النظام بمجموعات من المرتزقة؟

- هناك شهود عيان يؤكدون ذلك، وقد طلبنا من الشباب أن يقوموا بتصويرهم للتأكد من حقيقة ذلك الأمر، لكن يصعب ذلك لأنهم مسلحون. وبشكل عام نحن لا نستغرب وجود المرتزقة؛ لأن الشبيحة والفرقة الرابعة أعداد محدودة، والنظام السوري مدعوم من عدة جهات، منها: حزب الله، الذي يعرف أن بقاءه بهذا الشكل في لبنان مرتبط بوجود النظام السوري، ولن يكون عنده نفس القوة والبلطجة إذا رحل النظام؛ لذا فقنواته ومسؤولوه يتهمون المعارضة بالعمالة بكل أسف.

* هل يوجد تنسيق بين رموز المعارضة السورية حول العالم؟

- هناك اتصالات بين شخصيات المعارضة، وهناك نوع من التجمعات، كما أن «إعلان دمشق» يعتبر أكبر جبهة تضم مجموعات من الإسلاميين والليبراليين واليساريين والعلمانيين، الذين بمثابة تجمع اجتماعي موحد لمعارضة النظام؛ حيث تحدث اتصالات وتنسيق في بعض الحالات لأخذ موقف واحد؛ حيث لم تصبح هناك خلافات مثل الماضي.

* ما توقعاتك لسير الأحداث في المرحلة المقبلة؟

- أتوقع في الأسابيع المقبلة أن يتصلب الموقف الدولي تجاه النظام بشكل أكبر، أكثر، ومع تصريحات رجل الأعمال رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، الذي قال فيها إنه لا استقرار في إسرائيل من دون استقرار سوريا، بدأ ينكشف القناع أمام الشعب والعالم عن هذا النظام العائلي. وعلى الجانب الآخر نحن مستمرون في الثورة حتى يتم التغيير، نحن نتجنب الخيار المسلح في الوقت الحالي، لكن إذا استمرت الأوضاع وحشية في مقابلة الأوضاع السلمية، واستمر النظام بمثل طريقته وفقدنا الأمل في التغيير السلمي فقد يضطرنا النظام لحمل السلاح، فحق الدفاع عن النفس حق مقدس؛ لذا نتمنى استمرار الضغط الدولي على نظام بشار فاقد الشرعية.