الصراع يشتد بين الليبراليين والإسلاميين مع صعود نجم الإخوان المسلمين

رجل الأعمال ساويرس: المعركة ليست عادلة

ناشطون مسلمون ومسيحيون يحملون المصحف الشريف والصليب في دلالة على الوحدة الوطنية أمام مقر الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو) بوسط القاهرة الأسبوع الماضي («الشرق الأوسط»)
TT

يخشى الآن الليبراليون والعلمانيون الذين شكلوا جوهر الثورة المصرية من استئثار جماعة الإخوان المسلمين - الجماعة المحظورة سابقا، التي يتوقع أن تصبح القوة السياسية المهيمنة عند انتخاب برلمان جديد - بالمكاسب السياسية التي حققوها. وقد احتدم القلق بشأن الطموحات السياسية لجماعة الإخوان المسلمين هذا الأسبوع عندما أعلن عضو بارز في الجماعة عزمه الترشح للرئاسة كمرشح مستقل، وهي خطوة تشكك في مزاعم الإخوان المسلمين بعدم نيتهم خوض السباق الرئاسي هذا العام.

وعلى الرغم من ذلك، فقد ذكرت جماعة الإخوان المسلمين أنها تعتزم تدشين حملة شرسة في الانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في سبتمبر (أيلول) قبل شهرين من الانتخابات الرئاسية.

ويعرب ليبراليون وعلمانيون بارزون عن قلقهم البالغ إزاء ما يحتمل حدوثه في حالة ظهور الإخوان المسلمين بقوة في المشهد السياسي. ويؤيد البعض إجراء تغييرات، تشمل تأجيل الانتخابات البرلمانية، الأمر الذي من شأنه أن يحقق تكافؤ الفرص بمنح الأحزاب الأخرى مزيدا من الوقت لتنظيم صفها من أجل المشاركة في الانتخابات.

«هذه ليست معركة عادلة»، هكذا قال نجيب ساويرس، ثاني أغنى رجل في مصر وأحد مؤسسي حزب المصريين الأحرار، الذي يروج للسياسات الليبرالية والعلمانية.

وأشار إلى أن حزبه الممول بمبالغ ضخمة لا يمكنه الدخول في منافسة معقولة مع جماعة الإخوان المسلمين، التي استمرت على مدار 80 عاما في تكوين شبكة قوية من الأعضاء الفاعلين والأنصار في مختلف أنحاء مصر. وذكر أيضا أن المستثمرين قلقون من احتمال قيام حكومة جديدة يلعب فيها الإخوان المسلمون دورا قياديا. قال ساويرس: «لقد استبدلوا بديكتاتورية مبارك ديكتاتورية الإخوان المسلمين. هذا هو الطريق الذي تسير فيه مصر الآن».

وقال عمرو موسى، أحد أبرز المرشحين للرئاسة، في مقابلة أجريت معه مؤخرا، إن «هناك وقتا كافيا ربما لإعادة النظر» في الموعد المحدد لإجراء الانتخابات. وذكر أنه يجب أن تعقد الانتخابات الرئاسية قبل الانتخابات البرلمانية، وذلك لمنح الرئيس مزيدا من السلطات التي تكفل له التدخل في عملية وضع دستور للبلاد.

وقال محمد سعد القطاني، قيادي في جماعة الإخوان المسلمين، الذي ترأس من قبل الكتلة البرلمانية للجماعة، إنه لم يفكر في أن توقيت الانتخابات من المحتمل أن يؤثر في نتيجتها.

وتحدث في مقابلة أجريت معه قائلا: «بالنسبة لنا، لا يشكل توقيت عقد الانتخابات أي اختلاف، غير أن تأخير موعد إجرائها ليس في مصلحة أي طرف، وربما يؤخر بشكل كبير عملية الانتقال السلمي للسلطة».

وعلى الرغم من أن الإخوان المسلمين كانوا قد أيدوا لوقت طويل فكرة وجوب أن تصبح مصر دولة إسلامية يكون الحكم فيها بموجب التفسير العقائدي لقانون الشريعة الإسلامية، فقد سعى أعضاء الجماعة في الأشهر الأخيرة إلى تصوير الجماعة باعتبارها أكثر تقدمية وشمولا مما ينسبه إليها منتقدوها، فقد غيروا الجناح السياسية للحركة لتصبح ممثلة في حزب الحرية والعدالة وشكلوا ائتلافات مع بعض الساسة العلمانيين والمسيحيين. وقد أثار الإخوان المسلمون انتقادات جديدة مفادها أنهم غير صريحين في ما يتعلق بطموحاتهم السياسية، وبات من المؤكد أن الشكوك في خططهم ستزداد عقب تصريح العضو البارز في الجماعة عبد المنعم أبو الفتوح يوم الخميس لوكالة «رويترز» أنه يعتزم الترشح للرئاسة.

وذكرت جماعة الإخوان المسلمين في بيان على موقعها الإلكتروني أنها لم تكن لديها أي معلومات مسبقة عن اعتزامه الترشح للرئاسة، وأنه لن يترشح بصفته ممثلا للجماعة.

إن مصر في غمرة عملية إعادة هيكلة لنظامها السياسي، مع ظهور أحزاب سياسية جديدة كل يوم تقريبا. ويتعين على المجلس العسكري الذي يتولى حكم البلاد - والذي يعلن بياناته السياسية المهمة على صفحته على موقع «فيس بوك» - نشر أي معلومة مؤكدة حول توقيت عقد الانتخابات.

غير أنه لن تحل مشكلة توازن القوى بين البرلمان والرئيس إلى أن تتم صياغة دستور جديد، في وقت ما بعد إجراء الانتخابات البرلمانية. ويتحدث بعض الليبراليين والعلمانيين، الذين طالبوا بوضع حد للسلطات الاستبدادية التي سيطر من خلالها مبارك على مقاليد الحكم إبان فترة حكمه التي امتدت 30 عاما، الآن عن الحاجة إلى دعم رئيس مصري مستقبلي في مواجهة احتمال قيام برلمان يسيطر عليه الإسلاميون.

وقال مختار نوح، العضو السابق في جماعة الإخوان المسلمين، الذي تسبب في حدوث انقسام داخل الجماعة قبل نحو 10 سنوات بسبب فروق فلسفية: «الليبراليون قلقون»، وأشار مختار نوح إلى أنه «من المنتظر أن يكون البرلمان القوي هو ذلك الذي يظهر فيه الإخوان المسلمون بشكل أقوى، لأنهم هم الحزب الذي على أهبة الاستعداد».

في الوقت الراهن، تبدو مصر أشبه بسلسلة أفلام «سكول هاوس روك» المتحركة التعليمية، نظرا لظهور ورش عمل حول كيفية صياغة دستور في كل شارع من شوارعها، غير أنه، ككثير من الأمور التي تكتنف الثورة، نادرا ما تكون التساؤلات العملية المثارة حول كيفية إعادة تشكيل الدولة بسيطة كالمبادئ التي ارتكزت عليها الثورة.

على سبيل المثال، يؤيد كثير من المصريين الآن تطبيق قانون الطوارئ الذي كثيرا ما مقتوه منذ أمد بعيد، والذي يمنح الشرطة سلطات واسعة تكفل لهم احتجاز المواطنين دون أي اتهامات أو محاكمات، وذلك لخوفهم على أمنهم الشخصي.

* أسهمت المراسلة الخاصة شيرين بيومي في إعداد هذا التقرير.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»