عماد أبو غازي: أنا وزير للثقافة ولست وزيرا للمثقفين

قال لـ «الشرق الأوسط»: نظام مبارك وقع في خدعة التوريث وراهن على طيبة الشعب المصري

د. عماد أبو غازي، وزير الثقافة المصري (تصوير: عبد الله السويسي)
TT

يبدو أنه الشخص الوحيد الذي لم يصله خبر تعيينه وزيرا للثقافة، ومع ذلك تطلب منه إجراء حوار معه بهذه الصفة، فيضرب لك موعدا في اليوم التالي مباشرة، تذهب إلى مكتبه فيخرج إليك في قاعة الاستقبال بنفسه، إنه وزير الثقافة المصري الدكتور عماد أبو غازي. لا يحب - كما يعرفه مثقفو مصر - ارتداء رابطة العنق، كما أن مفردات وإمكانيات مكتبه كوزير مثل كل الوزراء، لا يعرف عنها شيئا إلا بالصدفة ولا يستخدمها.. يخشى الصدام حتى لو كان منتجا، ربما لأنه سليل جيل النهضة المصرية الذي احترف التنوير لا التصادم، حيث يهوى توسيع دوائر الممكن الإيجابي، ويضع أمام ناظريه ظروف المجتمع.

عماد أبو غازي.. الأكاديمي.. الباحث في التاريخ.. المهموم أكاديميا بالثورات - صاحب الكتاب المهم عن ثورة 1919 - وجد نفسه - فجأة وعن غير قصد - وزيرا للثقافة، في ظل نظام يتشكل على وقع ثورة شعبية هي الأنضج بين شبيهاتها في التاريخ المصري.

«الشرق الأوسط» التقته في مكتبه بمقر الوزارة في القاهرة، وسألته عن استراتيجية وزارة الثقافة الثورية تحت قيادة وزير إصلاحي؟ وكيف سيتعامل مع المد الديني المتشدد في الشارع، وهو الذي يؤكد أنه ما جاء لكي «يمسك بخناق» السلفيين؟ وكيف يمكن أن يتعاون مع المثقفين في الدولة المصرية وهو الذي يعمل على استقلال المجلس الأعلى للثقافة، وهناك أفكار عن استقلال أكاديمية الفنون؟ ثم هل يقلص وزارة الثقافة ليتفرغ لتثقيف الأمة المصرية؟ أم أنه فقط يود التأكيد على أن وزير الثقافة ليس، ولا يجب أن يكون، وزيرا للمثقفين.. وإلى نص الحوار..

* وجه الاعتراض الأبرز على توليك وزارة الثقافة كونك واحدا من قيادات الوزارة الذين عملوا مع وزير الثقافة الأسبق، فاروق حسني، في ظل النظام السابق..

- تقديري أن من حق أي مواطن أن يعترض على تولي أي مسؤول أي منصب.. وأظن أنه لا يوجد ذلك الإنسان الذي يمكن أن يحدث إجماع عليه من كل الناس. أما كوني كنت أعمل في وزارة الثقافة قبل الثورة، فأظن أنني لست الوحيد الذي كنت أعمل في ظل النظام القديم، كل المصريين كانوا يعملون في ظل النظام القديم، لكن المعيار، في رأيي، كيف كنت أؤدي مهامي قبل الثورة؟ ماذا كنت أفعل؟ في الحقيقة أنا لم أكن عضوا في الحزب الوطني.

* يتساءل البعض: هل شعرت مؤسسات وزارة الثقافة أن ثمة ثورة حدثت على أرض مصر.. وربما يعني مثل هذا التساؤل؛ هل ثمة ملامح لاستراتيجية جديدة لوزارة الثقافة، أم أنها تكتفي بالوقوف على يسار النظام كما كانت إبان النظام السابق؟

- في الحقيقة توجد استراتيجية جديدة ومختلفة تماما عن ذي قبل، لكن لا نستطيع أن ننسى أن هناك أسابيع تم إهدارها في علاج مشكلات الموظفين، حيث إن وزارة الثقافة مثلها مثل بقية الوزارات الأخرى بها جهاز إداري بيروقراطي يعاني من مجموعة كبيرة من المشكلات التي رأيت من الضروري مواجهتها، مثل: الأجور المتدنية، والظلم الإداري الذي تعرض له العاملون في الوزارة، فكان ينبغي التعامل مع الوقفات الاحتجاجية والحركات المطلبية داخل الوزارة، حتى نستطيع التحرك نحو ما يطالب به الجميع من استراتيجية جديدة وآليات مختلفة.. إلخ.

* ما ملامح هذه الاستراتيجية؟

- أساس الاستراتيجية الثقافية الجديدة هو «مقرطة الثقافة»، و«مقرطة العمل الثقافي».

*ماذا تعني بـ«ديمقراطية الثقافة»؟

- «ديمقراطية الثقافة» مفهوم محدد وواضح في الوثائق الثقافية الدولية، وتعني؛ أولا: توزيع الخدمة الثقافية بشكل عادل في المجتمع، وهذه هي المهمة الأساسية لوزارة الثقافة في أي بلد، والخطأ الجوهري في أذهان كثيرين حتى من الوسط الثقافي تصورهم أن وزير الثقافة هو وزير المثقفين.. أنا لست وزيرا للمثقفين، وإنما أنا وزير للثقافة مهمتي هي حمل ما ينتجه المثقفون إلى أفراد المجتمع وتوزيعه على المواطنين بشكل عادل؛ بمعنى أن تصل خدمتي الثقافية إلى كل مدينة وكل قرية وكل نجع في مصر، وأن لا تتركز في القاهرة والإسكندرية والمدن الكبرى فقط.

ثانيا: ترشيد الإنفاق وتوجيه جزء منه للأقاليم، وهو ما بدأنا في الترتيب له بالفعل.

ثالثا: الاهتمام بالثقافات النوعية والاستفادة من التنوع الثقافي داخل المجتمع، وهو ما يشكل قوة لوحدة المجتمع وثقافته ونسيجه.

رابعا: حرية الإبداع والتعبير.

خامسا: ديمقراطية الإدارة، والتخلص من فكرة الإدارة الفردية في المؤسسات والاتجاه للإدارة الجماعية، وهذا الأمر، بالمناسبة، يقابل بمقاومة؛ فحينما بدأنا تجربة انتخابات المكاتب الفنية وانتخابات مديري الفرق، رفع أحد العاملين قضية يطلب فيها إلغاء هذه الانتخابات، على الرغم من أن هذا هو مطلب العاملين في الفرق، بالإضافة إلى كونها تجربة جديدة نحاول تطبيقها، خصوصا أنها لا تتعارض مع قانون العاملين في الدولة. أعرف أننا سنواجه مثل هذا الاعتراض في أماكن أخرى، خصوصا أننا شرعنا في عمل مجالس إدارات لكل الهيئات، فقد اكتشفنا أن هناك هيئات تنص لوائحها على أن يكون لها مجلس إدارة ولم يكن فيها مجلس إدارة.

* ما فلسفة مجالس الإدارات؛ هل ستتكون من العاملين في الهيئات؟

- مجالس الإدارات ستكون من خارج المؤسسات، وكذلك الحال في مشروع آخر وهو مجالس الأمناء، وسيتم تأسيسها للمتاحف الفنية ومراكز الإبداع وغيرها بما يسمح بخلق واقع ثقافي ديمقراطي جديد في مصر.

* في الوقت الذي تتحدث فيه عن «مقرطة الثقافة» وانتخابات مجالس إدارات للهيئات هناك لجان كلها بالاختيار، مثل لجان المجلس الأعلى..

- هذا حقيقي، وهذه اللجان ستنتهي دورتها بعد 3 أسابيع، ولم يكن من المنطقي أن أقوم بحل اللجان قبل انتهاء دورتها بشهر ونصف الشهر.

* وبعد انتهاء مدة هذه اللجان؟

- بدأنا من الآن في تشكيل اللجان الجديدة بشكل من أشكال الانتخاب، لكن يجب أن يكون واضحا أن الأمر ليس سهلا، فما زلت في مرحلة التداول مع الأمين العام ومع مجموعة كبيرة من المثقفين نفكر في آلية الاختيار، فاختيار أعضاء المجلس الأعلى للثقافة ليس كمجلس الشعب يمكن تقسيم الأمر إلى دوائر انتخابية ويتم التصويت. الأمر أصعب من ذلك بكثير.. توجد مجالات سهلة نسبيا، مثل لجنة العلوم الاجتماعية مثلا؛ حيث ستتم مخاطبة أقسام علم الاجتماع مثلا في الجامعات، أو الجمعيات العلمية المتخصصة، ونضع ضوابط لهذه الترشيحات، مثل: مراعاة تمثيل أجيال مختلفة، والتمثيل النوعي، والتمثيل الإقليمي.. لكن في المقابل هناك صعوبة في لجان أخرى - أعلم ذلك - حتى في حال انتخابها، لكننا سنخوض تجربة الانتخاب وستكون هذه الخطوة بمثابة التمهيد لاستقلال المجلس الأعلى للثقافة، وهو المشروع الذي أتحمس له بشكل شخصي.

* توجد اعتراضات كثيرة حول فكرة فصل المجلس الأعلى للثقافة باعتباره تقليصا لدور الوزارة وهربا من مسؤولية التخطيط للعمل الثقافي، حتى إن هناك من وصفك بإدمان دور «الرجل الثاني»..

- ليست عندي أي مشكلة في ما يقال، وأنا بشكل شخصي متحمس جدا مع من قدموا هذا المشروع، وأعرف أن الانتهاء من إعداد مثل هذا المشروع ومن ثم تطبيقه سيحتاج فترة، حتى يصدر القرار الجمهوري بالهيكل الجديد للوزارة من دون المجلس، لكن تصور معي أن هذا المشروع تم بالشكل الذي أتصوره؛ أن يحدث شكل ما من أشكال الانتخاب للجان، ثم تنتخب اللجان مقرريها، ثم ينتخب المقررون هيئة المكتب، فرئيس المجلس.. أظن أن هذا سيكون مفيدا حينما نعيد هيكلة الوزارة ويتم استقلال المجلس عن الوزارة.

* هناك مؤسسات في الوزارة يرى البعض أنه من الممكن ضمها في كيان واحد مثل المركز القومي للترجمة، حيث يتساءل البعض لماذا لا يتبع لهيئة الكتاب مثلا، خصوصا أن مشروعه يمكن استيعابه في نشاط الهيئة؟

- المشروع القومي للترجمة بدأ كمشروع داخل المجلس الأعلى للثقافة، وبدأ على استحياء بترجمة كتابين أو ثلاثة في السنة، ووصل إلى ترجمة نحو 250 كتابا في آخر سنة.. وكانت الفكرة أن يكون هناك مركز متخصص ليست وظيفته النشر فقط؛ فحسب قرار إنشاء المركز يعتبر النشر جزءا من وظيفته، لكنه ينظم دورات تدريبية للمترجمين، وينظم ورش عمل، ويؤدي خدمات الترجمة لجهات أخرى لزيادة موارده، لهذا كان استقلال المركز ككيان مستقل. أما في ما يخص النشر بشكل عام في وزارة الثقافة، فهناك لجنة الآن تدرس وضع النشر لتقييمه حتى تكون هناك قرارات لتعديل مسار خطط النشر في الوزارة إلى الأفضل.

* في ما يتصل بالشأن السياسي.. كيف يرى الدكتور عماد أبو غازي النظام السابق الآن بعد أن سقط؟

- رأيي في النظام السابق كتبته مرات، أثناء وجود النظام السابق، في الصحف التي كنت أنشر فيها مقالاتي؛ ورأيي بوضوح أن القضية الأساسية لم تكن توريث جمال مبارك الحكم، وهي القضية التي ركزت عليها المعارضة كثيرا وطالبوا الرئيس كثيرا بتعيين نائب، وكان رأيي وقتها أنه سواء عين الرئيس نائبا أو استولى جمال مبارك على السلطة، فكلا الأمرين توريث واضح.. لقد تم توريث الحكم - في تقديري - حينما عين الرئيس الراحل عبد الناصر نائبا له وهو الرئيس الراحل أنور السادات، وهو التوريث ذاته الذي حصل حينما تم تعيين الرئيس السابق، حسني مبارك، نائبا للرئيس السادات، ولو كان مبارك عين نائبا لكنا قد ورثنا للمرة الرابعة.. فكان رأيي أن يتم تغيير المواد الدستورية التي كانت معيبة جدا، وتعديل قوانين الممارسة السياسية، وأن تكون هناك ضمانات لنزاهة الانتخابات، وقتها لن تكون القضية من سيترشح. وهو ما تحقق بالفعل بعد الثورة.

الوجه الآخر في النظام السابق هو تزاوج المال والسلطة الذي أدى - وهو الطبيعي - إلى ما وصلت إليه البلاد من كوارث كانت الحافز لثورة «25 يناير». وفي الواقع كانت بداية الرئيس السابق، حسني مبارك، مبشرة بأنه يستطيع إحداث انفراجة في الحياة السياسية في مصر، حيث تولى نظام الحكم في فرصة تاريخية - بمعانيها الإيجابية والسلبية - حيث جاء في أعقاب جريمة اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات وبعد التأزم الذي شهدته الحياة السياسية في الأشهر الأخيرة من حكم السادات، وبدأ بداية بالإفراج عن المتحفظ عليهم، ثم الإفراج بشكل متسارع عن المعتقلين، ثم المؤتمر الاقتصادي. وكان يمكن أن تكون هناك بداية حقيقية لتغيير في الحياة السياسية المصرية، لكن لم تسر الأمور في هذا المسار للأسف؛ حيث لم يلتزم الرئيس مبارك بالتعهد الذي أخذه على نفسه منذ البداية بأنه سيتولى مدة رئاسية واحدة أو حتى مدتين كما كان الدستور ينص قبل تعديله في آخر حكم السادات. لو كان الرئيس السابق التزم بهذه التعهدات لتغيرت أمور كثيرة في الحياة المصرية. لكن الأمور لم تسر في هذا المسار، بل سارت في مسارات أخرى، خصوصا في السنوات الـ5 الأخيرة، مما كان طبيعيا أن يؤدي إلى الانفجار.

* كيف لم ينتبه النظام في ظنك إلى أن الأمور تسير ناحية الهاوية؟

- بسبب الخدعة الكبرى والدائمة التي تروج دائما في أروقة الحكم في مصر، وهي أن الشعب المصري شعب طيب وخانع ولا يثور.. إلى آخر هذه المقولات المضللة وغير الحقيقية التي لا تستند إلى شيء من الواقع ولا من التاريخ المصري، وقد قمت منذ 10 سنوات بتجربة كتاب مسموع بعنوان «زعماء وثورات في التاريخ المصري الحديث»، وأثناء تحضير الكتاب اكتشفت أن السكون الذي حدث في مصر منذ أواخر السبعينات ليس دالا على الطبيعة المصرية، ولكنها فترة استثنائية، حيث كثرت التوترات السياسية المتلاحقة والحركات الاحتجاجية والثورات في المائتي عام الأخيرة، في القرن العشرين وحده.

* بعض السياسيين يقارنون بين ثورة «25 يناير» وثورات أخرى في مصر والعالم.. وينتهون إلى تفوق هذه الثورة على كل الثورات التي سبقتها.. كمؤرخ؛ كيف ترى ذلك، خصوصا بالمقارنة مع أقرب ثورة شعبية حدثت في مصر هي ثورة 1919؟

- أي حكم الآن على ثورة «25 يناير» من حيث مقارنتها بأي ثورة أخرى يمكن أن يكون متسرعا ومبكرا، لكن في رأيي أن الـ18 يوما الأولى من عمر ثورة «25 يناير» تشكل بالفعل أعظم ثورة معروفة في التاريخ المصري، وأنها من حيث قوتها ومن حيث الأعداد المشاركة فيها، ومن حيث سلوكياتها التي سماها المصريون «أخلاق الميدان»، فاقت ما قبلها من ثورات، كما أن جزءا مهما من تأثير وأهمية هذه الثورة أنها جاءت بعد سنوات تصور فيها كثيرون في الحياة السياسية أنه لا أمل. لكن يجب أن لا نغفل أن الحركات الاحتجاجية الجديدة التي بدأت من 2004، و2005، مثل حركة «كفاية»، و«شايفينكو» و«6 أبريل» وغيرها من الحركات كانت تمهيدا بلا شك لثورة «25 يناير». والرائع في حركات التمهيد لثورة «25 يناير» أن أي قارئ للتاريخ لا يمكن أن يغفل حملة التوقيعات التي كانت سابقة للثورة بفترة وجيزة، فقد استلهم الشباب هذه الفكرة - على ما يبدو - من حملة التوقيعات التي سبقت ثورة 1919، وهنا يمكن المقارنة بين الثورات، في ظني، بشكل أفضل، من مستوى أي الثورات أفضل من بعض.

* أهم ما في ثورة «25 يناير» من الناحية الثقافية؟

- أخطر ما في هذه الثورة المصرية أنها - في تقديري - أول ثورة على مستوى العالم تعكس ثورات عصر مجتمع المعرفة، وكما كان واضحا يوم الأربعاء الدامي أو الحزين، أن هذه الحادثة أو الموقعة التي سميت بـ«موقعة الجمل» هذه الموقعة كانت تجسيدا حيا للصراع بين عصرين أو بين نظامين.

* مفهوم التغيير في ذهن الدكتور عماد أبو غازي الأكاديمي والوزير..

- التغيير يجب أن يطال الرؤى والسياسات قبل الأشخاص.

* هل ترى ذلك يحدث الآن؟

- أكيد يحدث.

* في رأيك.. ما الذي يمكن أن يهدد ثورة «25 يناير»؟

- أخطر شيء يمكن أن يهدد الوطن كله هو الانقسام الطائفي، الذي يمكن أن يكون كارثة – لا قدر الله – تدمر هذا الوطن، ولذلك فلا بد أن يقف كل المصريين متحدين من أجل حماية وحدتنا وكياننا الوطني. كما يجب أن ننتبه جميعا إلى أن الثورة لم تنته وأن أهدافها لم تكتمل، ولن تكتمل الأهداف وتستقر الأمور إلا بصدور دستور جديد يحقق الطموحات التي كانت تطمح الثورة إلى تحقيقها، من ناحية بناء مجتمع ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان، ويحترم الحريات الأساسية، ويحترم مبدأ التداول السلمي للسلطة.

* النظام السابق فوجئ بثورة «25 يناير»، ووزارة الثقافة أيضا فوجئت بجيل لم يتربَّ على موائدها..

- في الحقيقة من فوجئ ليس وزارة الثقافة فقط، ولا حتى النظام السابق، المجتمع كله فوجئ بجيل كثيرا ما كانت تكال له الاتهامات، باعتباره جيلا مسطحا وتافها وغير مثقف وغير واع وغير منتم.. وأعتقد أن هذا الجيل أثبت أنه عكس ما كان يتهم به تماما، خصوصا في فترة الثورة.

* في ظل تنامي التيار الديني المتشدد، كيف يمكن أن تتعامل وزارة الثقافة مع مثل هذه الأفكار؟

- من يقبل الحوار ويتعامل بمنطق الجدل الفكري، لا توجد أي مشكلة تجاهه، لكن من يسعى للتجريم والتحريم والمنع فعلاقته ليست مع وزارة الثقافة أصلا.

* لكنه لن يأتيك للحوار..

- أنا عملي هو الثقافة، وحينما دعيت لأسبوع ثقافي في طنطا نظمه ائتلاف شباب الثورة مع الإخوان المسلمين، ذهبت وتحاورنا وعرضت رؤيتي وناقشني فيها الشباب، وكان الحوار راقيا جدا.. كما حضرت مهرجان محاكاة ميدان التحرير في جامعة القاهرة وشباب «الإخوان» كانوا من منظميه، ودار حوار كان راقيا ومحترما.. الفكرة الأساسية أن من يقبل بمنطق التحاور فأهلا وسهلا سنتحاور، وفي النهاية الحكم للناس، لكن من يهدم الأضرحة ويعتدي على المواطنين فهذا لا يمكن أن يتم التعامل معه إلا من خلال القانون.

* هذا التيار يكسب أرضا في الشارع.. كيف ترى وزارة الثقافة إمكانية تحجيم مكاسب هذا التيار الذي يضر بالوطن وبعقول شبابه؟

- هذا بالضبط هو نشاطي، لكنني لن أدخل معه في معارك.. المنطق السليم يقول أن أؤدي أولا ما علي أن أؤديه، بمعنى أن هدفي لا يجب أن يكون المساجلة مع هذا أو ذاك طوال الوقت، بل العمل، لأن قضيتي ليست أن أنزل إلى الشارع لكي «أمسك في خناق» التيار السلفي، قضيتي أن أقدم رؤيتي.. التوجه الجديد الذي أطرحه أن أقدم نشاطي في كل مكان..

* راهنت في ظل النظام السابق على وجود إيجابيات يمكن العمل عليها.. وهو ما يشير إلى كونك إصلاحيا أكثر منك ثوريا..

- أنا «فابي».. بشكل واضح، أتحرك في ما يمكن تحقيقه وأضع في اعتباري ظروف المجتمع الذي أتحرك فيه.. أحاول توسيع رقعة الممكن الإيجابي. الكتاب الذي أثر في تكويني هو «دليل المرأة الذكية» لبرنارد شو.. وبالمناسبة؛ القارئ الجيد للتاريخ المصري سيكتشف أن كل حركات التغيير والثورات في مصر خرجت من داخل النظام الذي تمت الثورة عليه. أما ثورة «25 يناير» فعلى الرغم من كونها تجربة جديدة بمعايير عدة، لكن لا يمكن إنكار دور القوات المسلحة في دعم الثورة ومساعدتها بشكل كبير، وبالمناسبة موقف القوات المسلحة المصرية لم أستغربه، فهو الموقف المتوقع من هذه المؤسسة الوطنية العريقة التي تثبت منذ تأسيسها الحديث أنها مؤسسة الشعب، أي أن جزءا من نجاح الثورة كان دعم القوات المسلحة.

* توجد مشكلة في الاقتصاد المصري، لكن مشكلة وزارة الثقافة مضاعفة؛ حيث انفصل المجلس الأعلى للآثار الذي كان يوفر جزءا من موارد الوزارة.. كيف ستتعامل مع قلة الإيرادات؟

- صحيح، توجد مشكلة إيرادات، لكن المحور الثاني في خطة الوزارة في الفترة المقبلة هو: ثقافة فقيرة للفقراء بمحتوى غني. أي التركيز على ثراء المحتوى والإنتاج بإمكانيات محدودة، بمعنى أن الثقافة فقيرة الإنتاج عالية القيمة أو عالية المحتوى، فلست محتاجا الآن إلى الدخول في مشاريع مبان بملايين الجنيهات، أحتاج فقط حجرة لتخزين أدواتنا والانطلاق منها إلى أي ساحة للعمل والاقتراب من الناس وتقديم الخدمة لهم.

* من القضايا التي صنعت ضجيجا أثناء تولي الوزير الأسبق فاروق حسني قضية ترجمة كتب إسرائيلية.. ما هو تصورك حول الترجمة من الكتابات الإسرائيلية؟

- هناك ضرورة لترجمة الثقافة الإسرائيلية حتى تستطيع فهم كيف يفكرون، لكن ما نصرّ عليه هو أن لا ندخل في اتفاقات مع كتاب إسرائيليين أو ناشرين إسرائيليين، بمعنى أننا نترجم عبر وسيط، سواء هذا الوسيط كان ناشرا غير إسرائيلي، أو لغة غير العبرية ترجم إليها النص العبري في إحدى دور النشر الأوروبية مثلا، أو ترجمة النصوص التي سقطت حقوق ملكيتها؛ التي مر على وفاة مؤلفيها أكثر من 50 عاما. أي لا توجد مشكلة في الترجمة، لكن المشكلة توجد في التعامل مع النظام.