ضابط عراقي: تواطؤ لإهمال تقارير أفادت بمحاولة قيادات «القاعدة» الفرار من سجن الرصافة

قال لـ «الشرق الأوسط»: جهات سياسية حالت دون تنفيذ الإعدام بحقهم للإفراج عنهم ضمن المصالحة

TT

وصف مصدر أمني عراقي كبير عملية الخرق التي تمت في سجن مكافحة الإرهاب الواقع بمجمع وزارة الداخلية في جانب الرصافة من بغداد، الأسبوع الماضي، بأنها «الأخطر على الإطلاق»، محملا جهات أمنية تابعة لوزارة الداخلية مسؤولية هذا الخرق وكذلك الخرق الأمني الذي حدث الشهر الماضي لمجلس محافظة صلاح الدين في تكريت مركز المحافظة التي ينحدر منها الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، الذي أدى إلى مقتل ما يقرب من 60 شخصا بينهم أعضاء في مجلس المحافظة.

وقال المصدر، وهو ضابط كبير في الجيش العراقي، لـ«الشرق الأوسط» التي التقت به في أربيل أمس إن «معلومات استخباراتية توفرت للأجهزة الأمنية، سواء من قوات الجيش والشرطة، بأن هناك عملية كبيرة سوف تقوم بها مجموعة من تنظيم القاعدة لإنقاذ قيادييهم المعتقلين في سجن مكافحة الإرهاب في الرصافة، لكن لم تتخذ أية إجراءات جدية باعتبار أن هذا السجن يقع في مجمع وزارة الداخلية المحصن أكثر من المنطقة الخضراء، وهو بالفعل كذلك، وهذا مما يثير استغرابنا وشكوكنا، بل يقيننا بأن هناك تواطؤ حصل لتنفيذ هذه العملية الخطيرة التي تكشف عن ضعف الأجهزة الأمنية».

وقتل ثمانية من أفراد الشرطة العراقية، بينهم أربعة ضباط، بالإضافة إلى عشرة سجناء ينتمون إلى تنظيم القاعدة من بينهم مخطط الهجوم الدموي الذي استهدف مسيحيين في كنيسة «سيدة النجاة» وسط بغداد في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وأسفر عن مقتل أكثر من 50 شخصا، خلال محاولة فرار من سجن في وسط بغداد الأسبوع الماضي تخللتها اشتباكات.

وجاءت عملية سجن مكافحة الإرهاب الذي يضم عددا من أمراء «القاعدة» ووالي بغداد حذيفة البطاوي «كرد انتقامي مخطط له من قبل عناصر التنظيم ردا على مقتل زعيم تنظيم القاعدة بن لادن» على حد تصريح مسؤول أمني عراقي، مشيرا إلى أن «هذا السجن يضم قياديين في تنظيم القاعدة ومحكومين بالإعدام».

واستغرب الضابط الكبير في الجيش العراقي عملية اختراق التحصينات الأمنية المشددة لمجمع وزارة الداخلية وإدخال قطع سلاح ومواد تفجير وقنابل أدت إلى مقتل الضابط الكفء العميد مؤيد الصالح مدير مكافحة الإرهاب وذلك بإطلاق رصاصة على رأسه، وقتل ضابط آخر برتبة مقدم، في حين أصيب مقدم آخر بجروح وذلك لانقاد قياديين إرهابيين بينهم ما يسمى «والي بغداد» (البطاوي)، مشيرا إلى أن «التصريحات الإعلامية التي انطلقت من جهات أمنية حول هذه العملية تدعو للسخرية وجاءت كأنها سيناريو لفيلم هزيل؛ إذ لم تكشف الجهات المسؤولة عن حقيقة تنفيذ هذه العملية التي تمت بخرق وبتواطؤ بين أجهزة معينة في وزارة الداخلية والمهاجمين، وإلا كيف يفسر المسؤولون الأمنيون عملية دخول المهاجمين إلى مجمع محصن، بهذه السهولة، ويسيطرون على سجن لعتاة المجرمين؟».

وأوضح الضابط العراقي قائلا إن «ما قيل عن قيام السجناء أنفسهم بالسيطرة على أسلحة وقنابل يدوية داخل السجن ليس حقيقيا؛ إذ إن هذه الأسلحة والقنابل اليدوية تم إدخالها إلى السجن من قبل المهاجمين وبتواطؤ من قبل حراس وأجهزة أمنية في حماية مجمع وزارة الداخلية، ولا بد من تحقيق نزيه يكشف للعراقيين حقائق الأمور»، منبها إلى أن «عدم التنسيق المخابراتي بين الأجهزة الأمنية وولاء كل جهاز أمني لجهة سياسية أو مذهبية وقيام جهات بتصفيات لأهداف سياسية، أدى إلى حدوث مثل هذه العملية التي تعد نصرا لقوى الإرهاب».

وحسب رواية الأجهزة الأمنية آنذاك، فإن العملية، التي قادها البطاوي، بدأت عند قيام ضابط برتبة ملازم بمحاولة استجواب الأخير حول سلسلة الاغتيالات الأخيرة في بغداد وإمكانية قيام «القاعدة» بعمليات انتقامية لمقتل أسامة بن لادن.

وذكر مصدر أمني أنه «لدى فتح باب الزنزانة الخاصة بالمجموعة، تمكن البطاوي من الاستيلاء على مسدس الضابط والاحتفاظ به كرهينة، قبل أن يتمكن الآخرون من مغادرة الزنزانة إلى باحة السجن»، وأضاف أن «المجموعة تمكنت من الوصول إلى مكتب العميد مؤيد الصالح وقتله بإطلاق رصاصة على رأسه، وقتل ضابط آخر برتبة مقدم، فيما أصيب مقدم آخر بجروح»، وقتل الملازم الرهينة وملازم آخر.

وأشار إلى أن «المجموعة تمكنت من الاستيلاء على أسلحة مختلفة وقنابل يدوية داخل السجن، وقعت بعدها اشتباكات مع حراس السجن» قتل فيها أربعة عناصر من الشرطة. وتمكن خمسة من السجناء «من التسلل إلى سيارة عسكرية في محاولة للفرار، لكن قوات التدخل السريع قتلتهم جميعهم»، بحسب المصدر ذاته.

وحول سبب عدم تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة من القضاء العراقي بحق هؤلاء المجرمين، قال الضابط العسكري العراقي أمس إن «هناك المئات من المحكومين بالإعدام لم ينفذ بحقهم العقاب وذلك لقيام جهات سياسية باستخدام هؤلاء كأوراق في المفاوضات وعمليات لي أيدي بعضهم بعضا»، كاشفا عن أن «هناك بعض الجهات السياسية التي كانت تفاوض لإطلاق سراح بعض قياديي (القاعدة) ضمن ما أطلقوا عليه (عملية المصالحة الوطنية) وهذا أمر خطير ويهدد القضاء والاستقرار الأمني».

وفي ما يتعلق بالعملية التي نفذها إرهابيون من تنظيم القاعدة في محافظة صلاح الدين الشهر الماضي والتي استهدفت مقر مجلس محافظة تكريت وأدت إلى مقتل 58 شخصا بينهم أعضاء في مجلس المحافظة، قال الضابط العراقي، إن «هذه العملية نفذت من قبل شخصين ونتيجة خرق حقيقي من قبل بعض أفراد الشرطة المكلفين بحماية مجلس المحافظة؛ إذ سهل هؤلاء مرور الإرهابيين»، موضحا أن «الإرهابيين كانوا مسلحين برشاشات ثقيلة وعشرات القنابل اليدوية التي لم تتوفر لقوات الأجهزة الأمنية التي لا تحمل سوى رشاشات الكلاشنيكوف المحدودة الأداء. وأنا أؤكد أن تسليح الإرهابيين أفضل بكثير من تسليح قواتنا العسكرية والأمنية».

وأشار إلى أن «هناك صراعا علنيا بين أجهزة وزارتي الدفاع والداخلية، حيث تتجاهل وزارة الداخلية المعلومات الاستخباراتية التي نجهزها لهم نحن في وزارة الدفاع، كما يرفضون تزويدنا بالمعلومات التي يحصلون عليها، وهذا نتيجة الولاءات السياسية والمحاصصات الطائفية التي تسود المؤسستين العسكرية والداخلية».