التحالف الهش بين المالكي والصدر يواجه الانهيار وسط توقعات بالتمديد للقوات الأميركية

رئيس الوزراء انتهز انشغال إيران بمشكلاتها الداخلية لإعلان فتح الباب أمام الأميركيين

مصلون علقوا صورة رجل الدين مقتدى الصدر على مظلة خلال صلاة الجمعة، في مدينة الصدر (أ.ف.ب)
TT

تعهد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مؤخرا بالسعي نحو التوصل إلى توافق بشأن استمرار وجود القوات الأميركية في العراق، ويأتي ذلك ضمن تحد لنفوذ أحد رفقائه الشيعة.

فقد قال المالكي إنه إذا قرر الجزء الأكبر من الكتل السياسية الأساسية في العراق دعم استمرار الوجود الأميركي إلى ما بعد نهاية العام الحالي، فعلى الجميع حتى مقتدى الصدر، رجل الدين المناهض للولايات المتحدة، أن يتخلى عن مخططات للقيام بأعمال عنف مرة أخرى ويلتزم بما تم الاتفاق عليه. وأضاف: «هذه هي الديمقراطية».

حملت ملاحظات المالكي تهديدا ضمنيا مفاده أنه إذا لم يلتزم الصدر بقرار المالكي النهائي الخاص بوضع القوات الأميركية، فسوف يواجه قرارا مشابها لذلك الذي تم اتخاذه عام 2008 بمهاجمة الجيش العراقي لجيش المهدي التابع للصدر.

ويقول سكوت كاربنتر الذي كان يعمل مساعد وزير الخارجية الأميركي أثناء فترة ازدهار الصدر وشهد أكثر النزاعات المسلحة مع القوات الأميركية: «تمثل تعليقات المالكي تحديا سياسيا مباشرا للصدر. إن الاتفاق الأساسي الذي تم بموجبه تشكيل حكومة ائتلافية والذي أتاح للصدر أن يلقي بثقله خلف المالكي ينهار الآن».

يقول أتباع الصدر إن التحالف الهش الذي تم التوصل إليه في الخريف الماضي بين المالكي والصدر كان يقوم على الالتزام بتنفيذ اتفاق عراقي - أميركي أجله ثلاثة أعوام خاص بانسحاب القوات الأميركية من البلاد في 31 ديسمبر (كانون الأول). ومع اتجاه علاقة الصدر بالمالكي إلى نقطة حرجة، لم يضيع رجل الدين المشاكس وقتا ورد يوم الجمعة الماضي على تحدي المالكي. لأول مرة منذ عودته إلى العراق من منفاه الاختياري في إيران الذي ظل فيه لأربعة أعوام، اعتلى الصدر المنبر وألقى خطبة الجمعة في مدينة النجف جنوب العراق.

وفي رسالة سياسية قوية افتتح بها خطبته، وظف الصدر أقوى وسائله الخطابية ضد مد بقاء القوات الأميركية في العراق. وقال: «نحن نهيب بكل العراقيين لطرد القوات الأميركية من العراق من خلال المظاهرات والمسيرات. لن نقبل ببقاء قوات الاحتلال ولا حتى ليوم واحد بعد نهاية العام الحالي». لكن بعد الخطبة، عاد الصدر إلى مسألة القوات وأشار للمرة الأولى إلى احتمال عدم الاضطرار إلى اللجوء للمقاومة المسلحة. وقال إنه في حال قررت كل الكتل السياسية العراقية دعم مد بقاء القوات الأميركية، ربما يعيد التفكير في تفعيل أوامره التي أصدرها لجماعته المسلحة بوقف الهجمات عام 2008. وأوضح قائلا: «إن أمر إنهاء تجميد جيش المهدي مرتبط بالاتفاق الشعبي والسياسي بين العراقيين». وأشار في تصريح له الشهر الماضي إلى أن العنف ضد القوات العراقية والأميركية يمكن أن يكون الرد المناسب الوحيد لقرار مد بقاء القوات الأميركية.

على الجانب الآخر، يقول المحللون إن اتجاه المالكي الأربعاء الماضي لكشف نيات الصدر الآن في بداية ما توقع يوم الأربعاء أن يكون جدلا سياسيا طويلا ربما يكون مهما. ويقول كاربنتر: «من الأفضل إثارة الموضوع الآن قبل أن يصبح تهديد القوات الأميركية قريبا نهاية العام الحالي». وأضاف أن ذلك سيتيح للمالكي معرفة ما إذا كان الصدر سوف يلجأ بالفعل إلى العنف.

ويتفق مهدي خلاجي من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، معه إلى حد ما. وأشار إلى أن حركة الصدر تطورت خلال العامين الماضيين وأصبح يقودها سياسيون متأنقون في بغداد يركزون على الدعم المجتمعي لأتباع الصدر في الجنوب. وقضى الصدر الشهر الماضي في التصرف كقائد سياسي لا رئيس جماعة مسلحة، حيث يتقابل مع مسؤولين إقليميين ويتحدث معهم بشأن النقص في الكهرباء والخدمات الحكومية. يقول خلاجي: «ربما يكون من الصعب عليه التخلي عن مسؤولية الحزب. ينبغي أن نتوقع بعض التغيير في سياسات الصدر».

ويرى بعض المحللين أن توقيت تحدي المالكي للصدر رائع وينم عن ذكاء، حيث يتيح للعراق استعراض عضلاته أمام إيران التي ينظر للصدر باعتباره وكيلا لها، في وقت تعاني فيه من التشتت بسبب الصراع الداخلي في طهران والثورة في حليفتها سوريا.

وقال باباك رحيمي، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو: «إيران تخشى مما يحدث في سوريا، والصراع الداخلي في طهران يتجه إلى بغداد بشكل أو بآخر». وأضاف الأستاذ الذي عاد من إيران الشهر الماضي: «إذا قرأت الصحف في إيران، فستجد أن الدولة منغمسة في مشكلاتها الاقتصادية والسياسية».

لكن لا يزال ينظر الكثيرون لآراء المالكي بشأن مد بقاء القوات الأميركية بحذر متسائلين ما إذا كان يرغب في استمرار الوجود الأميركي.

وقال أحد المقربين من رئيس الوزراء: «قد يكون كل هذا جزءا من خطة متكاملة بحيث يستطيع المالكي القول فيما بعد: أرأيتم؟!.. لا يمكننا التوصل إلى اتفاق يسمح ببقاء القوات الأميركية».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»